نحو تسجيل "مقدّمة" ابن خلدون لدى "اليونسكو" تراث إنساني مشترك ترك الأثر في كل الثقافات !

هو "مؤسس علم الاجتماع" وهو" فيلسوف العمران" السابق لعصره وآوانه...

يعتبر العلاّمة "ابن خلدون" من أهم العقول التي أنجبتها الحضارة العربية. وإلى اليوم لا تزال نظرياته تدّرس غربا وشرقا ...ولا تزال مقدمته الشهيرة تحظى بالاهتمام ... ولأنه جاء بما لم يأت به أحد من قبله، تسعى تونس إلى تسجيل مقدّمة العلاّمة التونسي ابن خلدون على لائحة "ذاكرة العالم" لمنظمة اليونسكو.

"على خطى ابن خلدون"، نظّمت لجنة دعم تسجيل مقدمة ابن خلدون لدى اليونسكو جولة في قلب المدينة العتيقة بتونس العاصمة بقيادة المؤرخ عبد الستار عمامو في اقتفاء لأثر ابن خلدون في عدد من معالم المدينة على غرار المنزل الذي سكنه، و"الكُثّاب" الذي درس فيه، والمكتبة الخلدونية التي تحمل اسمه ...

عبقري زمانه ... وعلاّمة ديوان السلطان

يكاد ينطق كل حجر في المدينة العتيقة بسيَر الحضارات الغابرة وبحكايات أحداث وشخصيات مرّت فتركت الأثر ... فماذا لو تعلق الأمر بالعلاّمة ابن خلدون؟ في جولة شيّقة وممتعة حاولت أن تتبع خطى ابن خلدون في حيّه ومنزله وفي معالم أثرية لا تزال إلى اليوم شاهدة على حياة عالم استثنائي ملأ الدنيا وشغل الناس ماضيا وحاضرا... وسيبقي إرثه المعرفي نبراسا للبشرية .
هي رحلة عبرت المكان والزمان، لتلاحق طيف ابن خلدون في المنزل الذي ولد ونشأ فيه في «نهج تربة الباي». لا يزال هذا المنزل العتيق صامدا بفضل أشغال الترميم، وهو المتكون من طابقين، ويمتاز بطابعها العربي الإسلامي ونمطه الأندلسي ... على بعد أمتار قليلة، يقع "الكُتَّاب" الذي درس فيه ابن خلدون في طفولته حيث التحق به في سن متأخرة نسبيا وفقا للمؤرخ عبد الستار عمّامو الذي أكد أنّ عائلة ابن خلدون كانت أسرة علم وأدب، وقد قامت أمه بتدريسه في البيت ... وفي حديث ذو شجون عن ابن خلدون، أفاد عبد الستار عمامو أنّ "صاحب المقدمة" أنهى جميع دراسة كل العلوم في عصره في سن 17 من عمره. فوجد نفسه موظفا له شأن كبير في ديوان الدولة الحفصية.
ولئن ساد لدى عامة الناس أن لقب"العلّامة" هو صيغة مبالغة لصفة العالم، فقد كشف عبد الستار عمامو أن العلاّمة هي دلالة على مهنة ابن خلدون الذي كلفه السلطان الحفصي بوضع العلامات أي الأختام على القوانين والوثائق الرسمية للدولة . وهي رتبة بمرتبة الوزير الذي يجب أن يكون أهلا للثقة والأمانة.
ولأنّ مقدمة كتاب «العبر وديوان المبتدأ والخبر» لابن خلدون قد احتلت مكانة مهمة ومتفردة في التراث الإنساني لما تضمنته من أطروحات في فلسفة التاريخ وفي نشأة الأمم وتطوّرها وفي علم العمران البشري ...، فقد أكد المؤرخ عبد الحميد الأرقش بصفته المنسق العام للجنة الدولية لدعم تسجيل مقدمة ابن خلدون في سجل « ذاكرة العالم » لليونسكو أنّ مساعي تسجيل مقدمة ابن خلدون على لائحة التراث العالمي لليونسكو تأتي عنوان "تراث إنساني مشترك " لا يهم فقط تونس التي ولد فيها ابن خلدون أو الجزائر أو المغرب أو مصر أو غيرها من البلدان التي مر بها ابن خلدون واستقر بها لفترة من الزمن بل يشمل أيضا كل عواصم العالم التي ساهمت في التعريف بآثار ابن خلدون وترجمتها ودراستها...
وإن كان من المعروف مسقط رأس ابن خلدون ومن المعلوم مقر مولده وسكناه، فإنّ مكان دفنه في مصر لا يزال مجهولا !

