كوريا الجنوبية أزمة الأحكام العرفية تكشف عمق الأزمة السياسية في البلاد

شهدت كوريا الجنوبية، أمس الأول الثلاثاء، تصاعدا غير مسبوق في الأوضاع السياسية،

عندما فاجأ الرئيس يون سوك يول البلاد بإعلانه الأحكام العرفية في خطاب تلفزيوني قبل أن يتراجع عنها وسط تهديدات من المعارضة لعزل الرئيس. خطوة مفاجئة أثارت ضجّة كبيرة داخل المجتمع الكوري الجنوبي وقلقا دوليا، خاصة في وقت حساس تمر فيه البلاد بتوترات سياسية عميقة وصراعات داخلية مع المعارضة التي تسيطر على البرلمان. القرار المفاجئ جاء في وقت كان فيه البرلمان يرفض ميزانية الرئيس لعام 2025، الأمر الذي أفضى إلى أزمة سياسية تهدد استقرار الحكومة.

وخيّر مشرعون في كوريا الجنوبية أمس الأربعاء الرئيس يون سوك يول بين التنحي طوعا أو العزل بعد أن أعلن الأحكام العرفية قبل أن يتراجع عنها بعد ساعات، ما أثار أكبر أزمة سياسية منذ عقود في رابع أكبر اقتصاد في آسيا.
جذور الأزمة السياسية الحالية تعود إلى رفض المعارضة في البرلمان لمقترح الميزانية الرئاسية للعام 2025. اللجنة النيابية قامت بتخفيض الميزانية بنحو 4.1 تريليون وون (حوالي 2.8 مليار دولار)، وهي خطوة استهدفت مجموعة من الهيئات الحكومية الحساسة مثل مكتب الرئيس، والادعاء، والشرطة، ووكالة التدقيق الحكومية. هذا التخفيض لم يكن مجرد قرار مالي، بل حمل أبعادا سياسية عميقة، حيث اعتبره الرئيس يون تهديدا للوظائف الأساسية في الدولة. كان يون، المدعي العام السابق، يرى أن هذه الخطوة من المعارضة تهدف إلى "شل الحكم" وتحويل كوريا الجنوبية إلى "ملاذ آمن للمخدرات والفوضى التي تهدد السلامة العامة."
قرار الأحكام العرفية

بدأت الأزمة بتصعيد غير متوقع من الرئيس يون بإعلان الأحكام العرفية، ما دفع بالجيش إلى نشر قوات أمنية وعسكرية حول البرلمان لمنع النواب من دخوله. ورغم المحاولات العسكرية، تمكن نحو 190 نائبا من أصل 300 من الوصول إلى البرلمان لعقد جلسة طارئة تم خلالها التصويت بالإجماع على رفض القرار الرئاسي. لكن الجيش أعلن استمراره في تنفيذ الأحكام العرفية حتى يقرر الرئيس رفعها. هذا التصعيد أحدث حالة من التوتر في العاصمة سيول، حيث تجمع المئات من المحتجين أمام البرلمان، مطالبين بوقف الإجراءات القمعية.
في خطاباته، حاول الرئيس يون تبرير قراره من خلال التأكيد على ضرورة "حماية كوريا الجنوبية الليبرالية من التهديدات الشيوعية"، متهماً البرلمان بأنه أصبح "ملاذا للمجرمين ووكرا للديكتاتورية التشريعية." هذا الخطاب يعكس صورة عن الانقسام العميق بين الرئيس والحكومة التنفيذية من جهة، والبرلمان والمعارضة من جهة أخرى. في هذا السياق، يرى مراقبون أنّ القرار جاء كخطوة تصعيدية من يون ضد البرلمان، ومحاولة لتأكيد سلطته في مواجهة المعارضة التي تهدد استقرار حكومته.
ورأى خبراء أن هذه الخطوة غير مدروسة من الناحية السياسية. على الرغم من أنه في البداية قد تكون الأحكام العرفية موجهة ضد المعارضة، إلا أن النتائج السلبية كانت كبيرة. فقد أدت إلى زيادة الاستياء العام من سياسات الرئيس، في وقت كان فيه تراجع شعبيته إلى 19%، وفقا لاستطلاع معهد غالوب.
صدمة محلية وقلق دولي
القرار شكل صدمة داخلية، حيث انقسم المجتمع بين مؤيد ومعارض. المعارضة أطلقت دعوات حاسمة لتنحي الرئيس، معتبرة أنه تجاوز حدوده واستخدم السلطة التنفيذية بشكل غير مسؤول. من جهة أخرى، كانت هناك ردود فعل دولية قلقة من هذا التصعيد. إذ يراقب المجتمع الدولي عن كثب تطورات الأوضاع في كوريا الجنوبية، حيث يرى في هذه الأزمة تهديدا للاستقرار الديمقراطي في أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
من جهة أخرى، كان هذا التصعيد بمثابة إشارة إلى أن الرئيس يون ليس مستعدا للتراجع بسهولة عن أجندته، وهو ما يعكسه تصريحه المستمر بضرورة "حماية النظام الديمقراطي" ضد القوى التي تهدد استقراره. ولكنه، في الوقت نفسه، يواجه ضغوطا داخلية متزايدة قد تؤثر على قدرته على الاستمرار في الحكم.
ومن جهتها رحبت الحكومة الأمريكية بقرار برلمان كوريا الجنوبية إلغاء الأحكام العرفية التي أعلن الرئيس يون سوك يول فرضها في البلاد.وأعرب أحد متحدثي مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض عبر بيان عن ترحيبهم بانتهاء الأزمة التي شهدتها كوريا الجنوبية.
وقال: "يسعدنا أن الرئيس يون تراجع عن إعلان الأحكام العرفية واحترامه قرار البرلمان بإنهائها، فالديمقراطية تقع في قلب التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وسنواصل مراقبة الوضع في المنطقة".
قرار الإلغاء
وبعد ساعات من التوتر، رضخ الرئيس يون للقرار البرلماني ورفع الأحكام العرفية. ولكن، رغم انتهاء الأزمة بشكل مؤقت، فإن تداعياتها السياسية ستظل حاضرة لفترة طويلة. فالمعارضة لا تزال تطالب بتنحي الرئيس، وفي الوقت نفسه، يعكس تراجع شعبية الرئيس يون قلقا عميقا من مستقبل سياساته.
ووفق مراقبين من غير المستبعد أن تؤدي هذه الأزمة إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي في كوريا الجنوبية. ففي حين أن الرئيس يون قد نجح في تجاوز هذه الأزمة اللحظية، فإن استمرار الضغط الداخلي قد يضعف قدرته على الحكم الفعال، مما يجعل مصير حكومته على المحك.
أزمة الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية ليست مجرد صراع سياسي بين الرئيس والمعارضة، بل هي لحظة فارقة في تاريخ البلاد الحديث. الخطوة التصعيدية التي أقدم عليها الرئيس يون كانت محاولة لفرض سلطته، ولكنها في الوقت نفسه أثارت أزمة شرعية قد تؤدي إلى تغييرات سياسية عميقة في المستقبل. وعلى الرغم من رفع الأحكام العرفية، فإن تأثير هذه الأحداث سيستمر في شكل ضغوط شعبية متزايدة ومطالبات بالإصلاح، مما يجعل المستقبل السياسي للرئيس يون موضع شك.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115