في العاصمة الإيرانية طهران. وقد جاء هذا الحدث بعد ساعات فقط من استهداف إسرائيل للقائد العسكري في "حزب الله" اللبناني، فؤاد شكر، في بيروت. وبينما لم تعترف إسرائيل بالعملية أو تنكر مسؤوليتها، فقد أثار الاغتيال حالة من الاستنفار والقلق من تداعيات هذا التصعيد.كرد فعل أولي، وجهت كل من إيران وحركة "حماس" أصابع الاتهام إلى إسرائيل، التي لديها تاريخ طويل من تنفيذ عمليات اغتيال لقيادات رفيعة المستوى في المنطقة. إيران، التي كانت قد تعرضت لعدة اعتداءات إسرائيلية في الماضي، تعهدت برد قاس ومؤلم على العملية التي جرت على أراضيها. هذا التصريح يأتي في وقت حساس، حيث شهدت إيران احتفالا مهما بتولي الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، منصبه. الاغتيال، قد يُنظر إليه كاستفزاز يهدف إلى إحراج طهران وإظهار ضعفها أمام العالم.
أما حركة "حماس"، فقد نعت قائدا مناضلا كان يحظى بمكانة بارزة في صفوفها. هذا الاغتيال، الذي وقع في ظل ظروف دبلوماسية خاصة، قد يؤدي إلى تأجيج الصراع مع إسرائيل، ويقضي على أي آمال في وقف إطلاق النار. وبينما كان هناك بعض الأمل في التوصل إلى تهدئة في النزاع، فإن مقتل هنية وفق مراقبين يعيد تعميق الفجوة بين "حماس" وإسرائيل، ويزيد من حدة التوترات في المنطقة.
احتمالات التصعيد الإقليمي
العديد من المحللين يرون أن اغتيال هنية قد يكون نقطة تحول في الصراع الإقليمي. فعلى الرغم من أنّ بعض الأحداث السابقة كانت قد تشير إلى إمكانية التوصل إلى هدنة، فإن هذا التصعيد الجديد قد يؤدي إلى تصاعد العنف في المنطقة. فاستمرار إسرائيل في نهجها الحالي، دون وجود خطوط حمراء واضحة أو رادع فعّال، قد يعزز من احتمالية اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقا.
إيران، التي تعتبر الهجوم على هنية إهانة لها، قد تسعى إلى الرد بطريقة تضمن استعادة هيبتها وتعزيز موقفها في الصراع مع إسرائيل. وفي الوقت نفسه، قد يعمل "حزب الله" و"حماس" على تنسيق ردود فعلهم لضمان تحقيق أقصى تأثير ضد إسرائيل .
فقد قال مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إرافاني إن بلاده سترد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران "بالطريقة والوقت المناسبين".جاء ذلك في كلمة له خلال الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي التي دعت إليها إيران.وقال إرافاني، إن "هنية اغتيل نتيجة للنشاط الإرهابي للنظام الإسرائيلي المحتل الصهيوني"، معتبرا أن الهجوم هو "استمرار لأنشطة الإرهاب والتخريب الإسرائيلية في المنطقة".وأضاف إرافاني أن إسرائيل لديها أيضًا "أجندة سياسية وتريد أن تلقي بظلالها على اليوم الأول للحكومة الإيرانية الجديدة التي تعطي الأولوية للسلام والاستقرار في المنطقة".وقال: "إننا نحتفظ بحقنا في الدفاع عن النفس وفقًا للقانون الدولي".وأردف: "سنرد متى وكيفما نراه مناسباً".
وأوضح أن بلاده سترد "بشكل حاسم على الأنشطة الإجرامية والإرهابية" التي تقوم بها إسرائيل.وأكد التزام إيران بمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأن السلام في المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال احترام هذه المبادئ.ولفت إلى أن إسرائيل لديها موقف "عدواني" تجاه جميع دول المنطقة.
