ملف :تصعيد إسرائيلي بدعم أمريكي.. وحراك عربي لوقف العدوان :مستقبل غزة بين تعنت الاحتلال والتحركات الدبلوماسية

تواصل إسرائيل حرب الإبادة الجماعية ضد غزة في انتهاك لوقف إطلاق النار

أسفر عن استشهاد أكثر من 673 فلسطينيا وإصابة 1233 آخرين معظمهم من النساء والأطفال . وأقرت دولة الاحتلال بأن هذا التصعيد هو بتنسيق كامل مع الإدارة الأمريكية التي أعطت الضوء الأخضر لنتنياهو لقلب الأوراق من جديد والامتناع عن تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق وذلك استجابة لمطالب المتطرفين في حكومته . يأتي ذلك فيما رحبت حماس بمضمون البيان الختامي الصادر عن اجتماع اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المعنية بقطاع غزة، ودعت إلى ترجمته لخطوات عملية لوقف العدوان الإسرائيلي.

والأحد، دعت اللجنة في بيانها عقب اجتماعها بالقاهرة مع الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية كايا كالاس، إلى "العودة الفورية" إلى التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار بغزة، مشددة على "الرفض القاطع" لتهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه.
وقالت "حماس" في البيان: "نرحّب بهذه المواقف، فإننا ندعو إلى ترجمتها إلى خطوات عملية وضغوط سياسية حقيقية على الاحتلال الصهيوني لوقف عدوانه، ورفع الحصار، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية والاحتياجات الأساسية إلى غزة، بما يعزّز صمود شعبنا على أرضه".وأكدت دعمها لكل جهد "عربي وإسلامي جاد لإعادة إعمار قطاع غزة"، معربة عن تقديرها للجهود المشتركة في تقديم "خطة عربية واضحة للتعافي والإعمار تضمن بقاء أبناء شعبنا في أرضهم وتوفّر مقومات الحياة الكريمة، وتُسهم في مواجهة آثار العدوان الوحشي والحصار الظالم المفروض على القطاع".
وضم اجتماع اللجنة الأحد إلى جانب كالاس، وزراء خارجية الأردن وفلسطين وقطر ومصر وتركيا وإندونيسيا والبحرين، ووزير الدولة الإماراتي، والأمينين العامين لجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي.وصدر عن الاجتماع بيان، أشار إلى مناقشة الأطراف التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأشار البيان إلى أن المجتمعين "أعربوا عن قلقهم البالغ إزاء انهيار وقف إطلاق النار في غزة وما أسفر عن ذلك من سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين (الفلسطينيين) جراء الغارات الجوية (الإسرائيلية) الأخيرة". وأدانوا "استئناف الأعمال العدائية واستهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية".ودعا المجتمعون إلى "العودة الفورية إلى التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين ".وأكدوا على "ضرورة التقدم نحو المرحلة الثانية من الاتفاق بهدف تنفيذه الكامل، بما في ذلك إطلاق سراح جميع الرهائن، وإنهاء الأعمال العدائية بشكل دائم، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ووفقًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2735".

تعنت الإحتلال
في تصعيد جديد يعكس طبيعة السياسة الإسرائيلية القائمة على القوة العسكرية والمراوغة السياسية، وبدعم أمريكي واضح، أجهضت حكومة بنيامين نتنياهو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، لتستمر حرب الإبادة في غزة، متجاهلة الجهود الدولية والعربية الرامية إلى إرساء تهدئة دائمة. في المقابل، أبدت حركة "حماس" ترحيبا بالبيان الصادر عن اللجنة الوزارية العربية الإسلامية، داعيةً إلى ترجمته إلى إجراءات ملموسة توقف العدوان وتضمن دخول المساعدات وإعادة إعمار القطاع المنكوب.
منذ بداية العدوان على غزة، تعاملت "إسرائيل" مع أي جهود تهدئة وفق منطق المماطلة والتلاعب، حيث لم يكن الالتزام بوقف إطلاق النار سوى تكتيك مؤقت يخدم أجندتها السياسية والعسكرية. ووفق مراقبين فقد كان التصعيد الأخير، الذي أوقع أكثر من 673 شهيدًا وآلاف الجرحى، الذي جاء بتنسيق كامل مع الإدارة الأمريكية، بمثابة دليل على استمرار واشنطن في دعم إسرائيل رغم انتقادات دولية متزايدة. ويبدو أن الضغوط الداخلية على نتنياهو، خاصة من اليمين المتطرف، دفعته إلى التراجع عن تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، إذ يرى هؤلاء في أي تهدئة تهديدا لمشروعهم التوسعي الإحتلالي والإستيطاني.
في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه، أبدت حركة "حماس" انفتاحا على الجهود الدبلوماسية، مرحبة بمخرجات الاجتماع الوزاري العربي الإسلامي في القاهرة. إلا أنّ الحركة شدّدت على أنّ البيانات وحدها لا تكفي، مُطالبة بتحركات فعلية على الأرض تضغط على "إسرائيل" لوقف عدوانها وإنهاء الحصار. هذا الموقف يضع الفاعلين الإقليميين أمام اختبار حقيقي: هل يمكن ترجمة المواقف السياسية إلى إجراءات مؤثرة، أم أن الاحتلال سيواصل فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية؟

