منبــــر: أحداث 25 جويلية 2021 والتدابير الاستثنائية صلب الفصل 80 من الدستور

بقلم: جمال بياوي
محام و باحث في القانون الدستوري
منذ الشروع في عملية الانتقال الديمقراطي اثر أحداث الثورة مرت بلادنا بالعديد من الأزمات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية

لعل أخرها الأزمة الصحية بسبب انتشار وباء كوفيد 19 .و لم يكن التعاطي السياسي مع هذه الأزمات المتعددة في المستوى المطلوب و بالنجاعة الكافية بل اتسم بالتردد و الفشل الحكومي في العديد من الملفات الهامة.
و لئن يتقاسم رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة ممارسة السلطة التنفيذية فالأول يتمتع بامتياز يتمثل في انتخابه مباشرة من قبل الشعب.وما من شك في ان صلاحيات رئيس الجمهورية صلب دستور27 /01 /2014 تكتسي أهمية بالغة رغم التوجه إلى حصرها في بعض المهام الشكلية و منح الحكومة أغلب الصلاحيات التنفيذية و ذلك بسبب رغبة السلطة التأسيسية في تكريس نظام برلماني مع كافة الضمانات التي تحد من كل انفراد بالسلطة.

و يمكن تفسير هذا التوجه بالحرص على عدم تكرار التجربة السياسية لما قبل ثورة 17 /12 - 14 /01 والتي اتسمت بصلاحيات غيرمحدودة لرئيس الجمهورية في ظل نظام وصف بالموغل في الرئاسوية.
كما اتجه بعض فقهاء العلوم السياسية الى تفسير اختيار النظام البرلماني الى أسباب تهم خاصة الحزب الفائز في الانتخابات وهو ما أكده الأستاذ حاتم مراد عندما تناول بالدرس النظام السياسي التونسي في دستور الجمهورية الثانية.
وبعد مرور حوالي عشر سنوات من الحكم بعد ثورة 2011 يمكن القول بان النظام المجلسي في مرحلة أولى ثم النظام شبه البرلماني في مرحلة ثانية لا يمكن بأي حال ان يمكن من ممارسة السلطة بصفة طبيعية للفائز في الانتخابات دون البحث عن تحالفات مما نتج عنه ترذيل العمل السياسي و التشريعي من خلال السياحة الحزبية و دخول أصحاب رؤوس الأموال للعمل السياسي تحت غطاء إعلامي و اجتماعي .

و قد أدى هذا الوضع الى حالة من الشلل التام لتعطّل دواليب الدولة وأهمها المؤسسة التشريعية إضافة إلى انتفاء العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية،أما على الصعيد الاجتماعي و الاقتصادي فقد ساهمت جائحة كوفيد في تعقيد الوضع و تسريع الأحداث المأساوية المتتالية من ارتفاع عدد الوفيات و انسداد الأفاق بعد عجز الحكومة تماما عن حلحلة الوضع بل ساهمت بصفة مباشرة في التردي من خلال القرارات المتسرعة و غير المناسبة.

وقد أشار العميد ناجي البكوش الى وجود» أزمة متعددة الأوجه و الأسباب و غير مسبوقة في تاريخ تونس المستقلة منذ 1956 اذ أنها بصدد النيل بصورة مفزعة من ثقة العموم في الدولة و من تجانس المجتمع.إنها أزمة عميقة و خطيرة الأبعاد جعلت الكثير من المهتمين بالشأن الدستوري و السياسي يضع المنظومة الدستورية التي أفرزتها ثورة 2011 في قفص الاتهام باعتبارها سبب التأزم المتفاقم للوضع الاجتماعي و الاقتصادي و سبب الاحتقان السياسي المتزايد بالرغم من ان الثورة فتحت المجال فعليا أمام المنافسة السياسية و حرية التعبير و الإعلام و التنظم و ممارسة الحقوق السياسية بحرية لا تكاد تجد لها مثال في المنطقة العربية»
كما شهد المجلس النيابي العديد من الأحداث مثل تبادل العنف و الانشغال بصراعات و مناكفات أنتجت صورة رديئة جدا لسلطة تشريعية ابعد ما تكون عن مشاغل المواطن و أخر همها إيجاد حلول للازمة الخانقة التي تمر بها البلاد.

