العلة في وعي ليبي تراكم سنوات و سنوات قبل الثورة الليبية غلب العنف مع احتقان أفضى إلى انفجار أكثر منه ثورة.
نزعات قبلية فيها ما هو محمود و لكن في تهورها وجدنا أنفسنا أيام الثورة الليبية كل يتمسك برأيه و لا يثق في الآخر و يرتكب أخطاء فادحة عن حسن نية أحيانا.
جنى القذافي على نفسه بهذه النعرة و على ليبيا بغباء سياسي أحيانا عندما كان يحتكم لأفكاره و يلغي آراء غيره و أصاب مرة واحدة عندما ترك القانون جانبا لصالحنا و عرض على الزعيم بورقيبة تسوية ملف الجرف القاري سياسيا و أصر بورقيبة على الذهاب الى محكمة العدل الدولية و خسرنا القضية و معها نصيبا من الثروة كان يفيدنا و يفيد ليبيا من وراءنا فتحن آمتداد إستراتيجي لها.
زمن الثورة الليبية عندما كان الجنرال «عبد الفتاح يونس» يبحث عن حل و كان شخصية تاريخية شارك في إلغاء الملكية و كان شخصية توافقية أجمع عليها الثوار وخبرة عسكرية كانت تتطلبها ليبيا لأنها عاشت ثورة في قالب حرب.
بعد اشتعال فتيل الثورة الليبية في بنغازي عاصمة الشرق الليبي أراد «القذّافي» أن يرسل «يونس» لمكافحة الثورة وإخمادها، لكن يونس أعلن انضمامه للثوّار و كان عالما بقوات القذافي و بأماكن تمركزها و لم يكن هدفه يوما افتعال فتنة قبلية بقتل القذافي على حساب النتيجة و كان وجوده حسب رأيي من كرامات الثورة.
و عندما ذهب عبد الفتاح يونس لمعمر القذافي ليتفاوض معه و من كرامات الثورة انه ذهب للقذافي و خرج سالما في طريق العودة تم قذفه بصاروخ و آحترق هو و مركبته و أعلن الجناح الثوري عن تصفيته لأنه «خائن « ما صار يتردد بطريقة ببغائية ليأتي بعد ذلك بزمن قصير يقول فيه ذلك الجناح أنه أخطأ لغياب العلم بأن فصيل من الثوار أرسله ليتفاوض مع القذافي حقنا للدماء و عندما بلغهم الخبر ظنوا انه ذهب ليقابله ليسلم سرهم للقذافي بعيدا عن باقي السيناريوهات الأخرى التي تم ترويجها ساعة الحادثة.
هذه هي النعرة القبلية التي حتى عن حسن نية قتلت من كان سينقذ ليبيا و هاهم يدفعون ثمن دمائه و الضباع تفترسهم اليوم معتبرين ليبيا «صفقة عمومية».
ان أمريكا بشهادة عملائها في كتب مذكراتهم عندما كانت تريد اخضاع دولة توجهاتها تضر بها او عندما ترفض ان تتقاسم معها الثراوات تعتمد ثلاث سياسات السياسة الأولى سياسة الارتشاء للرؤساء الفاسدين والثانية سياسة الضباع و هي اغتيال الرؤساء و عندما يكون هذان الحلان عصيين تعتمد سياسة الحرب وتحصل على «الغنائم».
من ذلك شهادة عميل المخابرات الامريكية السابق John Perkins في كتابه القاتل الاقتصادي.
ورأينا الضباع ممثلين على أعلى مستوى في القيادات الغربية وهي تتخاصم على الفريسة ، فرنسا دخلت في سجال مع أمريكا على ليبيا منذ عملية «فجر الأوديسا» عندما أعلنت ان أمريكا لم تعلم الناتو بساعة الصفر لبدء العملية.
وكان مجلس الأمن قد أصدر القرار رقم 1973 في 17 مارس 2011، وهو القاضي بفرض حظر الطيران، و»استخدام كل الوسائل الضرورية لحماية المدنيين في ليبيا و أجابهم البطل عبد الفتاح يونس و قال لهم «لقد وجد الأبرياء أنفسهم محتجزين « و تلك هي نظرية «الأضرار الجانبية للحرب» les dommages collateraux التي روجتها أمريكا للحرب على العراق عندما نظر الغبي جورج بوش «للحرب النظيفة» إذا لو تركها حرب بعلاتها كيف كانت لتكون.
