في الذكرى الـ 60 للعلاقات الدبلوماسية التونسية الصينية.. الواقع والآفاق؟

من الصين بلاد السور العظيم والنهر الأصفر ونهر يانغتزي مهد الحضارة الصينية الى قرطاج العريقة

التي حكمت المتوسط ...تاريخ طويل من العلاقات ، ولعل طريق الحرير الذي تأسس قبل أكثر من 2000 عام شاهد على الرابط القديم .

وتشهد فسيفساء يين يانغ الصينية الموجودة في مجموعة متحف سوسة على تاريخ التبادل الثقافي بين البلدين. اما العلاقات الدبلوماسية التي تحتفي كل من تونس والصين بذكرى تأسيسها الستين هذا العام، فقد انطلقت تحديدا عام 1964، عندما زار رئيس الوزراء الصيني آنذاك تشو إن لاي تونس حيث حظي باستقبال حافل من قبل الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة.
عالم جديد
وفي خضم التغيرات التي يشهدها العالم والتحديات العديدة المطروحة تتزايد الحاجة الى عالم أكثر امانا واستقرار في اطار التنمية الشاملة في اطار تعدد الأقطاب. وتشدّد الصين على أهمية بناء مفهوم مجتمع مصير مشترك للبشرية ، الذي يقوم على مبدأ التنمية المشتركة والسلام والأمن الدائمين والإلهام المتبادل بين الحضارات، والهدف منه هو بناء عالم منفتح وشامل . وتؤكد بيكين على ان سياساتها الخارجية تقوم وفقا لمبدأ رابح -رابح من أجل تعزيز السلام والأمن العالميين والرخاء المشترك .
ووجد هذا الإعلان صداه في العديد من الدول النامية والعربية والافريقية والتي تحتاج الى شراكات مبنية على مبدأ الثقة المتبادلة بعيدا عن هواجس التاريخ الاستعماري الذي أثقل كاهل المنطقة لحقب طويلة .

وانطلاقا من مبدأ تنويع الشراكات وفتح آفاق جديدة ، عززت تونس والصين علاقاتهما من خلال مؤسسات عديدة من بينها منتدى التعاون الصيني الأفريقي، أو منتدى التعاون الصيني العربي، او من خلال مبادرة الحزام والطريق.

كما سبق ان جمع لقاء بين الرئيس قيس سعيد والرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش القمة الصينية العربية، وتوصلا إلى سلسلة من التوافقات المهمة، التي رسمت طريق التنمية الاستراتيجية للعلاقات بين البلدين في العصر الجديد".
واكدا خلالها على اكتشاف فرص تعاون جديدة للشراكة مع الصين لتنفيذ برامج تنموية واستثمارية في عدة قطاعات من بينها الصحة والطاقات المتجددة.
وخلال زيارة وزير خارجية الصين الأخيرة ، جددت تونس تأكيدها على الإرادة المشتركة لقيادة لبلدين للارتقاء بهذه العلاقات الثنائية إلى أعلى المراتب خدمةً للمصلحة العليا لـ"الشعبين الصديقين". واستحضر مسؤولو البلدين خلال هذا اللقاء العديد من المشاريع المتنوّعة التي تم تنفيذها في بلادنا بدعم من الصين .
كما شهدت تونس حركية دبلوماسية صينية خلال الفترة الأخيرة تمثلت في زيارة عدد من السياسيين الصينيين البارزين مثل عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير الخارجية وانغ يي، وتم خلالها التباحث في كيفية تطوير العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون في مختلف المجالات، ورفع العلاقات الثنائية إلى مستوى أعلى وأكثر متانة من أي وقت مضى.
فتونس تتطلع الى إرساء شراكات واعدة وبرامج تعاون جديدة مع الصين في عدّة ميادين على غرار الصحة والفلاحة والرياضة والبنية التحتية والطاقات المتجدّدة.
ويؤكد العديد من خبراء الاقتصاد بأن علاقات تونس مع الصّين يجب أن تكون قائمة على مبدأ الند للند والمصالح المشتركة، وان يكون تعزيز الاستثمار الصيني خطوة أولى لسد العجز التجاري بين البلدين .
وانعكست الرغبة بتطوير العلاقات التونسية الصينية في العديد من المشاريع والاستثمارات الصينية في تونس ولعل أهمها مركز الشباب الرياضي والثقافي المنزه ومركز الشباب الرياضي والثقافي بن عروس، والأكاديمية الدبلوماسية الدولية بتونس. وقد احتفت تونس والصين العام الماضي بالذكرى الخمسين لوجود أول فريق طبي صيني في تونس من خلال 1153 طبيبًا صينيًا من 27 فريقًا قدموا بأفضل المهارات الطبية الرفيعة . ويزدهر اليوم الطب الصيني في تونس ورياضة الدفاع عن النفس .
ومع مبادرة تونس الى الغاء تأشيرة السياح للصينيين، فان العلاقات بين البلدين في هذا المجال من المتوقع ان تشهد ازدهارا وآفاقا أوسع.
الاستراتيجية الصينية عربيا
السعي لتطوير العلاقات مع تونس هو جزء من استراتيجية صينية متكاملة تهدف لفتح مرحلة جديدة من العلاقات مع دول المنطقة سواء العربية او الافريقية. وبدأت بيكين تلعب دورا سياسيا ودبلوماسيا متزايدا تمثل في الوساطة بين المملكة العربية السعودية وايران . حيث نجحت في عقد اتفاق ثلاثي سبقته مباحثات بين طهران والرياض خلال عامي 2021 و 2022، استضافتها سلطنة عمان وجمهورية العراق . واستكملت بكين المحادثات وأوصلتها إلى النتيجة. وقد لعبت التغيرات والأوضاع السياسية والأزمات الصعبة التي شهدتها المنطقة في تنفيذ استراتيجية الصين التي تقوم على أساس الاستقرار ونبذ الحروب كمبدأ أساسي لتحقيق التنمية المشتركة . فدون استقرار لا يمكن تحقيق تعاون اقتصادي وتجاري أرحب بين الدول ..