أمام هذا الوضع البائس و المحبط خرج العديد من المواطنين يوم 25 جويلية 2021 بمناسبة الاحتفال بعيد الجمهورية للاحتجاج عن هذا الوضع المتردي من خلال مظاهرات جابت الشوارع على إثرها تم القيام بأعمال عنف و تخريب شملت حرق مقرات الحزب وإنزال لافتات في العديد من الولايات و طالبوا أساسا بحل البرلمان و إسقاط الحكومة.فلم يكن أمام رئيس الجمهورية من خيار سوى تفعيل الفصل 80 من الدستور بعد اجتماعه بمجلس الأمن القومي .

ينص الفصل 80 من دستور 27/01/2014 على ما يلي :»لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم.مهدد لكيان الوطن و لأمن البلاد و استقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة ان يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية و ذلك بعد استشارة رئيس الحكومة و رئيس مجلس نواب الشعب و إعلام رئيس المحكمة الدستورية ويعلن عن التدابير في بيان الى الشعب . و يجب ان تهدف هذه التدابير الى تامين عودة السير العادي لدواليب الدولة في اقرب الآجال و يعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة و في هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة .و بعد مضي ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير و في كل وقت بعد ذلك يعهد الى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب او ثلاثين من أعضائه البت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه.و تصرح المحكمة بقرارها علانية في اجل أقصاه خمسة عشر يوما.و ينهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها .ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك الى الشعب.»
وبالرجوع لدستور غرة جوان 1959 كانت مسالة التدابير الاستثنائية موضوع الفصل 32 في نسخته الأصلية.وهو يمثل اقتباسا من الفصل 16 من الدستور الفرنسي لسنة 1958 قبل ان يتم تنقيح الدستور في 8 افريل 1978 وتصبح الحالة الاستثنائية منظمة بالفصل 46.
إلا انه و بعد تعديل 2002 حافظ المشرع الدستوري اثر الاستفتاء على تنظيم التدابير الاستثنائية في الفصل 46 الذي أصبح ينص على «لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم.....».

و على المستوى التطبيقي بالنسبة لفرنسا و لئن التجأ الجنرال ديقول إلى الفصل 16 في افريل 1961 للفترة الممتدة بين 23 افريل و 30 سبتمبر رغم المعارضات العديدة في تلك الفترة لعدم توفر شرط توقف السلطات الدستورية ولكن لم يكن هناك فقط سوى تهديدات , إلا أن القرارات التي تم اتخاذها في تلك الفترة و عددها 26 قرارا لم تكن قرارات تعسفية و لم تقع معارضتها و تركزت أساسا حول إحداث محاكم و تنقيح بعض الإجراءات الجزائية و من ضمنها كذلك تمديد إجراءات الإيقاف التحفظي.

أما في تونس فقد تم تفعيل الفصل 46 مرتين الأولى كانت بمناسبة أحداث 1978 و على اثرها تم إصدار الأمر المنظم لحالة الطوارئ و المناسبة الثانية فهي اثر أحداث الخبز لسنة1984 .و ما يثير الاستغراب هو عدم الالتجاء إلى التدابير الاستثنائية بمناسبة أحداث قفصة سنة1980 رغم توفر جميع الشروط الموجبة لاتخاذ تلك التدابير.
و التدابير الاستثنائية باعتبارها إجراءات او قرارات يتخذها رئيس الجمهورية تمليها حالة الضرورة او حالة الاستثناء مثل تهديدات خطيرة كمحاولة الانقلاب او أعمال إرهابية او هجوم مسلح من الخارج و غيرها من الأسباب تمنح رئيس الجمهورية حرية كبيرة في تقييم مقتضيات كل ظرف.
«ان هذا الفصل المقتبس من الفصل 16 من الدستور الفرنسي الصادر في 4 اكتوبر 1958 يمكن رئيس الدولة من ممارسة اختصاص خارق لقواعد القانون العام يمسك بمقتضاه بصفة استثنائية و مؤقتة بالسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في آن.وباستطاعته على هذا الأساس اتخاذ نصوص تحد من الحريات و تضيق في بعض الضمانات الدستورية المعمول بها في الحالات العادية».

