وبقيت ذكراه عصية عن النسيان رغم تقادم السنين. وهي 100 صورة وصورة، حدثت عن علي بن عيّاد كما يعرفه جمهوره وكما لم يعرفه في اقتفاء لأثر رجل مهم ملهم وفي استقراء لـ" ذاكرة العدسة" حتى تبوح بالخفايا وبالزوايا النادرة في فصول حياة علي بن عيّاد.
في إطار أيام قرطاج المسرحية وعلى امتداد كامل أيام المهرجان، احتضن البهو السفلي في مدينة الثقافة الشاذلي القليبي معرضا للصور الفوتوغرافية يوثق أعمال الفنان المسرحي الراحل علي بن عيّاد (1930-1972) تحت عنوان « ذاكرة العدسة: علي بن عياد ».
كان يحلم بإخراج مسرحية عن فلسطين !
"علي بن عيّاد رجل موهوب، وموهبته هي أن يخدم المسرح، فتفرغ إليه قلبا وقالبا. .. وذلك لأن إشعاعا ينبثق من شخصه ويستهوي خصومه أنفسهم بحيث سيدخل علي بن عياد - بفضائله ونقائصه وما آثاره من انتقاد لدى البعض وإعجاب لدى الآخرين إلى الأسطورة التي هي من خصائص المسرح." هكذا قال عنه الشاذلي القليبي عندما كان وزير الشؤون الثقافية والأخبار.
ولأنه من الرواد والآباء المؤسسين للمسرح التونسي ومن الفنانين الملهمين لأجيال من الممثلين والمخرجين احتفت أيام قرطاج المسرحية بالراحل علي بن عيّاد من خلال معرض وكتاب من إعداد الباحث محمد الميّ.
في 15 أوت من سنة 1930، ولد علي بن عيّاد بنهج المسرح بمدينة حمام الأنف ، ليكون قدره وهو المولود بنهج المسرح أن يكون مسرحيا سابقا لعصره وأوانه. ويوم 9 فيفري من سنة 1972 ، سافر علي بن عيّاد إلى باريس لإجراء اتصالات قصد وضع اللمسات الأخيرة لمسرحية عن الثورة الفلسطينية ، لكن فوجئ يوم السبت 12 فيفري بنزيف في الدماغ نقل عن أثره إلى المستشفى "سال بتريار" أين وفاه الأجل عشية الاثنين 14 فيفري من سنة 1972.
وما بين تاريخ الولادة وتاريخ الوفاة، عاش علي بن عياد للمسرح وتنفس مسرحا وترك مسرحا يحدث عن مسيرته ويخلد اسمه... وحتى لا يندثر هذا الأثر لرجل كان مروره فارقا على أركاح المسارح، وحتى لا تتناثر ذاكرة هذه القامة الفنية وتتبعثر أوراقها، حرص الباحث والكاتب محمد المي على تجميع صورها وتواريخها ووثائقها ومسرحياتها وفصول من حياتها من خلال معرض للصور وكتاب بعنوان "ذاكرة العدسة"، وبذلك بمناسبة الدورة الأخيرة لأيام قرطاج المسرحية.
أكثر من 30 مسرحية في أقل من 10 سنوات !
جمع علي بن عيّاد بين موهبة فذّة وعبقرية وقّادة جعلت منه اسما لامعا لا يجود الزمان بمثله مرتين. وبدوره جمع كتاب « ذاكرة العدسة: علي بن عياد » وثائق نادرة وشهادات قيّمة وصور عمل وأخرى خاصة توثق لحياة أسطورة المسرح التونسي .وفي تقديم هذا الكتاب، يقول المؤلف محمد المي: هل يمكن التغافل عن ذكر علي بن عيّاد أو تناسيه أو محوه من ذاكرة المسرح التونسي ؟ طبعا لا ودون استغراق ولو للحظة واحدة في التفكير لا من منطلق أخلاقي / حضاري بل لأنه لا يمكن تجاهل علي بن عياد .هذا العصامي الذي لم تتقطع سراويله على مقاعد المعاهد والكليات بل لم ينل شهادة الباكالوريا استطاع أن يحقق أسطورة المسرح التونسي بل كان أسطورته كما قال ذلك الأستاذ الشاذلي القليبي : " سيدخل علي بن عياد - بفضائله ونقائصه وما أثاره من انتقاد للأجيال لدى البعض وإعجاب لدى الآخرين إلى الأسطورة التي هي من خصائص المسرح ".
وعن المسار المتفرد لعلي بن عيّاد، يقول محمد المي: "في أقل من عشر سنوات قدم علي بن عياد لريبارتوار المسرح التونسي والعربي أكثر من ثلاثين عملا أي بمعدل ثلاثة أعمال أو أكثر في السنة الواحدة ؟ وكأنه كان يسابق الموت أو يسعى لتحقيق هدف قبل فوات الأوان، موته كان حتمية تاريخية لم تتعود تونس ولا البلاد العربية على طاقة خلاقة ومبدعة ومنتجة في حجم هذا الفتى الوسيم الذي قلب المعطيات وحزك سواكن المسرح التونسي وأخرجه من حال إلى حال حتى أنه يمكن الحديث عن المسرح التونسي قبل علي بن عياد والمسرح التونسي بعد علي بن عيّاد. فقياسا على التأريخ بقبل الميلاد وبعد الميلاد يصح أن نقول إنّ مسرح علي بن عيّاد هو لحظة ميلاد المسرح التونسي الذي أشع خارج الحدود ومثّل تونس في المحافل الدولية."
في تصفح كتاب « ذاكرة العدسة: علي بن عياد » ، سيخرج القارئ بزاد ثري عن حياة علي بن عيّاد الفنان وعن بصمته المحورية في إرساء أسس المسرح الحديث في تونس خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين. ومن المضحكات المبكيات أن علي بن عياد لم ينل التقدير الذي يستحق، فقد "أهمل أرشيفه وضاعت مسرحياته واندثرت الأزياء المسرحية التي مثل بها أروع المسرحيات على غرار "همبت" و"عذيل" و"مراد الثالث" والماريشال عمّار" وأقفاص وسجون"... وكان من الممكن انشاء متحف علي بن عيّاد .. ولكن !