منبــــر: ذكرى انتصار الزعيم على الموت !! شهادة وفاة في 6 أفريل أو الخلود الرسمي في الذاكرة

بقلم: فاتن حسين الطرهوني
لا يمكن ان يحتكر الزعيم الحبيب استقلال تونس فهي مسيرة بدأت قبله و استمرت معه و لازالت بعده هناك تواريخ مفصلية كانت حاسمة في استقلال تونس من ذلك 2 سبتمبر 1932 تاريخ ا

بعاد المجاهد الاكبر الى المنفى او تاريخ احداث 9 افريل 1938 وتاريخ إغتيال النقابي فرحات حشاد ديسمبر 1952 وهي احداث متظافرة أفضت لإستقلال تونس يوم 20 مارس 1956 الذي مر مؤخرا ببرود بعد عشرية الثورة للأسف عدا تاريخ اول ثورة في تونس و اندلاع الكفاح المسلح في 18 جانفي 1952 للأسف أيضا .
احداث دامية مشهودة و احداث تفاوضية قادها هو كمحاور بارع لفرنسا التي اختارته كأفضل المحاورين و لا عيب في ذلك خاصة بعد مؤتمر الإنشقاق و تولي زمام الأمور بنفسه رغم فضل من سبقه في الحزب اساسا عبد العزيز الثعالبي من افتتتح التفاوض حتى بعلاته.

و في هذا الصدد سأتحدث عن بعض النقاط المخفية في مسيرته لأنسب له فضل من فضائل الإستقلال ، ففي ما يخص انجازاته الكل يعلمها و خاصة نظافة اليد وكتب العديد عنه اهمهم حسب رأيي الشاذلي القليبي برأي محايد و الصافي سعيد كمهاجم و الباجي قائد السبسي كمنحاز و غيرهم من معاصريه و لكن هناك نقاط يمر عليها الكثير مرور الكرام و هي ذات معنى عميق فسأقوم ببعض المراجعات و سأتحدث لاحقا عن أخطاء الزعيم التى كان يستطيع تفاديها رغم اني كنت ارى انه لم يكن بالامكان اكثر مما كان باعتبار عدم نزاهة العديد ممن احاطوا به.

الزعيم قاد مسيرة الإستقال و حمى مكاسب الإستقلال و همش مسائل مصيرية بعد الإستقلال و انا سأعيد تأليف ما هو مؤلف على ضوء فهمي المتواضع للأحداث.
لا انسى تدوين الزعيم لذكرى آلمته و هو في سن 12 بعد رؤية الاعدام شنقا لأحد المقاومين في ساحة باب الخضراء.
و رغم دراسة الزعيم في فرنسا و تاثره بإيجابياتها لم ينسى هذه الذكرى القادحة التي مدته بنفس نضالي طويل حسب تقديري .

و قد دون الزعيم ما يشبه المذكرات في شكل محاضرات التي تحوي اعترافاته و شهادته و توثيقه لأسماء نضالية بعيدا عن مركزية الأنا كان ذلك على مدى شهر نقاهة بالمنستير في اوت و نشرت فيما بعد عن وزارة الشؤون الثقافية و الاخبار في 27 نوفمبر 1972 وفيها الكثير.

الزعيم دون ما كان فخورا به و هو محطة وضع السلاح و العمل على التفاوض كي لا يترك مخرجا للمستعمر يتحجج به لاستعمال القوة و دون ما كان يخشاه و هو عدم وثوق فلاقة الفراشيش و لانهم لا يعرفوه فقط فلاقة الساحل من كانوا يثقون به تطلب منهم الامر رهانا بمعنى ما لم يصرح به انه لو مرت فرنسا لاستعمال القوة بعد ان وضع كامل الفلاقة السلاح لصار مخلدا كخائن من الفلاقة الذين لا يعرفوه و لصار رأسه مطلبا قبل الاستقلال حتى صرح و قال ان السيد حمادي بو جمعة قال عنه انه نبي مجازا عندما قال في 1940 ان جيوش المحور ستهزم لا محالة في طبعا ليس يوحى له و لكن ذا حدس و إستشراف منطقي متزاوجين و هو نفسه قال لست بنبي و لم يستغل التوصيف حتى مجازيا و لكنه توصيف معتاد في مخيالنا الشعبي و هنا ربحنا معطا ذاتيا لم يسىء إستغلاله في ما بعد .