بين الدبلوماسية والضغوط السياسية
ويرى متابعون أنّ الاجتماع الذي عقد في القاهرة، بحضور ممثلين عن الدول العربية والإسلامية إلى جانب الاتحاد الأوروبي، يعكس إدراكا متزايدا لخطر استمرار الحرب في غزة.وشدد البيان الصادر عن الاجتماع على ضرورة العودة الفورية لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وأدان التصعيد الإسرائيلي بحق المدنيين. لكن السؤال الأهم: هل تملك هذه الأطراف أوراق ضغط حقيقية على إسرائيل، أم أن تحركاتها ستظل محصورة في نطاق الدبلوماسية التقليدية؟
في ظل استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل وتراجع فاعلية الضغط الدولي، يبدو أنّ مستقبل غزة لا يزال محكوما بمعادلة القوة العسكرية مقابل الصمود الشعبي. ورغم الجهود السياسية، يبقى الفلسطينيون أمام تحديات كبرى، أبرزها استمرار العدوان الإسرائيلي، وتأخر إعادة الإعمار، وتصاعد المخاوف من مخططات تهجير قسري.
ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد تصعيد عسكري عابر، بل هو امتداد لإستراتيجية إسرائيلية تهدف إلى فرض أمر واقع جديد. وفي المقابل، فإن الترحيب الحذر لـ"حماس" بالبيان العربي الإسلامي يعكس إدراكها أن المواقف الدبلوماسية وحدها غير كافية، ما لم تُترجم إلى إجراءات عملية. ويبقى الرهان على صمود الفلسطينيين، وعلى قدرة المجتمع الدولي – إن أراد – على كبح جماح العدوان الإسرائيلي، لكن حتى الآن، كل المؤشرات تؤكد أن الاحتلال ماض في إستراتيجيته، ما لم تحدث مفاجآت تقلب المعادلة.
"إسرائيل" بين التصعيد العسكري والانهيار الداخلي

وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، يبدو أن معادلة الصراع تشهد تحوّلا ملحوظًا، ليس فقط على المستوى الميداني، بل أيضا داخل كيان الإحتلال نفسه. فبينما تستعد حكومة بنيامين نتنياهو لخوض مرحلة جديدة من التصعيد العسكري قد تشمل اجتياحا بريا تدريجيا، تواجه المؤسسة العسكرية أزمة متنامية تتمثل في "الرفض الصامت" للخدمة في قوات الاحتياط. هذا التراجع في الالتزام العسكري يثير مخاوف حقيقية لدى القيادة الصهيونية، ويطرح تساؤلات حول قدرة الجيش على تحمل أعباء حرب طويلة الأمد، في ظلّ عجزها عن القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس .
فعلى مدار الأشهر الماضية، أثبتت حركة حماس أنها تتعامل بجذية وثبات مع التصعيد الإسرائيلي وفق إستراتيجية مدروسة بعناية، حيث يبدو أنها أدركت أن أي خطوة عسكرية إسرائيلية قادمة ستكون تدريجية، ومحسوبة بشكل دقيق، مما دفعها إلى ضبط ردود فعلها العسكرية، مع التركيز على إدارة المعركة السياسية والإعلامية. ووفق مراقبين فإن عدم الرد المكثف على الهجمات الإسرائيلية قد يكون جزءا من إستراتيجية تهدف إلى استنزاف الاحتلال سياسيا وعسكريا، خاصة مع تصاعد التململ الداخلي في ''إسرائيل''.
ورغم محاولات الاحتلال إظهار السيطرة على زمام الأمور، فإن المؤشرات القادمة من الداخل الإسرائيلي تعكس واقعا مغايرا. فبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تواجه قيادة الجيش أزمة غير مسبوقة تتمثل في "الرفض الصامت" للخدمة في قوات الاحتياط، خاصة في الوحدات القتالية. هذا التململ قد يكون ناتجا عن عدة عوامل، أبرزها الإرهاق العسكري من الحرب المستمرة منذ أشهر والتي فرضت ضغوطًا هائلة على جنود الاحتياط، الذين بدأوا يدركون أنهم جزء من حرب طويلة الأمد دون أهداف واضحة. ثانيا الخسائر البشرية، فرغم التعتيم الإعلامي، فإن التقارير المتسربة تشير إلى خسائر كبيرة في صفوف جيش الإحتلال الإسرائيلي، مما يزيد من إحجام الجنود عن الانخراط في المعركة.وأيضا الانقسام حول جدوى الحرب وقيادة نتنياهو أدى إلى تصاعد الاحتجاجات ضد الحكومة ، والمخاوف من أن أي عملية برية واسعة النطاق تعني زيادة الخسائر البشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهو ما يثير قلق الجنود وعائلاتهم.
رغم التهديدات الإسرائيلية المستمرة، فإن تنفيذ اجتياح بري تدريجي يواجه عقبات داخلية كبيرة، خاصة مع تزايد الرفض للخدمة في الاحتياط. ففي حال استمر هذا التراجع، قد يجد الجيش نفسه عاجزا عن حشد القوى البشرية اللازمة لمواصلة الحرب بنفس الوتيرة.
يبدو أن الوضع في غزة أصبح أكثر تعقيدا، حيث تواجه "إسرائيل" أزمة داخلية قد تؤثر على قدرتها على التصعيد العسكري، بينما تستمر حماس في إدارة الصراع بحذر، مستفيدة من التحولات السياسية والميدانية. ويرى مراقبون أنه في ظل هذه المعطيات، قد يكون المخرج الوحيد أمام "إسرائيل" هو البحث عن تسوية سياسية تحفظ ماء الوجه.
القطاع دخل مرحلة خطيرة

