في الذكرى العاشرة للثورة: البورجوازية والطبقة العاملة أمنوا نجاح الانتقال الديمقراطي في تونس

بقلم: عبد المجيد المسلمي
في السنوات الأخيرة للنظام السابق أصبحت قطاعات هامة من البورجوازية التونسية تضيق ذرعا بنظام الإستبداد و الفساد بعد أن قدمت له الدعم الكامل لسنوات طويلة.

فعلاوة على التطلعات الديمقراطية و التحررية الطبيعية والكلاسيكية للطبقة البورجوازية ( تاريخيا فإن البورجوازية هي التي أسست الديمقراطية على الشاكلة الحالية) فإن الفساد و الرشوة و تدخل العائلة و الحاشية في ميدان الأعمال أصبح عائقا كبيرا لمصالح و استثمارات الطبقة البورجوازية. فشعارها المقدس سيبقى دائما «دعه يعمل دعه يمر» Laisssez faire laissez passer هذه الصيحة التي أطلقها vincent de gournet منذ سنة 1752.

كعادتها في جميع الثورات عبر التاريخ لم تكن البورجوازية التونسية في الصفوف الأولى للثورة. و لكن و عندما رأت بأم عينها أن الثورة الشعبية قلبت ميزان القوى و أن قسما هاما من جهاز الدولة و خاصة الجيش و الأمن و الإدارة أصبح يرجح كفة الشعب ضد النظام اختارت السير مع الثورة و دعمها لأنه لاح لها ضوء في أخر النفق بانقشاع ليل الفساد و الاستبداد الذي كان يخنقها و يسد أنفاسها. فالليبرالية السياسية هي ضرورة حيوية و جوهرية لإرساء الليبرالية الإقتصادية التي هي بمثابة الكتاب المقدس للرأسمالية عبر التاريخ.

و عندما سقط النظام و شهدت الدولة ضعفا وحتى أوشكت على السقوط أسرعت البورجوازية تشد أزر الدولة و تدعمها لأنها الحامي لأملاكها والضامن الرئيسي لمصالحها. فالبورجوازية عملت دوما و عبر التاريخ على السيطرة على الدولة لخدمة مصالحها.
لقد لعب اتحاد الصناعة و التجارة كمنظمة عريقة وقوية دورا أساسيا في توجيه البوصلة السياسية للبورجوازية التونسية في اتجاه دعم الثورة و الانتقال الديمقراطي.

أما الطبقة العاملة و بصورة أعم الطبقة الشغلية التونسية و قوامها ما يقارب 3 ملايين بين القطاع العام و الخاص فلم يكن لها ما تخسره من ثورة الحرية و الكرامة سوى قيودها و تردي أوضاعها الإقتصادية و الإجتماعية. و رغم أن الثورة بدأت كحركات احتجاجية للفئات المهمشة فإن الطبقة الشغيلة و بغريزتها السياسية و حسها الثوري سرعان ما احتضنت تلك النضالات ثم أطرتها وأمنت قيادتها حتى النصر و بصورة خاصة عبر هياكل الإتحاد العام التونسي للشغل.

سوف يتكون تحالف طبقي تاريخي ضد الطبيعة contre nature بين البورجوازية التونسية و الطبقة العاملة للدفاع عن الثورة والدفاع عن الدولة التي تتعلق بها مصلحة هاتين الطبقتين. فالشغيلة مثلهم مثل أرباب العمل لهم مصلحة استراتيجية في المحافظة على الدولة لأنها هي الضامن المباشر أو غير المباشر لأجورهم ومصالحهم و تلبية احتياجاتهم. لقد شكل تحالف الإتحاد العام التونسي للشغل و اتحاد الصناعة و التجارة رافعة قوية فرض على جميع الأطراف قبول خريطة الطريق للحوار الوطني سنة 2013 و مكن من تجاوز إحدى أخطر الأزمات التي مر بها الإنتقال الديمقراطي في تونس. و باعتقادنا فإن هذا التحالف الطبقي سيبقى القاعدة الصلبة والعمود الفقري لتحصين الدولة و تامين الإنتقال الديمقراطي لما فيه مصلحة الطبقتين.