بدأت الولايات المتحدة ليلا الهجمة الرئيسية الأولى وذلك بإطلاق أكثر من 100 صاروخ توماهوك على أنظمة الدفاع التابعة للقذافي.
وأعلن البنتاغون بأن تفكيك قدرة ليبيا المعرقلة لتنفيذ قرار الأمم المتحدة لحظر الطيران في المنطقة ليست سوى المرحلة الأولى من مراحل متعددة في العملية.
وفي 27 أكتوبر 2011، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2016 بإنهاء منطقة الحظر الجوي بحلول الساعة 23:59 من يوم 31 أكتوبر 2011 بتوقيت ليبيا و كان القرار يُنهي التفويض الصادر عن مجلس الأمن الخاص بفرض منطقة حظر جوي في ليبيا.
إذن مجلس الأمن يعط للبنتاغون تفويضا قانونيا دون سقف زمني بأن أقر لاحقا أنتهاء عمليات الحضر الجوي بما انه في قراره الأول في مارس لم يعط حيزا زمنيا هل كان تفويضا لا مشروط من حيث الزمن هل هذا عادي لو أعطى تفويضا بسنة قابلة للمراجهة كان أرحم من ترك المجال مفتوحا للصدفة انتهى بعد ثمانية أشهر على ما يبدو بما ان القرار صدر بعد وفاة القذافي بأسبوع, اذ كان يمكن ان يستمر أكثر بكثير طالما بقي على قيد الحياة حتى فناء الجميع .
هذه الإمبراطورية الجديدة اي أمريكا ألم توجه إنذار لمصر ultimatum عندما ثأرا لقتل الأقباط دفع السيسي بالقوات المسلحة نحو الحدود وذهب بعض طياريها لضرب أهداف في درنة و قالت له «تراجع نحو ترابك».
ألم تأمر الجنرال خليفة حفتر بـultimatum عندما أرسل الدبابات لتطوق منطقة الهلال النفطي حماية للآبار التي صار التخريب يطالها بالإنسحاب خارج المنطقة. رغم أني لا أدعم هذين الرجلين في قرارات أخرى.
واليوم كان على الفرقاء الليبين بعد أن توحدوا قليلا ممثلين في المجلس الرئاسي الحالي إذا أدرادو النجاح ان يوجهوا ultimatum لأمريكا ممثلة في حاكمها الجديد بايدن بأن لا يتدخل في الشأن الليبي و تعطيه نصيبه من الثروة في ليبيا لا كحارس مثلما كان الحال مع ترامب الحارس الشخصي للسعودية بل كي لا يسعى كمرتزق للحصول على منافع من هذا البلد النفطي .
و قالها أستاذي سليم اللغماني في مقال رائع عنونه «من القانون الدولي إلى القانون الامبراطوري» سنة 2003 رغم أنه من نظر لآعتماد قرارات الأمم المتحدة كمصدر ثانوي للقانون الدولي العام ان « أمريكا تعمل بالقانون الدولي الامبراطوري حتى بدون صيغة تقليدية تفرض وجود احتلال مباشر على الارض بل بصيغة معاصرة وقال «النظام العالمي الذي تحاول أمريكا وضعه هو نظام امبراطوري بالنعنى التقليدي للكلمة».
ملخص سياسات الحروب الهادفة لامتصاص الثروات في بعدها الآخر هي إسقاط للرأسمالية والاقتصاد الليبرالي في أفضع صورها على الدول النفطية و غير النفطية أي بعد تدمير بلد تتهافت الدول على إعادة الإعمار لأن المسألة تحول الدول الى شركات تتنافس على صفقة عمومية Marché Public هي الدولة المدمرة و بمعنى بسيط جدا كما لخصته أستاذة و سفيرة مصرية متميزة في أبسط صيغة يفهمها كل راشد و لها تاريخ في علم الإقتصاد السياسي و حاضرت في كلية هارفارد إذ قالت في علاقة باليبرالية المتوحشة «إذا آضطرها الأمر تحفر حفرة و تعيد ردمها» لإنفاذ وسائل الإنتاج، لهذا اقول ما قاله فاروق جويدة «الله أكبر من جبابرة الحروب على الشعوب وكل تجار الدم».