وشدد إرافاني على أنه لا ينبغي للمجتمع الدولي ومجلس الأمن أن "يظلا صامتين حيال الجرائم الفظيعة لإسرائيل".
ويرى متابعون أنه لا يمكن تجاهل التداعيات المحتملة لهذا التصعيد على المستوى الدولي. الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى قد تجد نفسها في قلب الصراع الإقليمي، خاصة إذا شهدت المنطقة تصعيدا كبيرا. إذ قد تكون الأحداث الأخيرة مجرد بداية لموجة جديدة من الصراع والتصعيد في المنطقة. ومع استمرار التوترات والتهديدات، يبقى التساؤل اليوم حول فهم كيف سترد الأطراف المعنية وكيف سيتشكل مستقبل الصراع الإقليمي في الأيام والأسابيع القادمة.
تساؤلات حول طبيعة الرد وتوقيته
في ظلّ التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، تتزايد التوقعات حول نوعية وطبيعة الرد الإيراني على الاعتداء الأخير الذي استهدف الأراضي الإيرانية. فوفقاً للتسريبات الإعلامية الغربية، تبذل بعض الدول الأوروبية جهوداً لإقناع طهران بالتحلي بالمرونة في ردها، بل وإمكانية تقليصه إلى مستوى رمزي. إلا أن التقديرات تشير إلى أن مثل هذه المحاولات قد تكون غير مجدية، بل قد تؤدي إلى تصعيد أكبر في المنطقة. فما هي العوامل التي قد تدفع إيران إلى اتخاذ موقف أكثر تشددا في هذه المرحلة؟.
أولا، لابد من تسليط الضوء على عملية الرد العسكري الإيراني في 14 أفريل الماضي، التي شهدت إطلاق مئات الطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى ردا على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف القنصلية الإيرانية في سوريا. كان الهدف الأساسي من هذا الرد هو تحديد قواعد الاشتباك مع الكيان الإسرائيلي، وتأكيد قوة الردع الإيراني. لكن ما يجعل الوضع الحالي أكثر تعقيداً هو أن الاستهداف الأخير الذي طال القيادي الحمساوي اسماعيل هنية داخل الأراضي الإيرانية وبالتزامن مع مناسبة سياسية هامة، وهي تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. الرسالة هنا واضحة وهو أن التصعيد الإسرائيلي لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل كان محاولة من تل أبيب لتقزيم طهران وإبراز ضعف في الجانب الأمني لديها ممّا يشكك في جهوزيتها لأية حرب متوقعة.
ثانيا، تشكل الشخصية الجديدة في القيادة الإيرانية عاملاً إضافيا في حسابات الرد. الرئيس مسعود بزشكيان، الذي يُصنف ضمن التيار الإصلاحي، صدرت في حقه اخبار تقول أنه يسعى نحو دبلوماسية وتعاون مع الغرب. في هذا السياق، قد يكون هناك ضغوط داخلية تدفع النظام إلى تقديم رد قوي للحفاظ على مصداقيته ولإثبات عدم التهاون في مواجهة التهديدات الخارجية.
ثالثا، من المهم أيضا الأخذ في الاعتبار أن الرد الرمزي قد يُفسر كضعف، مما قد يمنح رئيس حكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة الضوء الأخضر لمواصلة تنفيذ عمليات مشابهة ضد إيران ومحور المقاومة بشكل عام. وفي ظل وجود دعم أمريكي غير معلن لعمليات الاغتيال، قد تعتبر أي محاولة للرد الرمزي خطوة خطيرة قد تشجع على مزيد من التصعيد.
وأيضا هناك الرأي العام الداخلي الإيراني الذي يمثل قوة ضغط قوية على النظام السياسي، والشعب الإيراني قد يتطلع إلى رد فعل قوي وحازم يبرهن على قدرة إيران على حماية مصالحها وفرض احترامها على الساحة الدولية.