ولئن اشترط الدستور وجود تهديد لأمن البلاد و للنظام الجمهوري و كذلك تعطيل السير العادي لدواليب الدولة لتطبيق احكام الفصل 46 فان هذه الشروط تبقى عامة وغامضة و ليس من الهين دائما تقدير مدى توفرها او إنكار ذلك.
ان التدابير الاستثنائية تعتبر حالة ضرورة و هي نظرية ظهرت لاول مرة في ألمانيا و تهدف إلى إعفاء رئيس الجمهورية في حالة الأزمة من احترام الدستور و القوانين.

وتم اعتماد نظرية الضرورة من قبل جانب من الفقه الفرنسي ,الفقيه ليون دوقي و موريس gouverner c’est agir et non délibérerمن فكرة هوريو الذي ينطلق.

و لما تم اعتماد الفصل80 من دستور 27 /01 /2014 من قبل رئيس الجمهورية في خطاب توجه به إلى الشعب يوم 25 جويلية 2021 أعلن من خلاله على جملة من القرارات تتمثل أساسا في تجميد عمل البرلمان و عزل رئيس الحكومة يطرح التساؤل هل وقع احترام مقتضيات الفصل المذكور ام ان رئيس الجمهورية قد قام بخرق جسيم للدستور ؟
حتى يقع الالتزام بتنصيصات الفصل 80 من الدستور لابد من توفر بعض الشروط العامة تمكن رئيس الجمهورية من اتخاذ تلك التدابير يتم على اثرها القيام ببعض الإجراءات الشكلية قبل ممارسة الصلاحيات في اتخاذ الأوامر الرئاسية او المراسيم ان توفرت شروطها.

1 - الشروط الأساسية لاتخاذ التدابير الاستثنائية
يضع الفصل 80 المذكور جملة من الشروط و الإجراءات لابد من إتباعها قبل و بعد اتخاذ التدابير الاستثنائية حتى لا يتم الخروج عن الدستور نظرا لخطورة الوضع الذي يمكن ان ينجر عنه تغيير نظام الحكم وسهولة الانحدار الى الدكتاتورية.

• الخطر الداهم
جاء بالفصل 80 انه ولإعلان تلك التدابير لابد من وجود خطر داهم ويمكن تعريف الخطر الداهم بانه كل حدث ممكن ان يؤدي الى كارثة تحل بالبلاد او العباد سواء بدات نتائجه في التحقق او قاب قوسين من ذلك .فوجود خطر محتمل الوقوع قد لا يكون كافيا لاتخاذ التدابير المذكورة
وحيث ان الخطر الداهم والذي بمقتضاه اعلن رئيس الجمهورية التدابير الاستثنائية تطبيقا للفصل 80 من الدستور هو ما ىشهدته البلاد من مظاهرات في العديد من الولايات ادت الى حرق مقرات الحزب الحاكم و اعمال شغب وعنف..
ولابد من التأكيد في هذا الخصوص على ان العديد من الملاحظين في المجال السياسي و القانوني قد دعوا رئيس الجمهورية الى تطبيق الفصل 80 من الدستور و لكنه لم يستجب لتلك النداءات و التي كانت تهدف الى محاولة إيجاد مخرج دستوري لتجاوز حالة انهيار الدولة و مؤسساتها نتيجة فشل الحكومات المتعاقبة في ايجاد الحلول الملائمة للفساد ومعالجة أزمة الكوفيد والتي أدت الى تراجع اقتصادي و خسائر بشرية كبيرة.

