أمام أول تصويت «تاريخي» لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة إثر طلب قدمته السلطة الفلسطينية في محاولة منها لكسب تأييد دولي أمام استمرار الانتهاكات الصهيونية في حق شعبها. ورغم تصويت 12 دولة لصالح القرار ، فقد كان الفيتو الذ استخدمته امريكا حاسما في منع الخطوة التي كادت تكون خطوة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية التي تمر منذ ستة أشهر بمنعطف خطير. ووفق مراقبين فقد سعت السلطة الفلسطينية في ظل الحرب التي يشنها الإحتلال ضد قطاع غزة ،لاكتساب شرعية دولية بأن تكون جزءا من الأسرة العالمية وهي خطوة كانت ستمنحها حق المشاركة في القرارات على صعيد المشهد الدولي.
واستدعت وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلية سفراء كل من فرنسا واليابان وكوريا الجنوبية ومالطا وسلوفينيا والإكوادور للتوبيخ على خلفية تصويتهم لصالح ترقية عضو فلسطين في الأمم المتحدة.
وأثار الفيتو الذي يتزامن مع تصعيد صهيوني خطير في قطاع غزة وأيضا في المنطقة في ظل صدام وتوتر بين طهران وتل أبيب ، أثار مواقف دولية متبانية حيث قال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، بأن واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه الفلسطينيين بعد تصويتها في مجلس الأمن الدولي ضد قبول بلادهم في عضوية الأمم المتحدة.
وكانت الولايات المتحدة، قد قالت أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة يجب أن يتم من خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين وليس في الأمم المتحدة..
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة مع توفير ضمانات أمنية لإسرائيل يجب تحقيقه عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وهو ما نسعى إليه في هذا الوقت، وليس عن طريق الأمم المتحدة.
يشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت حق النقض الفيتو للمرة الـ45 لمنع دولة فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.. وقد استخدمت على مدى عقود طويلة الفيتو 44 مرة ضد المصالح الفلسطينية، ولصالح إسرائيل وفق تقرير نشرته "الغد".
تاريخ من "الفيتو" الأمريكي
من جانبه قال د. خيام الزعبي الكاتب والمحلل السياسي للمغرب أنه "في سلسلة الإنحياز الأمريكي لإسرائيل استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) خلال اجتماع مجلس الأمن، اعتراضاً على منح العضوية الدائمة لفلسطين، مما يكشف عن سياسة واشنطن الجائرة ورعايتها إسرائيل رعاية الأم لابنها، وبموازاة ذلك استعملت أمريكا منذ السبعينيات من القرن العشرين (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لصالح إسرائيل 45 مرة، وذلك لإحباط مشاريع قرارات تدين الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو تطالبها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967" وفق قوله.
وتابع محدثنا" هذه السياسة الأمريكية تجاه فلسطين وحقوقها المشروعة تمثل يشكل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، وتشجّع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وتزيد في دفع المنطقة إلى حافة الهاوية، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين ومواصلة سياسات العدوان وجرائم الحرب التي تتم برعاية ودعم أمريكا من خلال استخدامها الفيتو دائماً لصالح الكيان الصهيوني. بالمقابل أن الفيتو الأمريكي غير عادل ، ويتحدى إرادة المجتمع الدولي الذي يؤيد بقوة حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، حيث تعترف أغلبية دول العالم بدولة فلسطينية، وذلك منذ عام 2012 عندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على رفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة إلى وضع الدولة المراقب" على حد تعبيره.
وتابع ''مما لا شك فيه الانحياز الأمريكي لإسرائيل ليس جديدا، بعد دقائق من إعلان تأسيس إسرائيل عام 1948، اعترف الرئيس الأمريكي ترومان بالدولة الجديدة، ومن وقتها وحتى اليوم لم تتوان واشنطن عن دعم الكيان الصهيوني، مما يدل أن أمريكا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة، فإسرائيل تخطط وامريكا تنفذ لإبادة الشعب العربي.ما حدث ويحدث للعالم العربي ليس من قبيل الصدفة بل هو نتيجة مخطط استعماري صهيوني حتى تكون إسرائيل هي السيد المطاع في الشرق الأوسط فضلاً عن حماية أمنها في المنطقة، عن طريق تدخل الغرب في الشؤون الداخلية للدول العربية المعد مسبقاً لتقسيمها وحل القضية الفلسطينية وفق الرؤية الإسرائيلية".