أول دفاع لي عن الزعيم يتمحور حول اعتبار الزعيم قائد انقلاب وصار يردد بطريقة ببغائية دون تفكير من البعض لسلبه كل مشروعية لمجرد تناقضهم معه ، في حين ان من نظروا لذلك لهم من المستوى العلني الذي يسمح لهم بطرح هذه الفرضية و لكن المضحك من يتبناها كذوق دون القدرة على برهنتها ، الزعيم لم ينقلب على ملكية برلمانية لجعلها دولة جمهورية و لم يكن مطلوب منه تحرير تونس و تسليمها هدية للباي حتى في ظل برلمان وطني.

فقد امضى الباي على امر علي يضع كل السلطة التنفيذية في يده بتاريخ 14 افريل 1956 ليصبح وزيرا اكبر «عين منقذ الامة و قائد الشعب المجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة وزيرا اكبر رئيسا للحكومة ووزيرا للخارجية ووزيرا للدفاع الوطني» و هنا أضىء ان الأمة لا تعني المعنى القومي عربيا بل توحيد كل التونسيين كـ«أمة» -«l'Etat nation» ببعدها الفلسفي لذلك له الحق عندما قال كانت تونس «غبار بشر» «poussiere d'individus» ليس وصما بل تفسيرا لهذا المعنى العميق الذي تطلب منا الكثير لنعيه في كلية القانون في علاقة بدول أوروبا حسب أساتذة القانون بعيدا عن تونس، نعم اعاد الزعيم خلق تونس خلقا جديدا.

و قد نقل الزعيم تدريجيا السلطات و امتيازات العائلة الحسينية تدريجيا للسلطات الجديدة من ذلك الامر بتاريخ 3 اوت 1956 المتعلق بتنظيم السلط العمومية تنظيما مؤقتا و فيه نقل للسلطة الترتيبية من الباي الى الوزير الاكبر والامر العلي بتاريخ 3 ماي 1956 المتعلق بادارة الملك الخاص للدولة المخصص للتاج و القاضي بوضعها تحت تصرف و كيل من بين متصرفي الحكومة التونسية .و الامر العلي بتاريخ 7 افريل 1957 الذي بمقتضاه تم الحاق العسة الخاصة بالباي بالجيش الوطني و لم يعتمد تمشيا مضطربا يجد نفسه بعد اعلان الجمهورية كحدث غير مدروس امام فوضى مؤسساتية و قانونية بل برهن على ايمانه بسياسة المراحل في كل خياراته و لم يعلن ثورة على الباي تخلف الفوضى تلك هي القطيعة في ظل الاستمرار La rupture dans la continuité و المبدا في تواصل الدولة فتونس زمن البايات على علاتهم كانت دولة بمعنى ما .

بل و هناك من رجال القانون من اعتبر ان النظام الجمهوري مبدأ فوق دستوري une valeur supra constitutionnelle كالأستاذ زهير المظفر ربما لأن المجلس القومي النأسيسي تأسس ب»أمر علي» طبعا بإملاء في 1955 ما كان قد يطرح مأزق قانوني لو اعلنت الجمهورية بعد الانتهاء من الدستور في 1959 خاصة ان المؤسسين يجب ان يعرفوا منذ البداية لما هم يأسسون ملكية برلمانية او جمهورية ذات نظام رئاسي و بالتالي إنتحابه رئيسا للجمهورية بعد إعلانها كان قد مده بمشروعية دستورية legitimité constitutionnelle.

و الزعيم كان يحظى بمشروعية شعبية legitimité populaire معها legitimité consensuelle ألم يكن يكفي تراكم اكثر من مشروعسة اذ لم نرى اراء منشقة opinion dissidente تدعم الملكية كما في خيارات اخرى كتعدد الزوجات عارضها من عارضها في مداولات المجلس التأسيسي .
يعني ان لم يكن ما قام به الزعيم مشروعا فهو على الأقل شرعيا اذن لنقيم الامر على الاقل من وجهة نظر قانونية .

قيل ان الزعيم ممثل بارع في حين ان الزعيم كان مطلوب منه الاداء العلني الذي كان يتطلب تمكنا من الخطابة و سياسة اتصالية خاصة ان في أعرق الجامعات كجامعة «هارفارد» يدرس المسرح كمادة لطلاب القانون ليس لإيهام الناس و خداعهم ولكن كتدرسب نفشي على المواجهة و لذلك وجدت فيه فرنسا خير شخص للتفاوض بأقل الأضرار و تدرب بورقيية على المسرح و ربما اتقانه لم يكن ليؤدي دورا امام الناس كأغلب السياسيين في اي زمن فتاريخه يسبقه نعم اراد اشتقلال تونس و أراد بناء الدولة و قال تونس لي و ليس حبا في السلطة بقدر ماهو استنزاف للجهد بان كان يشرف على كل شىء ولولا ذلك لصدقت انه يبحث عن لقب لا غير و لو انه من يضع روحه فوق راحته لتستقل اى بلاد اكبر من ان يطمع في بهرج السلطة و هذه ليست نرجسية بقدر ماهي توحد مع تونس.