وبما ان سبب تلك المظاهرات هو الغضب الشعبي العارم على رئيس الحكومة و الحزب الحاكم الأكثر تمثيلية في البرلمان وبما ان الدعوات التي صدرت أثناء المظاهرات و حتى قبلها بأشهر كانت تهدف الى حل البرلمان و الدعوة الى انتخابات مبكرة فانه يمكن اعتبار الخطر الداهم هو البرلمان في حد ذاته نظرا لما شهده من اعمال صبيانية و مشاهد مقززة تنقل يوميا للمواطن عبر وسائل الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي مما أصاب الناس بالإحباط و الكره الشديد لممثليه الذين تنصلوا من التزاماتهم و ووعودهم الانتخابية و انشغلوا عنها بمصالحهم الشخصية والصراعات الحزبية الضيقة.
لابد من التاكيد في هذا المجال على ان الخطر الداهم ليس من خارج مؤسسات الدولة بل هو نتيجة عنصر او مؤسسة هامة في الدولة وهي المجلس النيابي و كذلك الرئس الثاني للسلطة التنفيذية الا وهو رئيس الحكومة.
و قد أشار الأستاذ سليم اللغماني في تناوله لشرعية التدابير الاستثنائية الى هذه النقطة عندما بين ان الخطر الداهم في تاويل رئيس الجمهورية وهو محق في ذلك من داخل الدولة و ليس عاملا خارجيا.
توسع الرئيس في قراءته للفصل 80 فهو يرى ان جزء من الخطر الداهم هو المجلس نفسه و رئيس الحكومة لذلك اتخذ قرار تعليق المجلس و إعفاء رئيس الحكومة ضمن التدابير الاستثنائية التي انقذت البلاد من دوامة العنف ووقع امتصاص الغضب مما حدا ببعض الملاحظين القول بان رئيس الجمهورية أعطى حبل النجاة لمنظومة الحكم المحتج عليها قبل ان يحدث ما لا يحمد عقباه.

• تهديد كيان الوطن أو امن البلاد
أو استقلالها
حتى يتم الاعلان عن التدابير الاستثنائية في كنف الدستورية لابد انيكون الخطر الداهم مهددا لكيان الوطن او امن البلاد او استقلالها.ولئن اشترط الفصل 46 من دستور غرة جوان 1959 الترابط بين كافة العناصر المذكورة فان الفصل 80 من الدستور الجديد يمكن من اتخاذ التدابير الاستثنائي حتى وان كان الخطر الداهم يمس فقط باحدى العناصر المذكورة.
ان عدم اشتراط توافر جميع العناصر التي تميز الخطر الداهم و الاكتفاء فقط بعنصر فقط مثل تهديد امن البلاد يفتح المجال بكل يسر لاتخاذ التدابير الاستثنائية.
و مهما يكن من امر فان لرئيس الجمهورية وحده ان يقيم مدى اهمية الخطر و صبغته الداهمة و كذلك التهديد الذي يشكله سواء لكيان الوطن او امن البلاد او استقلالها.الا انه ليس من اليسير تحديد هذه المصطلحات فهي قابلة للتاويل بحسب الوضعيات.

