ففي الوقت الذي يواصل فيه العدو الصهيوني محاولات تغيير الشرق الأوسط عبر إبادة غزة وإقامة منطقة عازلة في لبنان من خلال استغلال فترة الستين يوما من اتفاق وقف اطلاق النار بين العدو ولبنان ، جاءت التطورات في سوريا لتفتج جبهة جديدة من الصراع في المنطقة بدعم خارجي غير معلن .
فبينما تواصل القوات السورية بدعم من روسيا التصدي للفصائل الارهابية المسلحة، لا تزال أطراف دولية وإقليمية تسعى إلى التأثير في مجريات الأمور، إما عبر دعم أطراف معينة أو من خلال محاولات الوساطة.
مع دخول النزاع السوري عامه الرابع عشر، تحولت البلاد إلى ساحة للصراع بين قوى متعددة، هذا التعدد في الأطراف المتورطة جعل من الصعب الوصول إلى تسوية سياسية شاملة ترضي جميع الأطراف، ما أدى إلى استمرار المعارك في العديد من الجبهات.
إلى جانب الأبعاد العسكرية، يلعب الوضع الدبلوماسي دورا حاسما في تحديد مصير سوريا. في السنوات الأخيرة، تمكّنت موسكو من تعزيز دورها في سوريا كحليف رئيسي للنظام السوري، عبر تدخل عسكري كبير منذ عام 2015، بينما تعمل واشنطن وحلفاؤها على دعم فصائل المعارضة بما في ذلك الأكراد. في المقابل، تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في مناطق الشمال السوري، ما يفاقم من تعقيدات الوضع في البلاد.
أما على الصعيد العربي، فتستمر بعض الدول في دعم الحكومة السورية سياسيا، في حين تواصل دول أخرى تأييد فصائل المعارضة التكفيرية. وقد أعادت بعض الدول العربية فتح قنوات اتصال مع دمشق، ما يثير تساؤلات حول إمكانية التوصل إلى حلول دبلوماسية جديدة، رغم أن الطريق ما زال طويلًا أمام أي اتفاق حقيقي.
الرهانات المستقبلية لسوريا تعتمد بشكل كبير على مدى قدرة الأطراف الدولية والإقليمية على تجاوز خلافاتها وتحقيق توافقات سياسية تؤدي إلى تسوية شاملة. ومع ذلك، يبقى التساؤل الأكبر: هل ستتمكن الأطراف المعنية من تحويل التوازنات العسكرية على الأرض إلى فرص دبلوماسية حقيقية تضمن الاستقرار بعيدًا عن الصراع المستمر؟
تطورات متسارعة في حماة
من جهتها قالت فصائل المعارضة السورية، أمس الخميس، أنها قامت بتوغل واسع إلى أحياء مدينة حماة، في إطار معركة جديدة تهدف إلى كسب مزيد من الأرض في مواجهة قوات النظام السوري المدعومة بالطائرات الحربية الروسية. وبحسب تصريحات صادرة عنها قالت فصائل المعارضة أنها حققت تقدما في محافظة حماة، فيما نفى الجيش السوري دخول القوات إلى المدينة.
وقالت إدارة العمليات العسكرية التابعة للمعارضة السورية أنّ '' قواتها دخلت سجن حماة المركزي، وحررت مئات الأسرى المظلومين منه'' على حد تعبيرها''. وشهدت هذه العمليات العسكرية اشتباكات عنيفة بين فصائل المعارضة من جهة، وقوات النظام السوري من جهة أخرى، ما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى من الجانبين. وترافق ذلك مع قصف جوي مكثف من الطائرات الحربية الروسية التي تسعى لدعم القوات الحكومية في صد الهجمات المتقدمة على المدينة.
وتأتي هذه العمليات العسكرية بعد سلسلة من الاشتباكات التي بدأت في 27 نوفمبر الماضي، حيث تمكنت فصائل المعارضة من استعادة السيطرة على عدة مناطق في البلاد. وقد تمكّنت المعارضة مؤخرا من دخول مدينة حلب في 29 نوفمبر، وهو ما شكل نقطة تحول كبيرة في مسار المعركة.
منذ بداية العمليات العسكرية، سيطرت فصائل المعارضة على العديد من القرى المحاذية لمركز مدينة حماة، ما يزيد من الضغوط على النظام السوري في محافظة حماة التي تعد من أهم معاقل النظام في المنطقة الوسطى.
وقد أثار هذا التصعيد العسكري موجة من القلق في المجتمع الدولي، خاصة مع تداعياته الإنسانية والتهديدات التي قد تلحق بالمدنيين، وسط تحذيرات من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية من تدهور الوضع في المناطق المتأثرة بالاشتباكات.