وحول موضوع إعادة الإعمار في ليبيا، أكّد سفير الاتحاد الأوروبي في تونس حاليا و في تصريح إيجابي لصالحنا لكن بآستقراء يدلل على ما شرحته «أنه إذا لم تستغل تونس الفرصة وتنشط موانئها باتجاه طرابلس سيأتي غيرها ليفتك منها الفرص والمشاريع». لأن كما قلت سابقا السباق محموم.
الحروب كانت دائما تقودها الدول الأوروبية و خاصة أمريكا للحصول على الثروات و قالها مرة الإنجيلي «ماكاين» ولا أظن «بايدن» بعيدا عنه في التفكير «شاء الله ان نكون هنا وثرواتنا هناك» قاصدا الشرق الأوسط، فأغلبهم سليلو السبي الذي اضطهد اليهود على مر الممالك في الشرق و أفضى إلى شتاتهم في الأرض و هي مأساة بحق و يتوسلون هذه الذريعة لإسترجاع كامل الثروة.
وبمعنى آخر يريدون كل الثروات حتى وان لم يكونوا أصحاب حق فيها فما بالك والفكرة تخدمهم.
و ذلك تمهيد لأن تعلن هذه الإيديولوجية عن نفسها نواتها إسرائيل كمملكة هي آمبراطورية عالمية وأتباعها كل من يتبنى الفكرة و وولاؤهم لها وإن لم يحملوا جنسيتها أكثر من ولائهم للدولة التي يحملون مواطنتها و كل من خالفهم عبيد هذه المملكة حتى بمعنى معاصر وهو الإخضاع.
في ليبيا أيضا الفكر الإنجيلي الصهيوني يبحث عن موقع لأنه كما قلت المسألة أصبحت مسألة مملكة و ليس دولة و (ولو أنها هرطقة إنجيلية و الإنجيل بريء منها).
عندما جعلت أمريكا العراق يرفع السعف تهليلا بالحرب من كثرة المآسي و ليس السلم تماما كما قال الشاعر تميم البرغوثي «يضمدون نخيل الله في زمن ... للحرب لا للسلم فيه يرفع السعف» بعد ان كان يرفع السعف تهليلا بالأنبياء صار يرفع تهليلا بقتلة الأنبياء و لكن تهليلا من الألم و هذا ثابت في التراث الموسيقي للبلدان العربية.
رغم أني أرى أن الدول الغنية بالثروات عدا وجوب ان تقوم بتوزيع عادل لثرواتها على أبناء شعبها حسب العدالة الأرسطية نسبة لأرسطو la justice commutative et la justice egalitaire وأيضا عليها ان ترصد نصيبا للدول المعدومة الثروة التي تستحق المساعدة او معدومة الثروة و تستحق الدعم لتواصل في التميز الذي نستفيد منه علميا نحن العرب كالدول الغربية حتى ان خالفنا توجهاتها.
كان أحد خلفاء المسلمين يقول «آنثروا القمح فوق الجبال كي لا يقال جاع طير في بلاد العرب «و اليوم أطفال العرب ينبشون القمامة للبحث عن لقمة في سوريا و يعملون حفاري قبور ليحصلوا على أجرة في اليمن و في ليبيا الأطفال تحمل السلاح ظنا منهم أنهم يحافظون على ثرواتها كي لا تلقى مصير أطفال سوريا و اليمن. و في أحسن الأحوال نجد الصيغة التي عبر عنها أفضل تعبير الشاعر أحمد مطر الآتية «يأخذون رغيفك ثم يمنحوك منه قطعة و يطلبون ان تشركهم فيال وقاحتهم» .