• تعذر السير العادي لدواليب الدولة
اشترط الفصل 80 من الدستور ان يؤدي الخطر الداهم المهدد لامن البلاد او كيان الوطن او الاستقلال الى تعذر السير العادي لدواليب الدولة.
لابد من التأكيد عند تناول مسالة التعذر وقبل التطرق الى العسر في تحديد مفهومه على ان دواليب الدولة تشهد منذ عدة سنوات لخبطة كبيرة و تعطل غير مسبوق في العديد من القطاعات و من الوزارات و المؤسسات بما فيها البرلمان كما شهدت إضرابات في قطاعات حيوية مثل العدالة امتدت لاكثر من شهرين متتاليين وهو امر نادر الوقوع حتى في الدول المتخلفة.
ان تحديد مفهوم التعذر يبقى نسبيا فلا توجد عناصر او معايير يتم من خلالها تقييم التعذر بصفة موضوعية لذلك لرئيس الجمهورية وحده صلاحية تقييم حالة التعذر حسب المعطيات الامنية او العسكرية حسب الحالة.

• عودة السير العادي لدواليب الدولة
ان الهدف المنشود من اتخاذ التدابير الاستثنائية هو بالأساس تامين عودة السير العادي لدواليب الدولة في اقرب الآجال لذلك جاء الفصل 80 بوضع الشروط التي من خلالها يصعب الانقلاب على النظام السياسي و تركيز دعائم الدكتاتورية.

2 - المسائل الإجرائية
عندما اعلن رئيس الجمهورية يوم 25 /07 /2021 تاريخ اتخاذ التدابير الاستثنائية وقع استشارة رئيس الحكومة و رئيس مجلس نوااب الشعب حسب ما جاء في البيان الذين توجه به الى الشعب الا انه و في ظل عدم تركيز المحكمة الدستورية فان اعلام رئيسها لم يتم وهو اجراء مستحيل يكون رئيس الجمهورية في حل منه .
يجب التساؤل هنا عن إلزامية هذا الإجراء و يبدو ان الاتجاه الغالب يرى انه مجرد شكلية لا غير و هو غير ملزم لان صاحب الاختصاص الجوهري هو رئيس الجمهورية و هو غير مقيد عند تقييمه لظروف الالتجاء للحالة الاستثنائية.
و عندما يتخذ رئيس الجمهورية هذه التدابير ينص الفصل 80 على ضرورة اعلام الشعب باتخاذ تلك التدابير من خلا بيان يتوجه به الى الشعب.

و يعتبر التنصيص على ان مجلس نواب الشعب يعتبر في حالة انعقاد دائم طيلة فترة سريان التدابير الاستثنائية اهم إجراء نظرا لما يمثله من ضمانة حتى لا ينفرد رئيس الجمهورية بالسلطة و لا يتعسف في استعمال الصلاحيات التي يمكنه منها الفصل 80.
و قد اثار قرار رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية بتجميد نشاط مجلس نواب الشعب الكثير من الانتقادات وتم تكييف هذه التدابير بانقلاب الرئيس عن الشرعية.الا انه و بالرجوع لاسباب الاحتجاجات الشعبية و بالتمعن في قراءة الرئيس للخطر الداهم كما تم بسطه انفا فان هذا القرار يعتبر مناسبا تماما للوضعية التي عاشتها بلادنا في تلك الفترة.

و تجدر الإشارة الى انه لا يوجد اي مانع دستوري من تجميد نشاط المجلس باعتبار ان النص يذكر منع حل مجلس نواب الشعب .و قد أشار الأستاذ الأزهر بوعوني الى هذه النقطة في كتابه الأنظمة السياسية و النظام السياسي التونسي حين اعتبر ان الفصل 46 حجر صراحة حل مجلس نواب الشعب لكنه لم يمنع صراحة تجميد نشاطه لفترة قد تطول و قد تقصر.
ينص الفصل 80 من الدستور الجديد على انه يعهد للمحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب او ثلاثين من أعضائه البت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه و لا يعتبر هذا الاجراء و لا يمكن تفعيله واقعيا للسبب المعلوم الا وهو غياب المحكمة الدستورية .