العمليات العسكرية التي تنفذها فصائل المعارضة، تأتي في وقت حساس للغاية حيث يسعى النظام السوري إلى استعادة السيطرة الكاملة على الأراضي التي خسرها في السنوات الماضية. في المقابل، تسعى فصائل المعارضة لتوسيع نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها، في خطوة تهدف إلى تغيير موازين القوى على الأرض.
ووفق مراقبين من المتوقّع أن تستمر المعارك في حماة والمناطق المحيطة بها، في وقت يشهد فيه النزاع السوري المزيد من التفاقم في ظل التدخلات الأجنبية المستمرة، في وقت تسعى فيه القوى الكبرى للضغط من أجل الوصول إلى تسوية سياسية تنهي سنوات من الحرب الأهلية الدامية.
موسكو تقيم الوضع
من جهته أعلن دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، يوم أمس الخميس أن روسيا تتابع عن كثب تطورات الوضع في سوريا، مشيرا إلى أن موسكو على تواصل دائم مع السلطات السورية في دمشق. وأوضح بيسكوف أن المساعدات الروسية المحتملة ستعتمد على التقييم الدقيق للوضع الميداني في سوريا، خاصة بعد الهجوم الكبير الذي شنته جماعات المعارضة المسلحة ضد قوات النظام السوري في الأسابيع الأخيرة.
وقال بيسكوف للصحفيين: "نحن نتابع ما يحدث في سوريا عن كثب، ونجري حواراً مستمراً مع أصدقائنا في دمشق". وأضاف أن هذا التقييم المستمر للوضع سيمكن روسيا من تحديد مستوى الدعم الذي قد تقدمه لدمشق في مواجهة الهجمات المتزايدة من قبل المعارضة المسلحة.
ويأتي هذا التصعيد في وقت حساس، حيث تتزايد الضغوط الدولية على روسيا للبحث عن حل سياسي ينهي النزاع المستمر منذ أكثر من عقد. ومع تقدم المعارضة في بعض المناطق المهمة مثل حلب وحماة، يتساءل مراقبون عن مدى قدرة روسيا على وقف تقدم المعارضة وموازنة التهديدات الأمنية التي تمثلها هذه الفصائل ضد قوات النظام السوري.
يبدو أن موسكو عازمة على استمرار دعمها العسكري للنظام السوري، لكن من الواضح أن تحديد مستوى هذا الدعم سيتوقف على تقييم الوضع على الأرض. في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى توجيه ضغوط سياسية ودبلوماسية لإنهاء الأزمة، تبقى المعركة العسكرية أحد أهم أبعاد إستراتيجية موسكو في المنطقة.ويرى مراقبون أنّ التطورات العسكرية في سوريا ستبقى تحت مراقبة روسية دقيقة، حيث يحدد الكرملين في الفترة المقبلة كيفية تعميق تعاونه مع دمشق في ظلّ هذه التحولات الميدانية.
على الجانب الآخر سارع الجيش السوري إلى نفي صحة ما تقوله الفصائل المسلحة بشأن دخول أي حي في حماة.وأعلنت وزارة الدفاع السورية أمس "تكبيد التنظيمات الإرهابية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد في ريف حماة" .
وقال مصدر عسكري، في منشور أوردته وزارة الدفاع السورية على صفحتها بموقع فيسبوك "تخوض قواتنا العاملة في ريف حماة معارك عنيفة في مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة وتكبدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد".
وأضاف "يقوم الطيران السوري الروسي المشترك وقوات المدفعية والصواريخ باستهداف تجمعات الإرهابيين وأرتالهم في أماكن وجودهم ومحاور تحركهم ما أسفر عن تحقيق إصابات مباشرة في صفوفهم ومقتل وجرح العشرات منهم وتدمير الكثير من عتادهم وآلياتهم".
ونقلت وسائل إعلام رسمية سورية عن مصدر عسكري في وقت متأخر أمس قوله "إن القوات الجوية الروسية والسورية، إلى جانب وحدات المدفعية، نفذت ضربات مركزة على الإرهابيين في منطقة حماة".
جرائم إبادة صهيونية
على صعيد آخر ، وفيما يتعلق بالوضع في فلسطين المحتلة ، اتهمت منظمة العفو الدولية، في تقرير نشرته أمس الخميس، إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين خلال الحرب في غزة، وهو ما نفته إسرائيل بغضب.وقالت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان ومقرها لندن إنها توصلت إلى هذا الاستنتاج بعد أشهر من تحليل الوقائع وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين. وقالت المنظمة إن الحد القانوني لجريمة الإبادة الجماعية قد تم استيفاؤه، في أول حكم من هذا القبيل خلال صراع مسلح دائر.واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، تعرف الإبادة الجماعية بأنها "الأفعال المرتكبة بقصد التدمير، كليا أو جزئيا، لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية".