ولعل علاقات الصداقة التقليدية بين الصين والدول العربية والتي تعود الى عصر طريق الحرير كان رباطا وثيقا اسهم في احياء هذا الطريق وفق أشكال جديدة بينها مبادرة الحزام والطريق . فشهدت علاقات الصداقة والتعاون بين عديد الدول تطورا كبيرا في كافة المجالات وهي مبنية على أساس الثقة . ومثل عام 2010 و 2011 نقطة انطلاقة لهذه الصداقة إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية 195.9 مليار دولار أمريكي بزيادة 34.7% خلال العام 2011 . وأصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بينما تكون الدول العربية سابع أكبر شريك تجاري للصين. كما تم تنظيم عديد الفعاليات في مجالات الثقافة والإعلام والتعليم والصحة وغيرها.

ولعل التحديات العديدة المشتركة دفعت اكثر للقاء المصالح فكل من الصين والدول العربية كدول نامية تواجهها مهام شاقة مشتركة تتمثل في مواكبة العصر، وتحقيق التنمية، وتحسين مستوى معيشة الشعب. وهذا ما انعكس في تكثيف التبادلات بين الصين والدول العربية ، وسط تطلعات لآفاق أرحب.

في عام 2012، عقدت الدورة الخامسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في بلادنا، وعكست رغبة سياسية مشتركة للجانبين. فلدى الدول العربية عزيمة ثابتة للتنمية، وستواصل دفع التعاون مع الصين لمواجهة التحديات المشتركة.

يشار الى ان منتدى التعاون الصيني العربي تأسس عام 2004 كخطوة استراتيجية اتخذتها الصين والدول العربية في القرن الجديد من أجل مواجهة تحديات العولمة وتطوير العلاقات بين الجانبين على المدى الطويل. وتمت إقامة أكثر عديد آليات التعاون في إطار المنتدى، منها الاجتماع الوزاري واجتماع كبار المسؤولين وندوة الحوار بين الحضارتين الصينية والعربية، ومؤتمر الصداقة ومؤتمر رجال الأعمال وغيرها. فأصبحت منظومة التعاون بين الجانبين التي تتركز على المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية أكثر نضوجا يوما بعد يوم، ويتطور التعاون بين الجانبين بخطوات متزنة على المستويين الرسمي والشعبي.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115