و طرح التساؤل حول صلاحية الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في تعويض المحكمة الدستورية للاضطلاع بمهامها الرقابية حول تطبيق مقتضيات الفصل 80 و لكن الإجابة واضحة لا لبس فيها باعتبار عدم إمكانية حلول الهيئة مكان المحكمة الدستورية و ممارسة هذه المهام لان القانون الأساسي للهيئة الوقتية لا يمكنها من ذلك.
كما ينص الفصل المذكور انه ينهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها و يوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب و الغاية منه هي الإعلام بانتهاء الحالة الاستثنائية مثلما تم الإعلان عنها في بداية اتخاذ التدابير المتعلقة بها.

3 - ممارسة الصلاحيات الرئاسية في إطار التدابير الاستثنائية
يمارس رئيس الجمهورية صلاحياته العادية مثلما تم التنصيص عليه في الفصل 78 من الدستور بواسطة اوامر رئاسية يقوم بمقتضاها بالتعيينات و الاعفاءات في الوظائف العليا العسكرية و الدبلوماسية و في رئاسة الجمهورية وكذلك التعيينات والإعفاءات المتعلقة بالأمن القومي.كما يعين رئيس الجمهورية محافظ البنك المركزي باقتراح من رئيس الحكومة .
لابد من التأكيد على انه وعند اتخاذ قرارات 25 جويلية 2021 ليست المرة الأولى التي يستند فيها رئيس الجمهورية على الفصل 80 اذ تم تفعيله بمناسبة الإجراءات المتخذة في مواجهة فيروس كورونا

عندما اصدر الأمرين الرئاسيين عدد 24 /2020 المؤرخ في 18 /03 /2020 المتعلق بمنع الجولان و الامر عدد 28 لسنة 2020 بتاريخ 202 مارس 2020 المتعلق بتحديد الجولان و التجمعات خرج أوقات منع الجولان. وقد تم التنصيص على ان شروط الفصل 80 المتعلقة بالحالة الاستثنائية توفرت رغم عدم وجود المحكمة الدستورية.
أما في ما يتعلق بممارسة الصلاحيات الرئاسية في ظل إعلان الحالة الاستثنائية للمرة الثانية بعد جائة كورونا اي في إطار أحداث 25 جويلية فتطبيق مقتضيات الفصل 80 يسمح لرئيس الجمهورية بممارسة صلاحيات استثنائية من بينها ممارسة السلطة الترتيبية العامة و بصفة عامة كافة الصلاحيات التي تعود في الأصل للحكومة و الهيئات الإدارية
و ينص الفصل 70 من الدستور على ان رئيس الجمهورية يمكنه إصدار مراسيم في حالة حل المجلس النيابي بالتوافق مع رئيس الحكومة لذلك فرئيس الجمهورية يعتبر مؤهلا دستوريا لإصدار مراسيم في ظل التدابير الاستثنائية خاصة بعد تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 المؤرخ في 29 /07 /2021 .
و تتالت الدعوات اثر اعتماد التدابير الاستثنائية من قبل مؤيديه او غيرهم من المعارضين لهذه الإجراءات من اجل الشروع فعليا في مقومة الفساد و محاسبة كل المتورطين في الإرهاب و خاصة العمل على توفير الضمانات للسلطة القضائية حتى تمارس مهامها في استقلالية تامة.ولعل القرار الذي جوبه بالنقد هو إعلان رئيس الجمهورية ترأسه لجهاز النيابة العمومية.و قد اعتبره العديد من الملاحظين انه خرق جسيم للدستور و لاستقلالية السلطة القضائية.

الا ان المتمعن لهذا القرار في ظل إعلان التدابير الاستثنائية بعد شغور منصب رئيس الحكومة ووزير العدل فلابد من إيجاد حل لهذه الوضعية الاستثنائية ففي الحالة العادية يترأس وزير العدل جهاز النيابة العمومية دون ان يقع الحديث عن المس باستقلالية السلطة القضائية.
و مهما يمكن من أمر فان هذه الصلاحيات غير المحدودة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية بعد تفعيل الفصل 80 من الدستور تبقى استثنائية و تنتهي بانتهاء موجبها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115