الزعيم كان ممثلا يعطي القدوة للشباب قبل ابناء جيله تماما مثلما نرى الشباب يتماهى مع نجم سينمائي يتم فيه وضع كل المثل والصفات لكن الزعيم كان هذا النجم الواقعي، هذا أساسا اختبار اداء ربحناه و «كاريزما الزعيم «حسب تعبير الاستاذة لطيفة الأخضر كانت مكسبا لنا .

هذه الكاريزما سمحت للزعيم ان يكون مربيا لا وصيا متعنتا اولا من خلال التوجيهات فهو من خلال هذه خطاباته عموما كان يكرس بعد تعليمي او تربوي و حللت الأستاذة هندة الزغواني في الكثير من مقالاتها «البعد التعليمي» لخطابات الزعيم la didactologie و كانت كتاباتها تأسيسية في هذا الموضوع و حتى أطروحتها كمبحث تقني في علوم اللغة.
حتى من خلال اداءه الجسماني في محاورته او في تقريعه للوزراء و المشؤولين يتعامل كأب مع ابنائه وليس كرئيس مع مرؤوسيه و حتى في تعامله مع قادة اصغر منه سنا و لكن من حاملي الطباع الحادة كصدام حسين و معمر القذافي و كان يعطي المثل عندما طرد امير أهان نادل لان الزعيم من الشعب .

هذا النرجسي هو الذي لم تتحرك له شعرة عندما كفره ابن الباز او عندما اتهمه الامام الأكبر الطاهر بن عاشور بالكذب كان محاورا بارعا و يرد على كل رسالة برسالة دون الافتراء لغويا على الاشخاص بالاسفاف في القول و حلل رسائله في هذا الموضوع الأستاذ شكري المبخوت في كتابه «تاريخ التكفير في تونس» و هذه اارسائل هي المسألة من الادبيات البورقيبة بالنسبة لي ،قرأت رسائل الزعيم لوالده و تفاجأت من ذكاءه و تحليله و هو ما كان يتطلب خبرة قبل الدراسة المعمقة في زمن يتطلب دراية حينية بالاحداث و هذه العوامل الثلاثة لم تكن موجودة ساعتها و هذه الالية اشتمرت معه بكتابة آراءه لآبنه و هذا نوع من التربية .

و يقال أن الزعيم كان يتدخل في كل السلط و الأجهزة و سأقارن هنا بمثال فبعد الثورة و اثناء احداث 9 افريل 2012 و بعد فضيحة الاعتداء الامني على متظاهرين سلميين بحجة منع التظاهر في شارع معين تقصد الامن تتبع المتظاهرين فيه حتى للأمكنة المسموح فيها بالتظاهر حيث كان مخصصا لآستقبال معتصمين قادمين سيرا على الاقدام و منهكين و حصل دفع نحو الفوضى رأينا بحجة الديمقراطية تشكيل لجنة تحقيق برلمانية و خيروا التحقيق و اعطاء تقرير يحوي النتائج ثم بعد سنة سمعنا ان اللجنة حلت نفسها انا شخصيا شعرت اني يجب ان احمي نفسي بنفسي و لا اتبع مبدا الصدفة في الأمان.

و في ما يخص المقاربة الامنية كانت تفرض على الامني املاءات و تعليمات كقاعدة و لا يطبق القانون الا كاستثناء و في حادثة 9 افريل ٢٠١٢ مثلا رأينا المشهد عكسي من نكد الدهر اي الأمنيين يتعاملون بنفس العنف كقاعدة من كثرة التعود على ذلك زمن المخلوع رغم غياب التعليمات بذلك بما ان وزير الداخلية يومها كان في موكب بالسيجومي و لاحقا كما تقتضي في أعرق الديمقراطيات تتكون لجنة برلمانية للتحقيق من باب «ديمقراطية رد الفعل « لا غير و بعد سنة نسمع انها حلت نفسها بنفسها بلا نتيجة و لا رد إعتبار يعني في زمن بورقيبة اقله في غياب نظام ديمقراطي كان سيتخذ اجراءات لا تصلح ما حصل و لكن ربما تمنع تكرار ما حصل اما سياسة الا عقاب هذه فلم ارى نظيرتها في اي دولة ديمقراطية و تونس على الأقل حديثة عهد بالزخم الثوري.

