لإعادة دمج «الاقتصاد الموازي» بالدورة الاقتصادية خاصة وانه يتلاءم والبنية السوسيو- ثقافية للعديد من مناطقنا الداخلية والحدودية ...
قبل الشروع في البحث عن التقاطعات الممكنة بين «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» و«الاقتصاد الموازي» وكيفية الاستفادة منها لابد من الإقرار بالمخاطرة العالية التي تلفّ هذا المشغل المركّب .
فالعمل على فرضية دمج «الاقتصاد الموازي» المقترن في المخيال الجمعي بالتهريب والإرهاب في قطاع ثالث اجتماعي وتضامني قننته اغلب التشريعات المقارنة واعترفت به أدبيات الاقتصاد السياسي في بلد يعاني فيه نفس القطاع حالة من حالات الإنكار المقنع يضاعف من منسوب المخاطرة.
فمقتضيات الموضوعية تفترض اذا توخي مقاربة حذرة غير قطعية تعمل على إثارة حزمة من الأسئلة المفتوحة المسكوت عنها التي قد تعتمل داخل كل واحد منا والتفاعل معها في ذات الوقت علنا نتوقف ولو لسويعات قليلة عن مطاردة وشيطنة نصف من الاقتصاد في حين انه هو من يطاردنا باستمرار في جميع الانهج والأرصفة وحتى داخل بيوتنا ...
• أولا: ماذا نعنى «بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني» في الحالة التونسية ؟ ما هي خصائصه ؟ ومدى انسجامه مع مفردات الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتعثر في سياقات ما بعد 14 جانفي 2011 ؟
لم يعد خافيا على أحد أنّ «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» الذي ينشط تحت يافطات ومسميات مختلفة من «اقتصاد طوعي» في بريطانيا و«غير ربحي» في الولايات المتحدة و«اقتصاد شعبي» في أمريكا الجنوبية يشكّل اليوم إحدى الدعائم الأساسية في دفع الديناميات الاقتصادية الراهنة للعديد من دول الشمال والجنوب على حد السواء، كما يعدّ مقاربة اقتصادية مستحدثة لأنسنة اقتصاد السوق دون ان تكون بديلا عنه ساعيا الى التوفيق بين متطلبات الجدوى الاقتصادية وضرورات تحقيق الرّفاه الاجتماعي المستديم، منطلقها ومنتهاها محورية الرأس المال البشرى في العلاقات الإنتاجية، وما تصنيفه وتبويبه بأهم مرجعيات ودوريات الاقتصاد السياسي المعاصر كقطاع ثالث الى جانب القطاع العام والقطاع الخاص سوى اعتراف بحيويته وقدرته العالية على ضخّ دماء جديدة في شرايين النموذج الليبرالي الآخذ في السقوط في منزلقات الجشع والتوحّش...
ففي دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة يمثّل «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني« نسبة 10 ٪ من الناتج الدّاخلي الخام ويشغل قوة عاملة نشطة تعدّ بالملايين كما تتموقع في قطاعات واعدة ذات محتوى تكنولوجي وقيمة مضافة مؤكدة كالطاقات المتجددة والاقتصاد الرقمي الى جانب الأنشطة التقليدية التي عرف بها من فلاحة وتأمين وتعليم وصحة... أما في دول أمريكا الجنوبية والوسطى فان «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» يعدّ رافعة مجتمعية حقيقية وصمّام أمان لاقتصادياتها الصاعدة في مواجهة غول العولمة..في حين ان «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» في بلادنا يشهد منذ عقود حركة من المدّ والجزر لا تكاد تتوقف ...
ففي اتجاه المد
- تحتفظ تونس ربّما بالرّيادة داخل محيطها المتوسطي الجنوبي بسنّ اوّل إطار تشريعي منظم للشركات التعاونية وذلك بمقتضى الأمر العلي الصادر سنة 1954.
- كما تم التوقيع سنة 2007 على «ميثاق تونس للاقتصاد الاجتماعي» منها انبثقت «الشبكة التونسية للاقتصاد الاجتماعي».
- اعتماد نظام التصريح عوضا عن الترخيص عند إحداث الجمعيات وذلك عملا بالمرسوم عدد 88 لسنة 2011 وما نجم عنه من إسناد ودعم نوعي للنسيج الجمعياتي المتخصص في الشأن الاجتماعي والتضامني.