لقد لعبت البورجوازية الصغيرة التونسية ( محامون..أطباء..مهن حرة..حرفيون.) دورا أساسيا في الثورة و الانتقال الديمقراطي و الحال أنهم كانوا ضحايا لشتى أنواع التعسف و الإهانة و الحيف من طرف النظام السابق. و على عادة البورجوازية الصغيرة المعروفة بحسابات الربح و الخسارة فإنها لم تلتحق بالثورة إلا عندما انقلبت موازين القوى و أيقنت بأن أيام النظام أصبحت معدودة. لذلك نزلوا إلى المعركة بكل ثقلهم مسلحين بمهجتهم الفكرية و السياسية وفصاحتهم و بخبرتهم في منازلة النظام ومؤطرين بهيئاتهم النقابية و المهنية و الجمعياتية العتيدة.

وفيما تظهر البورجوازية و الطبقة العاملة صبرا و جلدا تجاه بطء الإنتقال الديمقراطي وتواصل ضعف الدولة فإن الطبقة البورجوازية الصغيرة وكعاداتها تاريخيا كثيرا ما تظهر عدم استقرار وتقلبا للمزاج يتحول بسرعة إلى نزق سياسي ومغامرتية aventurisme. فإنك ترى بعض قطاعاتها تسقط في الشعبوية أو القصووية وصولا ببعضها إلى المطالبة بديكتاتورية جديدة ترسي» الأمن و الإستقرار» حسب رأيها. فهي تعتبر أن مصالحها الأنية قد تصبح مهددة بفعل عدم الإستقرارالسياسي. فإذا كانت البورجوازية تمتلك ما يعيلها لسنوات من الأزمة و الطبقة العاملة متعودة على العيش في أصعب الظروف فإن البورجوازية الصغيرة تخاف أشد الخوف من إفلاس مؤسساتها الصغرى التي قد لا تتحمل بضعة أسابيع من الأزمة. هكذا كانت البورجوازية الصغيرة الغير مستقرة و النزقة و المتهافتة وكرا للتيارات الفاشية عبر التاريخ.

و تبقى الفئات المهمشة من بطالين و أصحاب المهن الهامشية و من تقطعت بهم السبل الجرح النازف للثورة في ذكراها العاشرة بالرغم من أنها هي اللي فجرتها و فتحت الشرخ الأول لنظام الإستبداد فتدفقت منها شلالات الغضب الشعبي.

ففي حين تمتعت الطبقات الإجتماعية الأخرى ببعض المصالح المادية ( أجور..امتيازات..لوبيات..) و بالحرية و بالليبرالية التي كانت تنشدها فإن الفئات المهمشة لم تتمتع لا بهذا و لا بذاك. فأوضاعها الإجتماعية و الإقتصادية لا تزال متردية كما أنها لم تجد المتسع للتمتع بالحرية و الديمقراطية و هي خاوية البطون. فكلما نهضت للكفاح من أجل مطالبها واجهتها السلطة بالقمع و التعسف.

دون سائر الطبقات الإجتماعية ستبقى الفئات المهمشة أكثر الطبقات ثورية و ستسعى لقلب الطاولة على الجميع طالما لم تتحقق مطالبها. فهذه الطبقة الإجتماعية هي الوحيدة التي حقا و فعلا لن تخسر إلا قيودها و بؤسها في ثورة جديدة. وفي انتظار ذلك ستكون الخزان الذي يغذي تيارات أقصى اليمين و التيارات الشعبوية. و سوف تجد دوما من يدعمها من تيارات لا ديمقراطية و رجعية تعشش في مختلف الطبقات الإجتماعية و مستعدة للإنقضاض على الديمقراطية الناشئة في تونس وإجهاض الإنتقال الديمقراطي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115