فيجلس في المقهى وهالة من الكاريزما تحيط به ، ويمشي في الشارع واثق الخطوة يمشي ملكا ظالم الحسن شجي الكبرياء"... ولكن يحدث أن تنقلب كل هذه الصورة رأسا على عقب بمجرد أن يختار طريق منزل الزوجة الثانية "شيحة". فيتحول الشيخ الوقور إلى رجل متصابي وعاشق ولهان يرقص ويغني ويغفر الزلات ...كيف يستطيع الممثل صالح الجدي أن يلاعب الشخصيتين المتناقضتين حد التنافر في الآن ذاته؟ كيف يخرج من حالة إلى حالة بمنتهى السلاسة ؟ كيف ينسينا أنه يمثل وأنه ليس هو حقا "الشيخ صافي"؟
بدت شاشة الدراما وكأنها تبتسم ابتهاجا بإطلالة الممثل صالح الجدي ، إطلالة تصنع الفارق وتحدث الفرق بلاشك! وفي مسلسل "وادي الباي" على الوطنية الأولى في النصف الثاني من رمضان 2025 ، يجسد هذا الممثل شخصية "الشيخ صافي" بكل أبعادها وهواجسها وتركيبتها الاجتماعية والنفسية المركبة ... في مراوحة بين وجهين مختلفين في انتقاله ما بين المقهى الذي يملكه ومنزل الزوجة الأولى ومنزل الزوجة الثانية.
ربما من أسلحة الممثل الناجح أن يمتلك قوة ناعمة لا تحتاج إلى استعراض، وأن يكون قادرا على أن يجعل الجمهور يتقبله دون أن يفرض نفسه عليه، وأن يكمل ما لم يقله السيناريو وكاميرا المخرج بلغة جسده وملامح وجهه وأدواته الخاصة في الأداء... ويمتلك صالح الجدي كل هذه الميزات وهو الذي لعب بطولة أشهر المسلسلات التونسية وقدم أدوار طريفة ومؤثرة مهما كان مساحة لعبه ضيقة، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر "الدوار" و" ماطوس" و"غالية" و" منامة عروسية" و"الريحانة" ....
مرة أخرى، ومع مسلسل "وادي الباي" يضع صالح الجدي نفسه في قلب الأحداث وفي صميم القصة. فينسجم معها ويتماهي ليكون في مركزها وليس على هامشها مهما كانت مساحة الدور فعندما يظهر صالح الجدي على شاشة الدراما يحضر الإقناع وكثيرا من الإبداع فلا مجال لعزف النشاز وقائد اوركسترا المشهد هو صالح الجدي. على نوتات من التشويق ، يتلون صوت صالح الجدي وتتقلب نبراته من الهمس إلى الصراخ، من الحنان إلى القسوة... من الطيش إلى الحكمة تتغير ملامح وجهه وتتبدل فيعبس بصدق عندما يحزن ويبتسم بعذوبة عندما يفرح ...وكأن بعواطف الشخصية تنبض من وجهه. فننسى للحظة أننا أمام ممثل وصالح الجدي يلاعب المتفرج على حبل من التشويق.
مهما خفتت أضواء الشهرة عن صالح الجدي، فإنه عندما يعود يكون نجما لامعا مضيئا يشع إبداعا في زمن يحن لفرسان دراما الزمن الجميل.