يحلم الإنسان عموما والفنان خصوصا بأن يكون حرا ومتفردا، بأن لا يلبسه الآخرون وجها لا يشبهه ولا ينعتونه بصفة ليست منه... في هذا المدار يسير الفنان المسرحي نجاة القنواتي خارج الحدود الضيقة، ولا يلتفت إلى العقول المائلة التي تتأرجح بين الموقف واللاّموقف. يواجه ناجي القنواتي كل التصنيفات والانتقادات وحتى الإخفاقات بابتسامة... ويمضي! ليعود في كل ظهور أقوى وأكبر عن التوصيف أو الاستيعاب لطاقات ممثل تترك الظلال، وتسرق الأضواء بعد كل أثر، بعد كل دور.
في الموسم الرمضاني لهذا العام، لم يزر ناجي القنواتي مسلسل "واد الباي" خالي الوفاض، فارغ اليدين بل وفد إليه بزاد ثري من الآليات والتقنيات اكتسبه من "أبي الفنون"، المسرح.
إنّ الممثل الذي اعتلى ركح المسرح بشغف وعشق، فمنحه من عرقه ودموعه وضحكاته بسخاء دون حدود لا يصعب عليه محو الحد الفاصل بين والواقع والخيال ليصبح هو الشخصية، وتصبح الشخصية هي هو!
عند اختتام أيام قرطاج المسرحية 2024، فاز ناجي القنواتي بجائزة أفضل ممثل عن دوره في مسرحية "اعتراف" لمحمد علي سعيّد والتي أسندها الاتحاد العام للفنانين التونسيين. فجاء من الركح إلى الشاشة الصغيرة، ليقنع الجمهور العريض بالاعتراف بقدرات هذا الممثل في دور "صويلح" في "واد الباي".
في إخراج نسائي بتوقيع مروى مرموش، يصافح مسلسل "واد الباي" جمهور الوطنية الأولى في النصف الثاني من شهر رمضان، ملقيا بدلوه في "واد" تاريخي وأثري ومستقرئا عوالم داموس الفسفاط وخفايا الانتفاضات العمالية في الحوض المنجمي ...
تقمّص ناجي القنواتي شخصية "صويلح" النقابي الثائر، والعاشق المحبّ بمنتهى الحب والصدق في الأداء. في عمق التماهي بين الممثل والشخصية، لا تتلاشى خطوات ناجي القنواتي في الفراغ، بل إنّ كل مشهد يبني لمعالم جديدة في "واد الباي" ويرسم ملامح خفيّة لشخصية "صويلح".
دون صراخ، دون تعسف على الجسد أو النص، دون مبالغة في التكلف والتصنع، يؤكد الممثل ناجي القنواتي أنّ انسيابية الأداء والأريحية أمام الكاميرا واحترام المتفرج هي أبواب للنجاح لا تسلّم مفاتيحها لأي كان وكيفما كان !
من موسم درامي إلى آخر، يثبت ناجي القنواتي والكثير من بنات المسرح وأبنائه أنّ كل حبّة عرق، كل دمعة، كل ابتسامة لا تضيع سدى بل تُرفع في ميزان لا يميل، ميزان يرّجّح الكفّة لصالح فنانين صادقين وممثلين مبدعين يحملون هاجسا فنيا ورهانا فكريا ومشروعا إنسانيا.