في ظل هذه العوامل، يرى محللون أنّ الرد الإيراني قد يكون في هذه المرحلة أكثر قوة وتعقيدا مما كانت عليه العمليات السابقة. إن طهران قد تجد نفسها مجبرة على إرسال رسالة قوية تعزز من موقفها الاستراتيجي وتُعيد تشكيل قواعد الاشتباك في المنطقة.
تقييم الخيارات
وفقا للمسؤولين الإيرانيين، يجري حاليا تقييم عدة خيارات عسكرية للرد على هذا الهجوم. من بين الخيارات قيد الدراسة، هجوم مشترك بطائرات مسيرة وصواريخ على أهداف عسكرية في محيط تل أبيب وحيفا. ولكن، في ظل التوترات الحالية، يبدو أن إيران حريصة على تجنب استهداف الأهداف المدنية قدر الإمكان، حيث يسعى القادة العسكريون إلى تحقيق تأثير عسكري دون التصعيد إلى حرب شاملة.
كما تدرس إيران أيضا خيار تنسيق هجوم مع حلفائها في اليمن وسوريا والعراق، لتحقيق أقصى قدر من التأثير وفق تقارير في الغرض. هذا التنسيق قد يشمل هجمات منسقة عبر عدة جبهات، مما يعكس رغبة طهران في استعراض قوتها الإقليمية بشكل شامل، دون الانجرار إلى صراع مباشر وشامل مع إسرائيل.
خلال الأشهر العشرة الماضية من الصراع في غزة، حاولت إيران إيجاد توازن دقيق بين الضغط على إسرائيل عبر هجمات حلفائها وقواتها بالوكالة، مع تجنب الانزلاق إلى حرب شاملة بين الدولتين. الهدف الإيراني كان واضحا: زيادة الضغوط على إسرائيل دون تجاوز حدود النزاع الذي قد يؤدي إلى تدخلات أوسع أو تصعيد غير محبذ.
في هذا السياق، أصدر المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، تعليماته للقادة العسكريين من الحرس الثوري والجيش الإيراني بإعداد خطط دقيقة للهجوم والدفاع في حالة توسع الحرب. هذا التوجيه يشير إلى استعداد إيران للتعامل مع مختلف السيناريوهات المستقبلية، مع التركيز على الحفاظ على استقرارها الداخلي وضمان استجابة فعالة للأحداث الجارية.
الأسابيع المقبلة قد تكون حاسمة في تحديد مدى تأثير هذا التصعيد على الصراع الإقليمي بشكل عام. رد إيران، سواء كان رمزيا أو محدودا، سيحدد الأسس المستقبلية للصراع ويشكل مشهد العلاقات الدولية في المنطقة.
فلسطين تطالب بمحاسبة إسرائيل
طالب مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور، بمحاسبة إسرائيل على اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق إسماعيل هنية، وعلى القتل الوحشي وإصابة أكثر من 130 ألف طفل وامرأة ورجل فلسطيني خلال الفترة الماضية.
جاء ذلك في ثلاث رسائل متطابقة بعث بها منصور للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس جمعيتها العامة دنيس فرانسس، ورئيس مجلس الأمن لهذا الشهر، روسيا ممثلة بمندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية الخميس.وحذر منصور في الرسائل من أن إسرائيل "تشنّ حربا نكراء على الشعب الفلسطيني بشكل متعمد وتعسفي، وفي انتهاك صارخ للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن".
وقال: "بعد مضيّ ما يقرب من 300 يوم على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، لا نزال نشهد المزيد من الأهوال مع قتل الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيين؛ وقتل العاملين في المجال الإنساني والطبي والصحفيين؛ واختطاف المدنيين وتعذيبهم واغتصابهم في السجون مع استمرار قصف وتدمير المنازل والأحياء الفلسطينية".وتابع: "في الوقت نفسه، في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون هجماتهم الإرهابية والعنيفة، كما أن الحملة الاستعمارية الإسرائيلية غير القانونية تتصاعد، مع الاستيلاء على الأراضي وسرقة وهدم المنازل والممتلكات والتهجير القسري"."تثبت إسرائيل كل يوم أنها ستستمر في التصرف كدولة مارقة، وجريمة الاغتيال اليوم وكل الجرائم التي سبقتها والتي تلتها في الساعات التالية إثبات على ذلك"، أضاف المندوب الأممي الفلسطيني.