أثر معرفي فريد من نوعه

تعّرف اليونسكو " التراث الوثائقي الذاكرة المشتركة للإنسانية، ومن الواجب حمايته لصالح البحوث ومشاركته مع أكبر عدد ممكن من البشر؛ فهذا التراث هو جزء أساسي من تاريخنا الجماعي". وفي هذا السياق تبذل لجنة دعم تسجيل مقدمة العلّامة التونسي ابن خلدون في سجل "ذاكرة العالم" لليونسكو مساع حثيثة من أجل الظفر بهذا المكسب . وتستند هذه اللجنة إلى حجج منطقية وعلمية وتاريخية تبرز قيمة "مقدمة ابن خلدون " كأثر معرفي فريد من نوعه. وتعتبر اللجنة أنّه " لا أحد قبل ابن خلدون في مقدمته، بما في ذلك المؤسسون الإغريق لعلم التاريخ، قد بلغ الحدّ الذي ذهب إليه في الربط بين السياسة –بما هي الدولة- وبين تنظيم المدينة والمهن والزيادة في الإنتاجية وازدهار العمران، أي –اختصارا- على كل العناصر التي نصنّفها اليوم تحت عنوان الاقتصاد أو علم الاجتماع. ولا أحد أيضا، مثل ماكيافيل وهوبس من بعده، قد ماثل ابن خلدون في عمق النظر وفي قوّة البيان بأن مهد أكبر الحضارات رقيّا قد تضمّن العنف بالضرورة، وأنه، على العكس من ذلك، لا عنف الاّ وهو يتطلع إلى العظمة السلمية للحضارة ويساهم في دعم تلك العظمة وإقامة صرحها. فكأنّ المقدمة هي الرديف الروحي لأعمال فرويد عندما حلّلت مفارقات العنف والرغبة. وكأنها مثلها، تقدّم شكلا نادرا لأحدى المنظومات الفكرية التي تتخذ محورا لها الهزيمة التي ترتقي بالجنس البشري".
ومن المنتظر أن تحتضن تونس في أواخر شهر ماي الجاري مؤتمرا علميا دوليا للتعريف بالقيمة العلمية والفكرية لمقدمة ابن خلدون، هذا الأثر العبقري الذي يستحق التسجيل على لائحة ذاكرة العالم لليونسكو.

494 مجموعة من التراث الوثائقي في سجل اليونسكو

يسعى برنامج "ذاكرة العالم" الذي أسسته اليونسكو في عام 1992 إلى منع فقدان التراث الوثائقي بصورة نهائية، ويُقصد بالتراث الوثائقي الوثائق أو مجموعات الوثائق ذات القيمة الهامة والدائمة، سواء كانت وثائق ورقية أو سمعية بصرية أو رقمية أو بأي صيغة أخرى. ويرمي البرنامج إلى صون هذا التراث وجعله متاحاً لعامة الناس.
يضم سجل "ذاكرة العالم" يتضمن 494 مجموعة من التراث الوثائقي من جميع مناطق العالم على غرار المخطوطات الفارسية المصورة والملونة أو المحفوظات المعمارية لأوسكار نيمير أو مخطوطات بانجي تاله...

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115