وأكد الزعبي أن إسرائيل اليوم، أصبحت لغماً خطيراً في الجسد العربي كله، وتحت أقدام العرب كافة، فهي كيان فوق القانون الدولي، وهي حالة شاذة عن السياق الإنساني العالمي بمجمله، فقد منحها الدعم اللامحدود من واشنطن، حتى وهي تغتصب أرض الآخـرين، والصمت الدولي المريب عن جرائمها عبر العقود، منحها قناعة راسخة، بأن منطق القوة العسكرية وحده، هو سبيلها للبقاء والهيمنة.
تحذيرات من اجتياح رفح
من جهته حذر رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية، من إقدام الجيش الإسرائيلي على اجتياح مدينة رفح، مؤكدا في الوقت ذاته على جاهزية فصائل المقاومة على الأرض.
جاء ذلك وفق مانشرته الأناضول على هامش زيارته التي يجريها في الوقت الراهن إلى تركيا.وفي وقت سابق السبت، التقى الرئيس أردوغان مع هنية في قصر "دولمة بهجة" بإسطنبول، وبحثا "الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية وفي مقدمتها غزة".
وأكد أردوغان لهنية، وفق بيان صادر عن الرئاسة التركية، أن "تركيا تواصل مساعيها الدبلوماسية للفت أنظار المجتمع الدولي إلى الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون، وتشدد في كل فرصة على الحاجة إلى وقف عاجل ودائم لإطلاق النار وعلى إنهاء الأعمال الوحشية".
اجتياح رفح والموقف الأمريكي
وتعليقا على التصريحات الإسرائيلية بشأن قرب اجتياح مدينة رفح، قال هنية: "من الواضح جدا أن العدو الإسرائيلي لديه قرار بأن يستبيح كل نقطة وكل مكان وكل مدينة في غزة، لا سيما أنه يتحدث عن رفح منذ شهور".
وبشأن موقف واشنطن من الاجتياح، أوضح أن "الموقف الأمريكي مخادع، وحديثهم عن أنهم بحاجة لرؤية خطط تجنب حدوث أذى للمدنيين، ما هو إلا عملية خداع".
ودلل هنية على ذلك بقوله: "كل المدنيين الذين قتلوا بغزة، استشهدوا بالأسلحة والصواريخ الأمريكية وبالغطاء السياسي الأمريكي".
وزاد: "حينما تقف واشنطن داخل مجلس الأمن وتلجأ لسلطة الفيتو ضد قرار وقف إطلاق النار.. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الولايات المتحدة تعطي الغطاء الكامل لاستمرار القتل والمذبحة تجاه غزة، وحينما تتخذ واشنطن أمس قرار فيتو ضد اعتبار دولة فلسطين عضوا كامل العضوية بالأمم المتحدة يعني ذلك أنها تتبنى الموقف الإسرائيلي وهي التي تقف بوجه حقوق الشعب الفلسطيني".
واسترسل: "لذلك نحن لم نقع في هذا الفخ.. فخ الخداع وما يسمى تبادل الوظائف بين الأمريكان والإسرائيليين.. نحن نحذر من الدخول إلى رفح، لأن هذا قد يسبب مذبحة كبيرة ضد شعبنا الفلسطيني".
ودعا هنية "جميع الدول الأشقاء في مصر وتركيا وقطر وكل الدول الأوروبية وغيرها ذات الصلة المباشرة، إلى "التحرك من أجل لجم العدوان الإسرائيلي ومنع الدخول إلى رفح، بل وضرورة الانسحاب الكامل من قطاع غزة وإنهاء العدوان".
واستدرك قائلا: "أما إذا قرر العدو الإسرائيلي أن يذهب إلى رفح، فإن أيضا شعبنا الفلسطيني لن يرفع الراية البيضاء، والمقاومة في رفح هي أيضا مستعدة لتدافع عن نفسها وتتصدى للعدوان، وتحمي نفسها وشعبها".
مستقبل إدارة غزة
وتحدث هنية عما ستؤول إليه الأمور بالنسبة لإدارة قطاع غزة عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية قائلا: "هناك خيارات وبدائل تطرح بوجود قوة عربية مثلا، وتسمى بعض الدول".