- وضع إطار تشريعي جديد للمؤسسات المتخصصة في المالية الصغيرة بمقتضى المرسوم عدد 22-2011 لسنة 2011 .
- تم أيضا تنظيم «الندوة المتوسطية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني« سنة 2013 بهدف وضع أسس الاقتصاد التضامني الخاص بالشركات الاجتماعية بحوض المتوسط.
- كما عرف الاقتصاد التضامني العديد من التجارب الناجحة التي ظلت مغمورة وغير مثمنة الى اليوم.
- الجميع تقريبا من مراقبين بالداخل والخارج مدركون تمام الإدراك بان الدّربة التي أصبح عليها قسما من المجتمع المدني (نعني به الجزء غير المرتهن لجهات أجنبية) تجعله قادرا في المنظور المتوسط على فرض أجندته الاجتماعية والتضامنية.
في اتجاه الجزر
- الاستخدام المسقط والمشوّه «للاقتصاد الاجتماعي والتضامني» كنموذج تنموي في ستينات القرن الماضي تحت مسمى «تجربة التعاضد» التي اتسمت بطابعها التعاوني القسري على الطريقة اليوغسلافية في عهد المارشال «تيتو» والبعيدة كل البعد عن الروح الطوعية والتسيير الافقي التشاركي «للاقتصاد الاجتماعي والتضامني»... تجربة مؤلمة مازلت حاضرة بقوة في أذهان الكثيرين ممن عاصروا تلك الحقبة ولايزال «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» يعانى الى اليوم ضيما كبيرا من استتباعات صورها النمطية الصادمة ...
- الإمعان في تهميش هذا الاقتصاد بتوظيفه فقط عند اندلاع الحرائق هنا وهناك كشاحنة إطفاء بدل اعتباره كشريك استراتيجي واعد والعمل على هيكلته وتمكينه من الدعم التشريعي واللوجيستي والمالي المطلوب...الم تكن استحقاقات 14 جانفي 2011 اجتماعية تضامنية بامتياز؟ وألم يكن من الممكن التخفيف من منسوب الاحتقان الاجتماعي القياسي الذي نعيش على وقعه منذ ثماني سنوات لو سمح لهذا القطاع بالمشاركة الفعلية في إدارة المشهد الاجتماعي والاقتصادي؟
فبتركيبة فسيفسائية تتألف من جمعيات وتعاونيات وتعاضديات ومجامع مهنية ومؤسسات وشركات صغرى الخ تعتمد على الطوعية والاختيار في المشاركة والانخراط، وبحوكمة أفقية تشاركية على قاعدة صوت لكل منخرط او عضو، وبهدف غير ربحي ينشد الرقي والتجديد الاجتماعي promotion et innovation sociale عرف هذا الاقتصاد طفرة إبّان منعطف 14 جانفي المزلزل بنسيج جمعياتي يعدّ اليوم بالآلاف مع تزايد ملحوظ لعدد مراكز التفكير البحثية الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسات والجمعيات المتخصصة في إسناد القروض الصغرى...
كما يفيد عدد من المؤشرات الذاتية والموضوعية بان «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» مقبل في المدى القريب على ثورة حقيقية ستغير حتما المشهد المجتمعي برمته أبرزها:
- حصول شبه إجماع ولو بدرجات متفاوتة بين خبراء الاقتصاد والاجتماع والسياسة حول مدى خطورة الاعتماد الكلي والمطلق على براديغمات الاقتصاد المتعارف عليها دون إرفاقها بمقاربات واستراتيجيات اجتماعية بديلة يقدمها «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» ويحصّنها من أي نزوع نحو ليبرالية متوحشة ومجنونة غير متحكم فيها.