و في ما يخص النفاق الدولي أذكر عندما سخرت عائشة القذافي من سؤال مماثل عن مصيرها في حوار لها بعد ضربة باب العزيزية عندما صار يلوح بالعقوبات على الجميع حيث قالت إن الأمم المتحدة في الماضي «توددت» لها بأن تكون مبعوثة سلام، وها هي تريد تحويلها الآن إلى المحكمة الجنائية الدولية. وحتى عندما حولت أخاها سيف الإسلام الى المحكمة الجنائية تعاملت قانونيا مع المحكمة و لم تصدر بلاغات نضالية او تشهيرية ما يدل على انها سوية و عند اطلالها بعد قصف العزيزية كانت بعيدة عن عنجهية ابيها واخيها على نقائصها بقيت كما كانت عندما إختبرتها الذائقة épreuve و ليس الضائقة détresse .
و قالت سابقا «يتعين على العالم أن يجتمع على مائدة مستديرة تحت رعاية المنظمات الدولية» وليست الدول هي التي توظف المنظمات الدولية كما هو سائر فكان على المنظمات ان ترعى قرارات الدول لتكون بأقل الأضرار لا ان تكون المنظمات كانسة قاذورات الدول العظمى.
وفي علاقة بشقيقها سيف الاسلام المتهم بارتكاب جرائم ضد الانسانية بعد سقوط نظام القذافي قال نيك كوفمان محامي عائشة القذافي في وثيقة نقلت الى المحكمة الجنائية الدولية التي نشرتها لاحقا ان «عائشة القذافي ترغب في تقديم معلومات مادية تعتقد انها ستساعد غرفة البداية على تحديد المسيرة المناسبة التي يفترض سلوكها». و ان «هذه المعلومات (...) ستساعد غرفة البداية على تحديد ما إذا كانت السلطات الليبية ترغب فعلا في تقديم تمثيل قانوني فعال لسيف الاسلام او منحه محاكمة عادلة». وبالتالي فقد طلبت عائشة القذافي من المحكمة الجنائية الدولية الاذن «استثنائيا»، بنقل هذه المعلومات الى المحكمة بصفتها «صديقة المحكمة» وفقا للوثيقة.
وهنا نموذجان يبدوان متضادين كعبد الفتاح يونس و عائشة القذافي كان يمكن ان ينهضا بليبيا الاول ثوري وتاريخي و الثانية تمثل القطيعة في ظل الاستمرار و بعيدين عن النعرات.
الشعب الليبي هو شعب من البدو اضطرته الظروف أن يخالف فطرته أن يخضع و يصبح عبدا أو أن يجرم ويصبح شيطانا في حين أريده ان يتحول من عبد الى ملك تماما كما في بعض أدبيات الدين اليهودي ان يتحول الفرد من إبن الخادمة الى ابن ملك بسلوكه عندما كان إبن الملك يأتي سلوكا وضيعا يجعله يتحول من ابن ملك إلى إبن خادمة باعتبار نظرة البشر إلى الإنسان حسب السلم الإجتماعي échelle sociale و ليس الى تصنيف البشر حسب المهن ما أعجبني كثيرا كميثولوجيا دينية «devenir fils du roi et au lieu d’être fils de la servante» .
عندما كان أستاذ التاريخ يدرسنا في الباكالوريا آداب عن الأمم المتحدة و دورها المعاصر بعد سنوات التسعين بما أن الأحادية القطبية أفقدت الجميع التوازن و بأمانة كنا نهمس بين بعضنا «الأمم المتخذة» بالمعنى العامي و ليس «المتحدة» أي «Les nations agitées» رغم أنها تأسيسية في القانون الدولي الذي درسته لاحقا في كلية القانون وقرارات منظماتها تقنيا نتعلم منها الكثير لكن فحوى قراراتها إلتفاف على القانون في حالات خطيرة ولست الأولى أو أصدقائي التي لاحظت أنها «متخذة» وليس متحدة بل إسرائيل حال حصولها على الاعتراف بعنوان «الدولة» و عندما أصدرت الأمم المتحدة بعض القرارات العادلة ضدها قالت هامسة في الإجتماعات انها «United Nothing» و ليس United Nations.