الشركات الأهلية بعد سنتين من صدور المرسوم 15: الحصيلة والآفاق ...

تسارع نسق السلطة التنفيذية في البلاد واضعا نصب عينيه

تحقيق هدف يتمثل في دفع مسار الشركات الاهلية الى النجاح وذلك عبر حزمة من الإجراءات والخيارات الباحثة عن تمكين هذه الشركات ومؤسسيها من انطلاقة ثانية بعد مرور سنتين على صدور المرسوم الخاص بها دون تحقيق اية نتيجة عملية على الارض.

منذ صدور المرسوم عدد 15 لسنة 2022 المتعلق بالشركات الأهلية وتنظيمها ومجالاتها والامتيازات الممنوحة لها في 20 مارس 2022 لم تعقب هذا القانون اية انطلاقة فعلية في مسار إنشاء أو تركيز مثل هذا الصنف من الشركات الا بعد اشهر عدة بعقد الجلسة التأسيسية أول شركة اهلية في منطقة بني خيار حضر رئيس الجمهورية فعاليتها وألقى فيها كلمة أعلن فيها عن انطلاق مرحلة جديدة للاقتصاد التونسي وإعادة توزيع الثروة .

ورغم دعم السلطة لهذه الشركة الا أنها تعثرت ولم تكن من بين اولى 10 شركات أعلن عن تأسيسها وينشر في الرائد الرسمي بعد تعثرها في استكمال إجراءات تأسيسها القانونية وحصولها على معرف جبائي في السجل الوطني للمؤسسات كما ينص المرسوم في بابه الأول المحدد للأحكام العامة المنظمة لعمل الشركات الاهلية.

إجراءات تلزم مؤسسي الشركات الاهلية الذين لا يجب أن يقل عددهم عن 50 شخصا ممن تتوفر فيهم صفة الناخب وأن يكونوا مسجلين في الدائرة الانتخابية الشاملة للمجال الترابي الذي تنشط فيه الشركة، باتباع مسار إداري معقّد بنص المرسوم عدد 15 الذي غفل عن ملائمة فصوله مع ما يتضمنه القانون التونسي كما أسقط خصائص النسيج الاقتصاد التونسي من حساباته كما هو الحال مع العنصر البشري المراد منه أن يبادر بتأسيس الشركات الاهلية.

واقع تونسي مركب انتهى بان بلغ عدد الشركات الأهلية التي استكملت إجراءات تأسيسها القانونية وتحصلت على رقم تسجيل بالسجل الوطني للمؤسسات 40 مؤسسة إلى غاية فيفري 2024 فيما تسعى 60 مؤسسة أخرى الى استكمال بقية الإجراءات القانونية لتستكمل مسار تأسيسها الذي انطلق منذ 2023 بعد ان أعلنت حكومة نجلاء بودن حينها عن تخصيص مبلغ قدره 20 مليون دينار لتمويل الشركات الاهلية مع الاشارة الى انه سيقع تعزيز المبلغ بتخصيص 20 بالمئة من عائدات الصلح الجزائي، ولكن كل هذا تعثر ولم يتم، فلا المبلغ الذي خصصته الحكومة وقع صرفه ولا عائدات الصلح الجزائي استكمل تجميعها.

تعثر حال دون ان تنطلق آية من الشركات الاهلية في النشاط الفعلي، سواء أكانت جهوية او محلية، فغياب التمويل وبطء الاجراءات الادارية تقاطعوا مع سمة سائدة صلب المبادرين بتأسيس الشركات الاهلية وهي غياب التمويل الذاتي رغم ان القانون اشترط ان يكون هناك اكتتاب في رأس مال الشركة حدد مبالغه الدنيا، وهي 10 آلاف دينار للشركة الأهلية المحلية و20 ألف للشركة الجهوية. لكن يبدو ومن طبيعة الشركات المعلن عن تأسيسها وهي في اغلبها شركات فلاحية او خدمات فلاحية فان ضعف التمويل الذاتي وشبه غيابه الكلي حال دون انطلاق أغلبها في النشاط.