الزعيم «النرجسي» او المسكون بغريزة نرجسية غير مظبوطة un instinct narcissique démesuré حسب تعبير الأستاذ عياض بن عاشور و لو انه في معنى ما محمود لذا انا أقول هي un instinct narcissique mesuré او نزعة نرجسية مضبوطة فهو أول من انتزع قرار يدين إسرائيل و «خلفه عار العرب» كما يقول امل دنقل و ثأر العرب كما كنت ارى فالزعيم «نارسيس» هو الذي واجه رئيس امريكا في مرآة عاكسة و لو ان انتزاع القرار كانت فيه ظرفية خدمت بورقيبة و هي علاقته الوطيدة بامريكا عندما قام باحراج ريقن وجره لمكاشفة جعلته يصرف النظر عن الفيتو في التصويت لقرار الادانة ، فكان الاختيار بين صديق متحضر و هو بورقيبة و صديق همجي و هو اسرائيل و لو

لمرةوهو ريقن من كان يعتبر نفسه «شرطي العالم الحر». و قد قلت صديق و هو بورقيبة و ليس تونس اذ لم يكن ليفضل اي دولة اخرى او اي حاكم اخر لتونس بمواجهة اسرائيل وذلك لثقل رصيد الزعيم الرمزي ليسمو على اسرائيل وليس حتى رئيس وزرائها رغم ان الادانة تبقى منقوصة بعدم دفع اسرائيل للتعويضات و ما فعله ريقن اقصى ما استطاع مع كيان همجي.

الزعيم «نارسيس» هو الذي قام بما لم يقم به اي رئيس على مستوى العالم العربي و جهز مقبرة هي روضة لتخليده قبل ان يبني لنفسه صرحا كقصر او ما شابه كان يعرف ان بعده ستأتي أجيال تحاسبه و ان نجح تخلده أرادهم ان يكونوا امتدادا لمذهبه هم أضعاف أضعاف الأجيال التي عاصرته، سعى للخلود و برهن على سلامته النفسية بأن ترجم انه على يقين بأن الفناء حتمية و عليه ان يحمي الذاكرة و ذلك هو الانتصار على الموت مثلما انتصرت سافيتري على اله الموت ياما في الميثولوجيا الهندية (كي لا أقول في الملحمة الإلهية في الديانة الهندوسية تبعا لكتاب المهاباراتا المقدس الأول في الهند) وحققت الخلود بنسلها بعد ان قايضته بإحدى النعم تخلد الزعيم بجيل رباه على المبادىء.
تبقى عقدة او صدمة إعدام مقاوم حلقة إيجابية في تركيبته النفسية و موجه سهمي او vecteur تمنع إنحرافه عن الحق في أكثر الأحيان او الغلو النرجسي .

و في الرد عن من اعتبر ان الزعيم اقصى خصومه او رفاقه قرات رسالته لصالح بين يوسف و كانت من اروع من يكتب خصم لخصمه فن أدبي ان كان الزعيم يعتبر بن يوسف خصمه ساعتها ، تجعل بن يوسف يتشرف بمستوى الخطاب من زاره بورقيبة في ألمانيا و لقي الإهانة علنيا و لم يمر للقوة الا بتعنت بن يوسف بشهادة المحايدين، المقاوم بن يوسف من جهز للأسف «جيش تحرير تونس» لغزو العاصمة و تحريرها من الزعيم عندما و آستنزف نفسه عندما كان بورقيبة في أمس الحاجة لللإلتفاف و الدعم إذا ما الذي كان مطلوبا من الزعيم الحبيب.

و في الرد عن مسألة «خرف « الزعيم ما كان محض افتراء ،الزعيم كان متداعيا صحيا لا عقليا و الطبيب عمر الشاذلي أرخ عن حالة الزعيم الصحية و المرض الرئوي الذي كان مرافقا له منذ سنوات النضال وأكد على سلامته العقلية و الاكتئاب يمر به اي زعيم ناجح كتشرشيل وكينيدي و ذلك لا يفضي بنتيجة حتمية للاختلال العقلي.
الدليل انه في 1989 عندما استضافه بن علي في قرطاج لتلميع صورته ، تحدث بطريقة وضعت بن علي في الزاوية وبين له حجمه الصغير دون ادنى مجهود عندما قال له سعيد بوجودي في ضيافة الرئيس الثاني فأنا طبعا الأول و نبرة الصوت و تقسيم النفس بين الكلمات كانت نوعا من الإيماء و دليل على فطنة الزعيم حتى عندما زاره بن علي في دار الوالي في المنستير كان فطنا موجها سهامه الناعمة كالعادة.