من جهته حذر المكتب الإعلامي الحكومي بغزة،أمس الاثنين، من دخول القطاع "مرحلة خطيرة" جراء الحصار الإسرائيلي المشدد إثر إغلاق المعابر أمام المساعدات الإغاثية والإنسانية والطبية والبضائع في 2 مارس الجاري.
وقال المكتب الحكومي في بيان: "في ظل استمرار الإبادة الجماعية والعدوان الوحشي ونزف الدماء والحصار الخانق على قطاع غزة، يواصل الاحتلال "الإسرائيلي ارتكاب جرائم ممنهجة بشكل يومي ضد أكثر من 2.4 مليون إنسان فلسطيني عبر سياسات إغلاق المعابر والتجويع والتعطيش والإبادة البطيئة، متجاهلة بشكل صارخ كل القوانين الدولية والإنسانية".
وأوضح أن "إسرائيل" تواصل لليوم 23 إغلاق معابر القطاع ومنع دخول الإمدادات الأساسية حيث يتم منع دخول 600 شاحنة مساعدات يوميا إلى جانب 50 شاحنة وقود ما أدى لكارثة خانقة في مختلف القطاعات الحيوية خاصة الصحية والخدمية.
وذكر أن "إسرائيل" تمعن في "فرض سياسة التجويع القسري على أهالي قطاع غزة، ما تسبب في انتشار سوء التغذية خاصة بين الأطفال، وإغلاق عشرات المخابز بسبب انعدام غاز الطهي"، محذرا من اقتراب نفاد الطحين بشكل كامل.
وعلى صعيد القطاع الصحي، قال المكتب الإعلامي الحكومي إن إسرائيل تتعمد "منع إدخال الأدوية والعلاجات الأساسية والمستلزمات الطبية وقطع الغيار للمولدات الكهربائية الخاصة بالمستشفيات، فضلا عن منع إدخال مئات الجراحين والوفود الطبية، ما يهدد حياة آلاف المرضى".وحذر من خطر توقف سيارات الإسعاف والدفاع المدني بشكل كامل جراء منع دخول الوقود.كما قال إن منع دخول غاز الطهي والوقود أدى إلى "تعطيل عشرات المخابز وتوقف قطاع النقل والمواصلات ما زاد من معاناة الفلسطينيين".وعن المياه، حذر من أن نفاد الوقود أدى إلى توقف إمدادات الماء ما يهدد حياة المواطنين بالعطش وتردي الأوضاع الصحية.وبيّن أن التدمير الإسرائيلي لأكثر من 700 بئر مياه على مدار أشهر الإبادة أدى إلى تفاقم أزمة المياه وتزايد معدلات الأمراض المرتبطة بتلوثها.

وأشار على أن القطع الإسرائيلي للكهرباء عن محطة تحلية المياه في المحافظة الوسطى هدد بتفاقم أزمة العطش وزيادة انتشار الأمراض المعدية.وحمل المكتب الإعلامي الحكومي الإدارة الأمريكية المسؤولية الكاملة عن الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق المدنيين، وطالب العالم بالضغط لفتح المعابر وإدخال فوري للمساعدات.ومنذ استئنافها الإبادة الجماعية بغزة فجر الثلاثاء، قتلت إسرائيل 675 فلسطينيا وأصابت 1233 آخرين معظمهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.ويمثل هذا التصعيد، الذي قالت تل أبيب إنه يتم بتنسيق كامل مع واشنطن، أكبر خرق لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي امتنعت إسرائيل عن تنفيذ مرحلته الثانية بعد انتهاء الأولى مطلع مارس الجاري.
ورغم التزام حركة "حماس" ببنود الاتفاق، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المضي قدما في المرحلة الثانية، استجابة لضغوط المتطرفين في حكومته.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115