معضلة يبدو أن السلطة وجدت لها حلا نسبيا بأحداث خطوط تمويل بنكية لهذه الشركات، فبنك التضامن، وهو بنك عمومي، خصص اعتمادات تمويل لفائدة 100 شركة اهلية بقيمة 4 مليون دينار تمنح كقروض بفائدة 5 بالمئة، ولاحقا انضم أحد البنوك الخاصة ليعلن عن توفيره خط إقراض الشركات الأهلية بنسبة الفائدة المديرية اي TMM المقدر اليوم من البنك المركزي التونسي بـ8 بالمئة، وذلك دون ان تعلن عن حجم هذا الخط او عدد الشركات التي تستهدف تمويلها وحتى هذه الخطوط التمويلية لن تكون حلا لكل إشكاليات التمويل التي تواجهها الشركات الاهلية ومنها غياب الرأسمال التشغيلي اللازم لضمان عمل المؤسسة وقدرتها على سداد مستحقاتها اليومية او اجور موظفيها او الخدمات التي ستتمتع بها، فما أعلنه بنك التضامن هو أنه سيوفر اعتمادات في شكل تجهيزات ومواد اولية وليس رأس مال نقدي كما ان البنك الخاص لم يشر إلى ان فرضه قد يتضمن رأس مال تشغيلي او اي مبلغ مال اضافي عن كلفة الانشاء والتجهيز.

معضلة قد تهدد هذه الشركات التي حملها المرسوم المنظم لها ازمة لم ينتبه اليها، حينما حدد أوجه تنظمها وطريقة تمويلها ورأس مالها الأدنى بين 10 و20 الف دينار توزع كأسهم بين المساهمين بالتساوي. وهذه الازمة قد تكون اعنف واحد بالنسبة للشركات الأهلية في المناطق الداخلية التي تعاني من بنية تحتية ضعيفة قد تضاعف حجم الحاجة إلى السيولة النقدية للشركات. وهذا من شانه ان يشكل تحديات امام هذا الصنف في تأمين لوازم للإنتاج وقدرتها على تحقيق النمو والاستمرارية.

ولا تقتصر الاشكاليات على هذا الجانب المتعلق بالتمويل بل تمتد لتشمل التسيير، اذ وفق المرسوم فإنه لا يحق للموظفين والأعوان العموميون المباشرين أو الملحقون بأن يكونوا من مؤسسي الشركات الاهلية، وبالتالي فان هذا يحول دون ان يكونوا جزء من مجلس الإدارة الخاص بالشركة، كما أن وضعها الراهن قد لا يشجع العاملين في القطاع الخاص على التفرغ للالتحاق بها وهو ما قد يؤدي إلى ان يكون أغلب مؤسسي الشركات اما من المتقاعدين او من العاطلين عن الشغل ممن لم يكتسبوا مهارات وخبرات إدارية او مهنية تساعدهم على تسيير الشركة وهي مهمة موكولة لمجلس الإدارة.

مجلس حددت بعض مهامه كما حددت مهام الجلسة العامة للشركة، ولكن البعض الاخر ظل مسكوت عنه كمهمة انتداب العملة والموظفين، فرغم ان المرسوم يجيز ان يكون المؤسس للشركة الاهلية اجيرا بها، فانه لم يحدد كيفية انتدابه او من له احقية الانتداب وهو ما قد يطرح إشكاليات لاحقا خاصة وان هذا الصنف من الشركات لا يوفر مواطن شغل بعدد المؤسسين، فالشركات الأهلية وفق طبيعة النشاطات التي حددت لها ومجالات العمل ستكون جلها شركات صغرى ومتوسطة في افضل الاحوال لا تمتلك طاقة تشغيلية بالعشرات، بل ببضعة أفراد على اقصى تقدير.

جملة من العقبات برزت تباعا منذ نشر السلطة للمرسوم عدد 15 او ما يعرف بمرسوم الشركات الاهلية التي تراهن السلطة على انها قد تكون من الحلول الاقتصادية البديلة القادرة على خلق حركية في الاقتصاد التونسي المنكمش، وهو ما قد يتضح لاحقا للسلطة عن عدم واقعية راهانها، فهذا النمط من الشركات وانماط انتاجها على اهميته الاجتماعية والاقتصادية لكنه غير قادر على توفير مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي تتجاوز في افضل السيناريوهات المكنة وبعد سنوات حاجز 6 او 8 ٪ وهو ما يعني محدودية اثره الاقتصادي خاصة في ظل النمو المتباطئ والمنكمش للاقتصاد التونسي الذي حقق في سنة 2023 وفق معهد الاحصاء الوطني نسبة نمو بـ0.4 بالمئة، وهذا من شانه ان ينعكس سلبا على نشاط هذه الشكرات وقدرتها على الديمومة ان استمر، اي ان الشركات الاهلية تستفيد من ازدهار بقية القطاعات الاقتصادية ومن النمو المحقق فيها وخاصة القطاع الخاص وهي متصلة به، فان شهدت تلك القطاعات انكماش او نمو ضعيف فان الشركات ستتأثر به .

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115