أنّ فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شدد الحصار الاقتصادي على إيران إلى الحدود القصوى من أجل دفعها لتقديم تنازلات أكبر. وأشار الكاتب العراقي إلى أنّ، إنهاء الإعفاءات التي كانت تمنح لبعض البلدان في تعاقداتها مع إيران ومنها العراق الذي أنهت واشنطن إعفاءه من شراء الكهرباء من طهران ، تتنزل في هذا السياق من الضغوطات.
ماهي أبعاد القرار الأمريكي إنهاء إعفاءات العراق لشراء الكهرباء من إيران ، هل يتنزل برأيكم في سياق سياستها للضغط على طهران؟
لم يكن قرار ترامب بممارسة سياسة الضغط الأقصى على إيران غير متوقع فقد كان من أبرز شعاراته أيام حملته الانتخابية، وكانت إيران ميالة إلى فوز نائبة الرئيس بايدن كامالا هاريس، مع أنها -إيران- استعدت لمرحلة ما بعد بايدن من خلال وصول مسعود بزشكيان وفريقه الإصلاحي إلى السلطة فيها، الذي افتتح رئاسته بإرسال رسائل دبلوماسية إلى فريق ترامب حتى قبل توليه الرئاسة فعلياً، ورأيي أن ترامب رغم ما يقال عن تشدده تجاه إيران فهو ذاهب باتجاه عقد صفقة معها، لتوافر الظروف السياسية داخل إيران وفي المنطقة لعقد مثل هذه الصفقة، والأسباب التي تدفعني إلى تغليب هذا الاحتمال كثيرة ومنها أن ترامب رجل أعمال أكثر منه رجل سياسة، وسيضع حسابات الفوائد والخسائر بين عقد الصفقة أو الذهاب إلى الخيار العسكري، وسيكون نتيجة ذلك تغليب خيار الصفقة، لأن الخيار العسكري قد يفضي إلى نتائج عكسية، لا سيما وأن ترامب قد انتقد في السابق تدخلات الولايات المتحدة وحروبها في المنطقة، ويعدها سياسة توريط كان من الأفضل للولايات المتحدة عدم التورط فيها.
كما استعدت إيران للخيار العسكري، مع أنها لا تعمل وليست راغبة في هذا الخيار، بسبب اقتصادها المنهار والضغوط الداخلية التي نشأت عن الحصار الإقتصادي، لذلك تسعى إيران لتجنب الحرب لأن أي كلفة ستدفعها لتجنب الحرب ستكون بالتأكيد أقل من الكلفة التي ستدفعها في حالة الحرب، ولذلك ترشحت أنباء عن تقديم إيران "حوافز اقتصادية" للولايات المتحدة بقيمة استثمارات أمريكية في إيران تصل إلى ترليون دولار، في حالة عقد الصفقة معها.
كيف ستكون تداعيات القرار على العراق الذي يجد نفسه في خضم مواجهة بين إيران وأمريكا؟
من أجل دفع إيران لتقديم تنازلات أكبر، شدد فريق ترامب الحصار الاقتصادي على إيران إلى حدوده القصوى، ما كان يعني إنهاء الإعفاءات التي كانت تمنح لبعض البلدان في تعاقداتها مع إيران ومنها العراق. وكنت قد كتبت مقالا قبل تولي ترامب السلطة رسمياً في البيت الأبيض بعنوان (هل العراق مستعد للسيناريو التالي؟) ذكرت فيه ما نصه "من المرجح أن تذهب الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب إلى تشديد الحصار على إيران، ما يعني احتمال إيقاف الاستثناءات التي كان يحصل عليها العراق، فيما يتعلق بالغاز والكهرباء الإيرانيين، بالإضافة إلى تقييدات أوسع على التعاملات التجارية مع الجانب الإيراني" وذكرت أيضاً أن الحكومات العراقية " لم تسع إلى تجنب ما قد يكون السيناريو الأسوأ الذي قد تواجهه، فيما لو لم يكن بوسعها الاستغناء عن الكهرباء والغاز من إيران، وإلا واجهت مصيراً مماثلاً، وقد يكون أسوأ من المصير الذي تواجهه إيران التي استعدت لأسوأ السيناريوهات المحتملة".
ولو ألقينا نظرة سريعة على ما يتعلق بموضوع الغاز، فسيكون الموضوع أكثر ألماً، فقد ذكرت مجلة "الإيكونومست" البريطانية في تقرير لها نشر بتاريخ 27 مارس 2014، أن العراق يحرق غازاً طبيعياً يساوي ما تستهلكه النمسا، بينما يشتري حاجته من الغاز من إيران “وبما أن معدلات إنتاج النفط في العراق في تزايد، فإن كميات الغاز المصاحبة لهذا الإنتاج المتزايد ستتضاعف كثيرا”. ومما ذكرته المجلة البريطانية المعنية بتقارير الأعمال والسياسة والتكنولوجيا، إن “برنامج تطوير صناعة الغاز في البلاد لم تسر بسهولة كما يتمنى البعض، وأن الحكومة تريد أن تضع حداً لعملية حرق الغاز بحلول العام 2015"، ومع إعلانات الحكومات المتعاقبة منذ 2005 على أنها ستعمل على إنهاء مشكلة حرق الغاز وإنهاء حاجة العراق إلى استيراد الغاز من إيران، لكن لم تكن أي من هذه الإعلانات حقيقية، ما يكشف المدى الذي أخفقت هذه الطبقة السياسية فيه، بما في ذلك استقراء الأخطار والتحديات التي تواجه مشاريع سلطاتها، فضلاً عن إخفاقها في بناء مشروع دولة.
ماهي قراءتكم لسياسة ترامب تجاه المنطقة بعد توليه الحكم، وتهديداته الأخيرة لإيران ؟
سبق أن ذكرت أنّ إدارة ترامب تمارس أقصى الضغوط على إيران لدفعها لتقديم المزيد من التنازلات، ويعرف كلا الجانبين أن خيار الذهاب إلى المواجهة العسكرية خيار مكلف لكليهما، ويعرف كلاهما أن تهديداتهما باللجوء إلى الخيار العسكري يندرج ضمن هذا الإطار، لكن ثمة احتمال قد يكون مرجحاً في حالة رغبة الولايات المتحدة في ترجمة تهديداتها العسكرية إلى واقع، مع أن الخيار العسكري من وجهة نظري مستبعد كما سبقت أن بينت، لكن في حالة عدم تحقيق الدبلوماسية للأهداف المطلوبة، وانسداد أفق الحل، سيتم ضرب مواقع البرنامج النووي الإيراني من قبل "إسرائيل" لكن بدعم استخباراتي وعملياتي أمريكي غير منظور، يتيح للولايات المتحدة إنكار دورها فيه، ومن المتوقع أن يترافق ذلك بدعوات أمريكية بعدم التصعيد، وباستعدادها للتوصل إلى إتفاق بعد أن تكون الضربة قد حققت هدف تدمير البرنامج بالكامل أو أخرته لسنوات.