الى واقع المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد وتداعيات ذلك على دول المنطقة . وكشف عن الدور التركي وتفاعلاته في تحريك ورقة الفصائل المسلحة الإرهابية التي استلمت الحكم في سوريا .
أولا قراءتكم لما يحصل اليوم في سوريا؟
لا يمكن عزل ما حدث في سوريا وسقوط نظام بشار الأسد، والإعداد له، عما حدث في غزة ولبنان، بل أفترض -وأتمنى أن أكون مخطئاً- أن ما حدث، سبق التنسيق على إحداثه بين إسرائيل وتركيا، فالهدف ليس إسقاط نظام بشار الأسد، والحرص على "مستقبل الشعب السوري" بقدر ما هو إسقاط الدولة السورية وتقاسمها كمناطق نفوذ بين تركيا وإسرائيل، بالدرجة الأساس. نتذكر بعض الأحداث التي سبقت سيطرة التنظيمات المسلحة على حلب، ومنها، دعوات أردوغان لبشار الأسد لفتح حوار معه الذي جاء بعد أن تجهّز المسرح للعمل العسكري، وتصريح نتنياهو، بأن بشار الأسد يلعب بالنار، الذي لم أجد له مناسبة يمكن أن تكون دافعاً لمثل هذا التصريح، لقاء وفد استخباري إسرائيلي بأردوغان قبل أحداث حلب ببضعة أسابيع، ضربات إسرائيلية لمواقع تخزين الأسلحة والأعتدة الخاصة بالجيش السوري، ولا سيما القريبة من حلب، ضربات إسرائيلية لعدد من معسكرات الجيش السوري، وضربات إسرائيلية لبعض مواقع المليشيات العراقية في سوريا، وعلى الحدود العراقية – السورية. كل ذلك يدل على إعداد خطة متكاملة بين الطرفين -وربما بمساعدة واشتراك أطراف أخرى-لإسقاط النظام في سوريا.
من هي الفصائل التي تقاتل واجنداتها ومن يدعمها اليوم؟
الفصائل هي فصائل إرهابية توحدت فيما يسمى "هيئة تحرير الشام" برعاية تركية، بتاريخ 28 جانفي 2017، منها تنظيم جبهة النصرة الإرهابي الذي انشق عن تنظيم داعش وغير اسمه بعد تصنيفه كمنظمة ارهابية إلى جبهة تحرير الشام، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة، ولواء الحق، وحركة نور الدين زنكي، وكلها منظمات إرهابية متطرفة، يجمعها بعدها الطائفي لأنها مدعومة من أطراف خارجية تدعي تمثيلها لـ"السنة". اختارت هذه المجموعات الإرهابية، أن يكون أبو محمد الجولاني، الإرهابي الذي خصصت الإدارة الأمريكية مبلغ قدره عشرة ملايين دولار، لمن يدلي بمعلومات عنه.
يكشف لنا هذا الأمر، كيف تستخدم وكالات الاستخبارات الإقليمية والدولية، هذه التنظيمات لتنفيذ مخططاتها ضد الدول التي تقف بالضد من سياساتها، بصرف النظر عن كون تلك التنظيمات، تنظيمات إرهابية، أو تنظيمات لمجاميع مسلحة لا يجمعها غير السعي لتحقيق مصالحها الخاصة.
كيف سترى سوريا في المرحلة القادمة هل سيتكرر سيناريو السودان والفوضى؟ وتأيرات ذلك على المنطقة؟
الحقيقة أن ما سيحدث في سوريا للأسف صراع متعدد الأطراف والجبهات، لأن هذه التنظيمات لا تسعى لبناء دولة، قدر سعيها إلى بناء سلطاتها ومد نفوذها، والاستيلاء على مقدرات الدولة السورية. والحقيقة المؤلمة أكثر،أن الشعب السوري الذي استبشر بسقوط نظام بشار الأسد خيراً، على أمل أن يعقبه نظاما ديمقراطياً يستجيب لتطلعاته وآماله، سيدخل مرحلة من الصراعات والحرب الأهلية والفوضى، وأتمنى أن أكون على خطأ، ولكن أمثلة التنظيمات الإسلامية المسلحة السابقة، لم تعطنا مثالاً واحداً يمكن الاستدلال منه على أن أوضاع البلاد ستكون أفضل من أوضاعها قبل استلامها زمام الحكم في بلدانها، من أفغانستان، إلى ليبيا، إلى السودان، وحتى مصر بعد مجيء محمد مرسي، التي ساد في زمنه فيها الخطاب الطائفي المتطرف، وشهدت مصر في زمنه عمليات اغتيال ضد بعض زعماء الطوائف والأديان الأخرى، ولولا سقوطه، لمرت مصر والمنطقة العربية بأحلك أوقاتها، لأن تداعيات النزاعات الطائفية والدينية، تداعيات عابرة للحدود، على مر التجارب التاريخية السابقة.