وأضاف: "نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية إذا كانت مهمتها إسناد شعبنا الفلسطيني ومساعدته على التحرر من الاحتلال (إسرائيل)، أما أن تأتي قوة عربية أو دولية لتوفر حماية للاحتلال فهي بالتأكيد مرفوضة".
وأردف هنية: "هناك بدائل طرحت ولكنها غير عملية ولا يمكن أن تنجح"، مشددا على أن "إدارة غزة يجب أن تتم بإرادة فلسطينية".
قال هنية: "دعونا إلى ترتيب البيت الفلسطيني على مستويين، وهما مستوى القيادي بإطار منظمة التحرير الفلسطيني بحيث يتم إعادة بناء منظمة التحرير لتشمل كافة الفصائل".
وأضاف: "المستوى الثاني هو تشكيل حكومة وطنية للضفة الغربية وغزة يكون لها ثلاثة مهمات، الأولى الإشراف على الإعمار (في غزة)، والثانية توحيد المؤسسات في الضفة والقطاع، والثالثة التحضير لإجراء الانتخابات العامة رئاسية وتشريعية".
وتابع هنية: "لذلك نحن نرى تشكيل حكومة توافق وطني لغزة والضفة تكون مشرفة على غزة وإدارة غزة بعد نهاية الحرب".
وأشار إلى أن "حماس ليست متمسكة بالتمثيل المنفرد، فنحن جزء من الشعب الفلسطيني ويمكن أن نبني حكومة وحدة وطنية وأن نتوافق على إدارة غزة على قاعدة الشراكة".
وشدد هنية، على أن "هذه قضايا (إدارة غزة) وطنية ولن نسمح للاحتلال أو غيره في ترتيب الوضع الفلسطيني في غزة أو الضفة أو كليهما".
عرقلة إسرائيلية وأمريكية للمفاوضات
وفي إجابته على سؤال مطالب حركة حماس في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل بشأن وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، قال هنية: "من البداية كانت مواقفنا واضحة، نريد أن نوقف العدوان على شعبنا".
وأضاف: "وقف العدوان أولوية عندنا، ومن أجل ذلك وافقنا على الدخول بمفاوضات شريطة أن تفضي إلى وقف إطلاق نار دائم وإلى انسحاب شامل وعودة كل النازحين وصولا إلى صفقة تبادل مشرفة".
ووفق هنية، فإن إسرائيل "حتى هذه اللحظة، ورغم عشرات الجلسات، وعشرات الأوراق المتبادلة عبر الوسطاء، إلا أنها لم توافق على وقف إطلاق النار، وكل ما تريده استعادة أسراها ثم استئناف الحرب على غزة، وهذا لا يمكن أن يكون".
وقال هنية: "العدو الإسرائيلي يريد لحماس وللمقاومة أن توافق على خرائط لانتشار الجيش الإسرائيلي، كأننا نشرعن احتلال القطاع أو جزءا من القطاع، وهذا لا يمكن أن يتم، يجب أن يتحقق الانسحاب الكامل من غزة".
وأردف: "هو لا يريد أن يعود النازحون إلى شمال غزة وإلى أماكن سكناهم، فقط يوافق على عودة متدرجة وبأعداد محدودة وهذا أيضا لا يمكن أن يتم".
واسترسل: "هو لا يريد أن يعطي الاستحقاق المطلوب لعملية التبادل ويضع أعدادا بسيطة جدا، ويريد أن يتحكم بها، في حين أنه اعتقل حديثا ما يقرب من 14 ألف فلسطيني منذ 7 أكتوبر من الضفة الغربية وغزة".
وأضاف: "لذلك الذي يعرقل التوصل لاتفاق هو الاحتلال، كما أن الذي يعرقل التوصل لاتفاق أيضا الإدارة الأمريكية التي تتبنى في كل محطة مفاوضات الرؤية الإسرائيلية، ولا تشكل أي ضغط على الاحتلال ليستجيب إلى المطالب المنطقية والصحيحة، وفي الوقت الذي يوافق فيه الاحتلال على مطالبنا بالتأكيد سنكون جاهزين للتوقيع على الاتفاق".
وزاد: "كل ورقة تقدمها حماس تثبت دول مصر وقطر وتركيا وروسيا بجانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة أطرافا ضامنة للاتفاق، لكن في كل مرة الجانب الإسرائيلي يرفض أن تكون تركيا وروسيا ضمن الدول الضامنة لذلك نحن متمسكون بذلك رغم الرفض الإسرائيلي".