الزعيم الذي حاوره الصحفي جان دانيال بعد الانقلاب و شبه شعوره بوصف دقيق بشعور من يتم تعذيبهم في احد شوارع فرنسا بربطهم و شدهم من فوق لأعلى لا هو شنق ينهي المعاناة و لا هو قيد يريح الانسان، أليس درسا في الصبر للسامعين.
الزعيم رجل القانون الذي لجأ بعد الانقلاب بكل تواضع للقانون و لوكيل الجمهورية ليطلب حقا دستوريا يكفل حرية الجولان كما كان مكرسا في فصل في دستور 1959 اليس درسا في التواضع و القانون حتى في الأسر.

وفي احد البرامج في القناة الوطنية ، رأيت تقريرا يبث في كل ذكرى وطنية إستقلال او عيد الشهداء او ذكرى وفاة الزعيم ... كانما منابع الانتاج قد جفت واكيد سيبث ايضا هذه السنة و هو لا يتجاوز الساعة يتم فيه التحدث عن فترة الاضطراب الاجتماعي في تونس عندما كان الزعيم يتنقل بين مصحات نفسية في المانيا و امريكا، و هذا لا يجعل الشخص موصوم الا بعد قراءة نتيجة التقارير ولو كان مضطربا رغم تلقيه للعلاج لرأينا ابادات جماعية في تونس، وتصريحات و خطابات مهتزة و مشوشة و هو الذي لا يتقيد بنص وطبيعي ان يمر اي مسؤل سامي بفترة ازمة ان كان ذا ضمير و يغير خياراته صباحا مساءا خوفا على مستقبل تونس و أغلب من حوله يبحثون لمكان لهم في السلطة فتراه يتم استقطابه كل مرة نحو اتجاه و مده بمعلومات مغلوطة .

و الزعيم مختص في رأب الصدوع النفسية و هو الذي قال «تعلموا اللغة الفرنسية انها غنيمة حرب» ما يجعل اعتى الكارهين لفرنسا يتعلموها و الرئيس ليس الا موظفا ساميا في الدولة، اذن الحمد للله انه يؤمن بالطب النفسي ليبقى متوازنا و يقود السفينة بأقل الأضرار.
وكان على من سيخلفه ان يتولى تسيير الامور حتى وفاة الزعيم بمجرد ان يأخذ تفويضا بالامضاء ويجري تعديلا دستوريا يستحدث منصب نائب الرئيس الذي يوضع دسوريا لحالات العجز الدائم والمؤقت قبل حتى الموت و بذلك يبقى ينعم بوجوده في قرطاج حتى وفاته ، كان يستطيع ان يبقيه زعيما مرشدا للجمهورية متى تسنى له ان كانت الوضعيات التي ذكرتها تثبت فطنته حتى بعد الانقلاب وتمتعه بـ«ذاكرة فيل» لا أستغربها.

و الزعيم كانت له أخطاء أولها انه لم يضع منصة للمناضلين من خلالها يساهموا في تسيير الدولة و في ابداء الرأي لم تنته مهمتهم بالنسبة لي باستقلال تونس ، على الأقل كانت في الجزائر وزارة اسمها وزارة المجاهدين و ان كان دورها اجتماعي و لكن معنويا لها قيمة رمزية و هو ما قادنا لمحاولة الانقلاب في 1962 وخسرنا لزهر الشرايطي و لو ان مخططهم كان راميا لسجن الزعيم و ليس تغيير ادارة ادارة الدولة فقط و لا أظن انه كان منطقيا السماح بهكذا مخرج للزعيم في حين انه لم يكن مسكونا بهاجس امني و كان يتخاطب مع كل الطبقات ، و هذا أرخته شهادات لا تحصى ، لأنه لم يكن له دافع للخوف و هو بين اهله و ابناءه و هذا من مرادفات التواضع ولو لم يستنزف المجاهدين انفسهم و الدولة يافعة لكانوا هم من انقذوا تونس من براثن بن علي لحظة الانقلاب ، كان على المناضلين و بورقيبة ان يتناوبوا على حراسة تونس و انتظرنا أحفادهم لينقذوا تونس ويصنعوا ثورة جديدة دعمتها النخب و عامة الشعب و نجحت .