أما تداعيات ذلك، فخطيرة على أكثر من صعيد، وأولها ما يمكن أن يثيره تبني الخطاب الطائفي والتحشيد الطائفي من مشاكل داخلية في لبنان، والعراق، والأردن، وما يمكن أن تفعله إسرائيل في المنطقة، وأقصد بذلك، أنها قد تستغل الفوضى التي ستنتج في سوريا للمزيد من التمادي في أعمالها العدوانية، سواء ضد الأراضي السورية، أو خرق وقف أطلاق النار مع حزب الله لتداعي خطوط إمداده عبر سوريا. المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات، لكن ليس بينها-بكل تأكيد- احتمال قيام تلك التنظيمات الإرهابية بأعمال ضد إسرائيل، لأن الحركة بأكملها جرت بالتنسيق معها.
وكيف ترى التحركات الصهيونية في الجولان؟
سبق أن أشرت إلى أن الحركة بأكملها كانت بالتنسيق مع إسرائيل، وأشرت كذلك إلى لقاء وفد استخباري إسرائيلي بأردوغان قبل أحداث حلب ببضعة أسابيع، ثم حدثت ضربات إسرائيلية لمواقع تخزين الأسلحة والأعتدة الخاصة بالجيش السوري، ولا سيما القريبة من حلب، وضربات إسرائيلية لعدد من معسكرات الجيش السوري لإضعافه، وضربات إسرائيلية لبعض مواقع المليشيات العراقية في سوريا، وعلى الحدود العراقية – السورية، الداعم المحتمل للقوات المسلحة السورية ضد التنظيمات الارهابية. لذلك أؤكد على وجود التنسيق بين إسرائيل وتركيا، على دعم التنظيمات المسلحة التي قادت العمليات العسكرية في حلب والمحافظات السورية الأخرى، التي انتهت بإسقاط النظام السوري. لذلك فإن تزايد خطر أن تقوم إسرائيل، باستغلال الفوضى اللتي ستعقب انهيار النظام السوري، للمزيد من الأعمال العدوانية ضد سوريا ولبنان، هو احتمال قائم بل مرشح كثيرا.
وكيف ترى الأدوار الخارجية وخاصة الدورين التركي والأمريكي؟
الدور التركي دور رئيس فيما جرى في سوريا، وقد أشرت في مقال سابق، إلى أن دعوات أردوغان السابقة للحوار مع بشار الأسد، جاءت بعد أن تجهّز المسرح للعمل العسكري، وكان هدفها إبعاد "خرقه اتفاق الإستانة" عن الأنظار، فسيكون لديه ما يقوله بأنه كان يريد فتح صفحة جديدة مع بشار الأسد، ولم تكن له يد بما حدث لاحقاً. ويمكن أن نستنتج المدة التي استغرقها الإعداد لهذه العملية الكبيرة، من حيث التجهيز والتدريب، وجمع المعلومات الاستخبارية، من حجم القوى المهاجمة، ونوعية الأسلحة والتجهيزات العسكرية والأعتدة التي جهزت بها القوات المهاجمة. أما عن الدور الأمريكي، شخصياً لا أعتقد بوجود دور أمريكي في الإعداد للعملية، ربما تكون قد علمت بالعملية من خلال دوائرها الاستخبارية، وغضت النظر عما يجري الإعداد له، لكن أن تكون مشاركة فعلية، أستبعد ذلك.
وهل تخلت روسيا عن حليفها باعتقادكم؟
ضعف الأداء العسكري والسياسي الروسي في سوريا بعد عملية حلب، مقارنة بأدائها ودعمها في السنوات السابقة يشي بوجود شيء غير معلن، والاحتمال المرجح أن القيادة الروسية قد فتحت حوار مع فريق ترامب، بشأن أوكرانيا، وكانت سوريا ضمن صفقة إنهاء الحرب في أوكرانيا، التي كان إيقافها أحد أبرز شعارات الرئيس المنتخب ترامب. كما أن طول مدة الإعداد للعمليات العسكرية التي كانت تجري في مدينة إدلب وعلى الحدود الشمالية لسوريا، لا بدّ لكل من يهمه استباب الأمن في سوريا أن يرصدها، خاصة وأن روسيا تمتلك أقمار صناعية ووسائل استخبارية أخرى تمكنها من معرفة ما يجري، ولا ننسى أن الضربات الإسرائيلية لمخازن الأسلحة والأعتدة السورية سواء في محيط حلب، أو لمواقع المليشيات العراقية في الأراضي السورية، قد جرت بالاتفاق مع روسيا وبعلمها، وما سيؤكد رأيي أو ينفيه، هو مآلات الحرب في أوكرانيا، بعد تسلم ترامب رسمياً لمنصب الرئيس في الولايات المتحدة.