وأشار إلى أن القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس أدانوا جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، و"الانتهاك الصارخ" لسيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و"الانتهاكات المتكررة" للأراضي اللبنانية والسورية.
وطالب منصور بالمحاسبة على هذا الاغتيال، وعلى "القتل الوحشي" وإصابة أكثر من 130 ألف طفل وامرأة ورجل فلسطيني خلال هذه الفترة الماضية.وقال: "ندعو مرة أخرى وبأقصى درجة من الإلحاح مجلس الأمن والجمعية العامة وجميع الدول الملتزمة بالقانون والمحِبة للسلام إلى التحرك فورا لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المروعة والإجرامية ضد الشعب الفلسطيني والمنطقة برمتها".واتهم منصور إسرائيل "بالسعي بشكل صارخ إلى محاولة زعزعة استقرار المنطقة بأكملها وإثارة حرب شاملة في الشرق الأوسط بشكل عميق مما يحمل تداعيات خطيرة على المنطقة وخارجها".
"هآرتس": اغتيال قادة بحماس و"حزب الله" لن يعيد المحتجزين من غزة
في الاثناء قالت صحيفة "هآرتس" العبرية، الخميس، إن اغتيال إسرائيل لقادة في "حزب الله" وحركة حماس لن يعيد المحتجزين لدى فصائل فلسطينية في قطاع غزة، ودعت إلى التوصل لاتفاق تبادل أسرى مع الفصائل بغزة.
والثلاثاء، أعلن الجيش الإسرائيلي اغتيال القيادي في "حزب الله" فؤاد شكر، وقالت الصحيفة في افتتاحيتها: " إن الطريق إلى إطلاق سراح الرهائن الـ115 الذين احتجزتهم حماس في قطاع غزة لمدة ثلاثمائة يوم، والذين لا يزال نصفهم على قيد الحياة، يمر عبر صفقة".وأضافت أن "هذا هو أيضاً موقف الجيش و المسؤولين الأمنيين، وما كان صحيحاً في اليوم الأول من الحرب يظل صحيحاً بعد نحو عشرة أشهر من القتال: فالضغوط العسكرية لا تدفع إلى إطلاق سراح الرهائن، وكل يوم يمر يعرض حياتهم للخطر".
وتابعت: "حتى دون النظر في احتمالات التصعيد العسكري الإقليمي، وهو الخطر الذي لا يمكن استبعاده، وخاصة عندما تكون إسرائيل تحت قيادة حكومة يمينية متطرفة غير مسؤولة وخطيرة، فإن اغتيال شخصيات بارزة من شأنه أن يؤخر عودة الرهائن، وأن يحبط الصفقة التي ستؤدي إلى إطلاق سراحهم".
وفي وقت سابق الخميس، أغلق ذوو أسرى إسرائيليين محتجزين في قطاع غزة، طريقا سريعا في تل أبيب، مطالبين الحكومة بإبرام صفقة تبادل أسرى مع الفصائل الفلسطينية في القطاع.وتتهم المعارضة وعائلات الأسرى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوضع عراقيل أمام مقترح الاتفاق، للحيلولة دون انهيار حكومته وفقدان منصبه، إذ يهدد وزراء اليمين المتطرف بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها إذا قبلت باتفاق ينهي الحرب على غزة.
وتقدر تل أبيب وجود 115 أسيرا إسرائيليا محتجزين لدى الفصائل الفلسطينية بغزة، فيما أعلنت حماس مقتل أكثر من 70 أسيرا في غارات عشوائية شنتها إسرائيل، التي تحتجز بسجونها ما لا يقل عن 9 آلاف و500 فلسطيني.