و الخطأ الثاني انه لم يضع منصة يستمع من خلالها للشباب المعارض عموما كاليساريين و ان كان مشروعهم يتماهى معه ولابناءه الاسلاميين و لم يكن بورقيبة يوما استأصاليا و لا فاشيا و لكن الصد يولد التعصب في حين كان بامكانه محاورتهم و الوصول الى نتائج ايجابية و الا لما حصل التصادم بين فئات الشعب ثم مع بن علي وعاشوا المحرقة و صار اغلبهم يريد الثأر لما عاشه على حساب حرياتنا بدل المراجعات و أستشهد هنا بتجربة كنت أراها ناجحة وهي تجربة السادات هذا الهرم الرابع في التعامل مع الشباب المعارض رأيته يحاور في جامعة القاهرة نواب اتحاد الطلبة في شقه الاسلامي عبد المنعم ابو الفتوح من ترشح بعد الثورة المصرية للرئاسة في 2012 وحميدين صباحي الناصري من ترشح في وجه السيسي في 2014 والاثنين جديرين بالاحترام و كان الطلبه مندفعين و حادين سنة 1976 و السادات مؤيد بنصر أكتوبر يعني لم يكن في انتظار تلميع صورة على حساب احد و كان السادات يقول عن الاسلاميين الذين لازالوا لم يتورطوا في العنف و القتل في البرلمان «اولادي الصغيرين المغرر بيهم» ويكرر لا تدفعوني لعقابكم للأسف الزعيم كمحاور بارع أضاع فرصة مماثلة هي فرصة له و تمكين لأبناء دولته بمختلف ألوانهم.

قرأت تدوينة للأستاذ سمير العبيدي الذي لا أعرفه يتحدث عن «جيل ذهبي» حسب تعبيري أنا و هو جيل الثمانينات من كل الألوان و أعجبني توحد التيارات زمن الأزمة و بالنسبة لي لم لكن لم يكن بورقيبة المسؤول الفعلي عن الضحايا بل مدير الامن الوطني و ووزير الداخلية هم من كانت مقاربتهم الامنية اجرامية لم يكن الزعيم يوما ذا تفكير اجرامي بل كانت فلسفته العقابية فلسفة أبوية ترفض فقط «قتل الأب» و اذكر هنا شهادة رجل دولة علي بن نور الذي قال ان بورقيبة عاقبه على خطا و عزله من منصب و قام بسجنه ثم اعاده لمنصب آخر و كان بعد العقوبة يطلب منهم العودة لحياتهم و لسير اعمالهم العادي كذلك المناضل علي بن سالم الذي ذكر انه اخطا في حق الزعيم و قال ان الزعيم كان بعد السجن يحضهم على مواصلة الحياة و العمل و ان كان الزعيم قد تسرع في سجن الكثيرين و أهمل أحوالهم في السجن.

هذا مخاض الثمانينات كان يستطيع ان يستثمره الزعيم او اي رئيس سياسي او تكنوقراطي يجمع و لا يفرق بعيدا عن سياسة الانظباط الحزبي و مع رفضي لنظرية الحزب الدولة le Parti-Etat للأسف جاء بن علي و سرق أحلام الجميع، طبيعي ان يتولى شخص قيادة السفينة حتى و ان كان مناوبة بل ولو كنت في زمنه لشجعت على بديل قبل ان يفترس الضباع الجمهورية و لكن ليس شخص بالمستوى الهابط لبن علي بعد ان وضعه في شبه اقامة جبرية .

والخطأ الموالي للزعيم هو وضع الدولة على ذمة شخص واحد خانه و خان الوطن و ما المقاربة الامنية الاجرامية في احداث الخبز في 1984 حسب رايي الا وليدة فكر بن علي كمدير امن اصبح بعدها وزيرا للداخلية و قبل ذلك أرخ النقابي الطيب البكوش ووزير زمن الزعيم و كذلك الصحفي مصطفى عطية لتهور إتحاد الشغل والمرور للتصادم مع الحزب و هذه الشهادات دورها درء الإفتراء على الزعيم و ليس تمجيده و لكن لا يقال بن علي قتل المتظاهرين بل يقال بورقيبة قتل المتظاهرين و منطقي لدى عامة الشعب والدولة تحمل اسمه ما مهد لبن علي بانقلاب الشعب على الزعيم قبل ان ينقلب هو .