وتقول وزارة الصحة في غزة إن الحملة العسكرية الإسرائيلية منذ ذلك الحين أدت إلى استشهاد أكثر من 44500 فلسطيني وإصابة كثيرين آخرين.ويقول مسؤولون فلسطينيون ومسؤولون من الأمم المتحدة إنه لم يعد هناك أي مناطق آمنة في غزة، القطاع الساحلي الصغير المكتظ بالسكان والمباني. وقد نزح معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة عن ديارهم ونزح بعضهم ما يصل إلى عشر مرات.
يأتي تقرير المنظمة بعد أسبوعين فقط من إصدار المحكمة الجنائية الدولية أمري اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة، وهي التهم التي ينكرانها.
تطورات خطيرة
وخلال عرض التقرير على الصحفيين في لاهاي، قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار إن الاستنتاج (الذي خلص إليه التقرير) لم يؤخذ "باستخفاف أو بدافع سياسي أو انتقائي".
وقالت للصحفيين بعد عرض التقرير "ثمة إبادة جماعية ترتكب. لا شك في ذلك، لا يوجد شك واحد في أذهاننا بعد ستة أشهر من البحث المتعمق والمركز".وقالت منظمة العفو الدولية إنها خلصت إلى أن إسرائيل والجيش الإسرائيلي ارتكبا ما لا يقل عن ثلاثة من الأفعال الخمسة المحظورة بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، وهي القتل، والتسبب في أضرار بدنية أو نفسية خطيرة، وفرض ظروف معيشية تهدف عمدا إلى التدمير الجسدي لجماعة تحظى بالحماية.وقد ارتكبت هذه الأفعال بالقصد الذي تقتضيه الاتفاقية، بحسب منظمة العفو الدولية التي قالت إنها راجعت ما يزيد على 100 تصريح من مسؤولين إسرائيليين.وقالت كالامار إن منظمة العفو الدولية لم تكن تهدف إلى إثبات الإبادة الجماعية، ولكن بعد مراجعة الأدلة والبيانات إجمالا، قالت إن الاستنتاج الوحيد هو أن "إسرائيل تتعمد وتعمدت ارتكاب إبادة جماعية". وحثت منظمة العفو الدولية المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في اتهامات الإبادة الجماعية.
'' على دول العالم استخدام نفوذها لوقف الإبادة ''
من جانبه دعا مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور،أمس الخميس، جميع الدول إلى استخدام نفوذها للضغط على إسرائيل لوضع حد للإبادة التي ترتكبها بقطاع غزة، متهما إسرائيل بانتهاك كافة الأوامر المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية بهذا الخصوص.
جاء ذلك في كلمته خلال عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة دورتها الاستثنائية الطارئة العاشرة لمعالجة الوضع الخطير في قطاع غزة، بناء على طلب من البعثة الدائمة للبنان، بصفتها رئيسا للمجموعة العربية لهذا الشهر، وبعثة الكاميرون بصفتها رئيسا لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والبعثة الدائمة لأوغندا بصفتها رئيسا لحركة عدم الانحياز، وبالتنسيق مع البعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين.
وأكد منصور أن إسرائيل تنتهك كافة الأوامر المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية لمجابهة خطر الإبادة الجماعية، وأنها تستمر بارتكاب جرائم فظيعة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يوميا مع مرور كل ثانية.
ودعا جميع الدول إلى استخدام نفوذها لوضع حد للمجازر التي ترتكبها إسرائيل، ووقف العدوان، مطالباً بضرورة وضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب.
وقال إن "التوصل إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار هو الطريقة الوحيدة لوقف هذه الإبادة الجماعية، وحماية الأرواح والإفراج عن السجناء والرهائن والحفاظ على الأمل بمستقبل مختلف".وأضاف أن "تحقيق الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، بما فيها تقرير المصير والعودة، وتحقيق استقلال دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، هو السبيل الوحيد لتحويل منطقتنا، وأن التوصل إلى سلام في منطقتنا يمكنه المساهمة في تحويل عالمنا".
وطالب بالعمل على إنهاء الإبادة الجماعية والاحتلال الاستعماري غير القانوني ونظام الفصل العنصري الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني على مدار عقود طويلة. ولفت منصور إلى هجوم إسرائيل على الأمم المتحدة، وأمينها العام والهيئات والمنظمات الأممية، لا سيما الأونروا، التي تعتبر العمود الفقري للاستجابة الإنسانية للوضع الكارثي في غزة، وشريان الحياة للاجئي فلسطين، مشيرا إلى اعتداءات إسرائيل على قوات حفظ السلام وميثاق وقرارات الأمم المتحدة.
ودعا منصور كافة الدول إلى تحمل مسؤولياتها بموجب القانوني الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني وقانون حقوق الانسان، والتمسك بالأوامر المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، وفتواها القانونية، والحفاظ على عالم يسوده القانون.