الزعيم هو اب الجمهورية و كان من المفروض ان تكون كل مؤسسات الدولة الرسمية و المدنية تحمل صورته بجانب صورة الرئيس الحاكم التي تتغير مع كل دورة كنوع من الاعتراف لا خير في امة تتنكر لزعماءها حتى و ان اختلفت معهم في بعض خياراتهم ان كان رئيس حزب التحرير الداعي الخلافة و رئيس حركة النهضة ذات التوجه الاسلامي لم يجدا فيه عيبا صارخا يخرجه من سياق التاريخ رغم اختلافهم الجوهري معه و سمعنا ان صورة الزعيم غابت عن معرض صور الزعماء مؤسسي الاتحاد الافريقي في قمة الاتحاد الافريقي بأثيوبيا في ٢٠١٤ عندما كان البروتوكول يفرض وجود صورهم و بانتشار المعلومة حصل تقاذف التهم بين سفير تونس في اديس ابابا و وزير خارجية تونس كل يلقي التهمة على الآخر و كالعادة دون نتائج حاسمة يفضي عنها البحث.

لا أستغرب التنكر لقائمة شهداء الثورة إن كان شهداء تونس لتستقل لازالوا مجهولين حاول الزعيم تكريمهم في الأول بمنح او عطايا و أغفل ان يجمع قوائمهم الإسمية وتكريس مؤسسة تعنى بهم وطبعا فترة بن علي كانوا غائبين و بعد الثورة ظننت انها ستأتي بمراجعات و رد إعتبار لمظلومي الإستقلال قبل تسميتهم بشهداء فوجدنا تهميش لشهداء الثورة على كل المستويات اما جرحاها فقط منوا عليهم ببطاقة علاج مجاني عليها «صاحب إعاقة» لقتلهم أكثر.

الزعيم اعطى لتونس كل حياته و حصل له ما حصل لتمثال الأمير السعيد في رواية اوسكار وايلد عندما حكى لطائر السنونو ألمه مما راى من مآسي الناس و معاناتهم فطلب التمثال من الطائر ان يأخذ قطعة من الجواهر التي تزينه كل مرة لشخص محتاج حتى نفذت كل جواهره وأخيرا طلب ان يأخذ الزمردتين اللتين تزينا عينيه وفي النهاية صار التمثال مجرد قطعة حديد لا تساوي شيئا و جاءت السلطات المحلية ممثلة في اعوان البلدية و اخذوا التمثال لإعادة الصهر كأنما يقولوا له لسنا بحاجتك ، الجميع نسي الزعيم عدا قلة منها جورج عدة رفيق نظاله و ان كان في شق سياسي و بقي هذا السنونو وحيدا بلا رفيق.

إنتهى الزعيم معزولا لا منعزلا بنفسه في مأوى الوالي و هو من أسس لوجود المآوى عندما تراجعت دولة الإسلام عن دورها الخيري منذ عهد البايات من ملاجئ أيتام منحهم أسمه و منع عنهم الوصم و مآوي المسنين و في الأخير الرئيس بعد الإنقلاب يقيم في مأوى كأقصى ما يمكن ليكون طبيعي ان من دونه في الشارع أحيانا لأنهم من بدايتهم بلا سقف و أحيانا لأنهم أجبروا غدرا على مغادرته ن و اليوم آباءنا أبناء الزعيم و أمهاتنا مشردات في الشوارع، شوارع دولة الزعيم دولة الإستقلال و هي الدولة التي بناها الزعيم على أسس الأخلاق، إلى متى آباءنا بهذا الوضع و الذل كيف تورث القيم للأطفال ان ادركوا انهم بعد كبرهم سيجدون انفسهم أمام هكذا صور ممنوعة على من دون سن 18 على مرأى من الأطفال في الشارع عند مرورهم من سيصبحون أنانيين دون ادنى إعتبار للقيم لاهثين وراء المال بدوس كل القيم من أجله كي لا يجىء يوم يجدون فيه انفسهم بذلك الوضع.

لسنا بشر ان لم نسخر -réquisitionner كما في حالة الحرب الجوامع لإيوائهم و نحن كمجتمع نتكفل بالباقي بما ان المأسسة لذلك تتطلب وقت و دور الشباب متداعية بقيت الجوامع في أحسن وضع عندما نجدها مفتوحة للصلاة من طرف أشخاص أغلبهم في قطيعة مع الدين يعني نوفر أماكن للمختلين لممارسة بدع لا تعاليم ان كانت فارغة من محتواها بترديد دون تعقل كالحركات السرية في الهرطقة وأحيانا نفاقا بإدراك تام بوضعية وسواس قهري ديني اكثر منه تعفف و إنظباط ديني وآباءنا في الشارع للموت , مكان من يرتادون الجوامع للصلاة على هذه الشاكلة مستشفى اامجانين رحمة بهم و ان كانوا يستحقون العقاب ومكان آباءنا في الجوامع التي بنيت من أجلهم ، هم ظل الله الذي له يسبحون من يرتادون الجوامع ثابت في أدبياتنا كلمة «رب الأسرة».

و اليوم كل من يريد ان يخدم نفسه او ينقذ نفسه يستنجد بإرث الزعيم اساسا لو وجد بن علي الفرصة لبعض الوقت قبل خلعه لآستنجد بإرث الزعيم لأنه المحامي الأول عن جدارة.
ما حصل في هذه العشرية لا يقلب الحقيقة و لازلت معتزة بالثورة رغم ان ما حصل فيها كان فيه انحرافات و كما قال الابنودي و عبر اجمل تعبير في الأسابيع الاولى للثورة المصرية عن المشكلة معتزا و متمسكا بالثورة حتى وفاته :

«الحزن طايح في قلوبنا بجد
ما فضلش غير الشوك في شجر الورد
غلط الربيع و دخل في أغبى كمين»

ما عشناه لم يكن ربيع عربي و لم يكن ربيع عبري كان منزلة بين المنزلتين وذلك لان الثوار وجدوا نصيبا من الصد و التآمر و ما كان امامهم من سبيل للحفاظ على الثورة ؟ حتى و ان لم تكن كل خياراتهم صائبة كالدعوة لمجلس تأسيسي كقرار متسرع .

ان كان عيب الزعيم الوحيد حسب البعض انه لم يرسي الديمقراطية و لو انه حضر لها كل الترتيبات الازمة فأنا أعترف ان الزعيم كان يلتف على القانون أحيانا لصالح القانون كي لا نصبح كما قال الخال الأبنودي ذات مرة «و أحنا أسرى علبة السردين» فها نحن بعد إنحراف مسار رحلة الإستقلال زمن بن علي نعيش تحت حكم برلمان ديمقراطي أشبه بحظيرة و لا يعني هذا ادانة الديمقراطية و لكن هذا لكي لا نبالغ في نقد التجارب و تحميل الاشخاص ما لا يحتملون .

و ها قد مرت اكثر من مائة سنة على ميلاد الزعيم و لم تأتي تونس برجل مثله ما تحمله الزعيم لا تتحمله جبال ان كان التأريخ لنظال الزعيم حتى توليه الرئاسة عمل شاق ما بالك من عاشه و هذه تجربة شاهدة experience témoin بلغة العلوم التجريبية ردا على المشككين رغم ان الزعيم يبقى انسان يحق لأي شخص ان يقوم بمراجعة تاريخه والحمد لله لنا «معهد تاريخ الحركة الوطنية» و لو عاش كنت تمنيت لو سمعت نقده الذاتي لتجربته في الحكم، رغم انه هناك الكثير ممن كانوا على خطاه بعده ظلمتهم الظروف التي لو استسلم لها الزعيم في زمنه و لم يتصادم مع غيره لما كنا نعيش في دولة محترمة تواصلت تحت حكم بن علي و بعد خلعه وكما قلت انا أقدم قراءتي او إعادة تأليفي لما هو مؤلف بقراءة فيها الذاتي والموضوعي لان باقي القراءات ايضا فيها الذاتي والموضوعي لأني لا أترافع إلا صوريا عن الزعيم بل كما قال الخال الأبنودي «سجانك الي في حاجة للمحامين» .

تونس اليوم في حالة حرب و ليس حال طوارئ بتفاصيلها البسيطة في القانون كتوصيف صائب دون تأسيس شامل لذلك علينا المرور لتوصيف حالة حرب لأن في صنفها نجد بضعة مما نراه اليوم و لا أقصد المعنى الأدبي اي محاربة الفقر و المرض بل ذلك يتطلب حيز زمني بل عندما تموت قاضية على باب مصحة بما ان المستشفيات العمومية من حيث المعاملة على الأقل لا ترقى للتعامل مع حيوان أليف أحيانا و كبارنا في الشارع عل مرأى من رواد الجوامع وجب ان تقوم الدولة بالإقتحام و هي من تحتكر مشروعية إعتماده اي بمرادفه القانوني «التسخير « la requisition اي تحويل المؤسسات إلى أداة تنفيذ ببساطة un simple outil d'execution حسب صرخة أستاذ القانون إيهاب بن رجب بعد ان توفيت قاضية على باب مصحة.

هذه هي دواعي الحرب الأهلية ليست الدواعي السياسية بل الدواعي الإجتماعية عندما تقتحم الناس المؤسسات نيابة عن الدولة بل والممكتلكات الخاصة.
لذا أطمح لـ9 افريل 2021 حقيقي هذا الشهر يعيد الكرامة للزعيم والمواطن وليس «يوما مهمشا».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115