- نحن اليوم حيال أهم استحقاق دستوري على الإطلاق يتمثل في الانطلاق في إرساء اللامركزية. فكيف يمكن مجرد التفكير بتنزيل المسار اللامركزي الذي جاء به الباب السابع من الدستور ومجلة الجماعات المحلية على ارض الواقع دون «اقتصاد اجتماعي وتضامني» معترف به كقطاع ثالث قائم الذات قادر على اختراق النظم الاقتصادية الموازية واستيعاب جزء من أنشطتها المشروعة بشكل حذر ومعقلن ؟ أو ليست اللامركزية في عناوينها الكبرى من «تدبير حرّ» و«تفريع» و«تضامن» أقرب الى أدبيات «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» منها الى القطاع العام أو الخاص ؟
• ثانيا: هل حقا يشكو «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني« حالة من الفراغ التشريعي ؟
ثمة اعتقاد سائد بان «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» يعيش حالة من الفراغ التشريعي.. في حقيقة الأمر المسالة تحتاج الى مزيد من التدقيق والتّنسيب.. فالمتابع الجيد للشأن الاجتماعي والتضامني يدرك جيدا حقيقة توفر كمّ من النصوص القانونية المنظمة لأنشطة عدة محسوبة على «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» وتجذّرها في التاريخ...من بينها على سبيل الذكر لا الحصر الأمر العلي الصادر بتاريخ 18 فيفرى لسنة 1954 المنظم للشركات التعاونية والقانون عدد 63-9 المؤرخ 25 ماى لسنة 1963 المنظم للتعاونيات في القطاع الفلاحي والقانون عدد 84-28 بتاريخ 12 ماي 1984 المنظم للوحدات التعاونية الفلاحية المستغلة للاراضى الدولية والقانون عدد 16 لسنة 2005 المنقح لقانون 26 جويلية 1993 المتعلق بالمجامع المهنية الناشطة في الفلاحة والصناعات الغذائية والمرسوم عدد 88 لسنة 2011 المنظم للجمعيات الخ الخ.. فعلى الأهمية المؤكدة لهذه القوانين فإنها تفتقر الى مدونة قانونية جامعة ومنسجمة، الى خيط ناظم بتوجهات وإحداثيات واضحة المعالم.. فحالة الفوضى والتداخل الوظيفي والتشظي النصّي السائدة منذ عقود حالت دون ارتقاء «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» الى مصاف القطاع المستقل بذاته.. والفراغ التشريعي المشار إليه هو بالأساس على مستوى البوصلة والبيداغوجيا القانونية مما يقتضى الإسراع بوضع قانون توجيهي عام للقطاع يحدد بدقة عالية الفاعلين والأدوار المسندة لهم دون تداخل وعلاقتهم بالقطاعين العام والخاص وممرّات التواصل الممكنة فيما بينهم وذلك على غرار القوانين التوجيهية المنظمة لقطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي واستئناسا بالتشريعات المقارنة المنظمة للقطاع الاجتماعي والتضامني التي جاءت في شكل قوانين توجيهية إطارية على غرار كولومبيا سنة 1998، واليونان سنة 2001، واسبانيا 2011، وكوريا الجنوبية في نفس السنة والبرتغال والاكواتير وبلجيكا سنة 2012، وفرنسا سنة 2014 والقائمة تطول...
قانون توجيهي يأخذ على عاتقه وضع آليات واضحة للتوقي والكشف عن عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب التي تقوم بها عديد الجمعيات (أنظر مقالي الأخير) باعتباره يشكّل التهديد الكبير في طريق إرساء «اقتصاد اجتماعي وتضامني أبيض» ببياض ناصع دون حاجة الى جراحة التبييض المافيوزية.
• ثالثا: هل يمكن «للاقتصاد الاجتماعي والتضامني» باعتباره اقتصاد قرب ان يكون بمنأى عن «الاقتصاد الموازي» وتأثيراته السلبية ؟ ما هي التقاطعات الممكنة بينهما ؟ وكيف يتسنى «للاقتصاد الاجتماعي والتضامني» استيعاب أنشطته المشروعة دون التورط في تبييض أذرعته المافيوية ؟
بداية ألا يتوحد «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» «بالاقتصاد الموازي» حول مفهوم القرب concept de proximité خاصة وان كليهما يعمل على سد الفراغ التنموي والاستثماري المحمول على الدولة والخواص في الداخل التونسي المنسي ؟ ألا يخوضان أيضا نفس المعركة في مقاومة الفقر والخصاصة والتفاوت الجهوي لكن بأدوات وانساق جد مختلفة ؟ تقاطعات وأخرى تجرنا للتطرق الى القسم الثاني من الأسئلة في علاقة «بالاقتصاد الموازي».
• رابعا: في ظل غياب توافق بين الخبراء حول وضع مفهوم موحد «للاقتصاد الموازي» كيف يمكن مقاربة المفردات التالية اقتصاد موازي - اقتصد غير مهيكل - اقتصاد غير نظامي - اقتصاد خفي - اقتصاد الظل...؟
بالفعل «للاقتصاد الموازي» نعوت وتوصيفات عديدة تتغير بتغير السياقات والمصالح وحتى الأمزجة الذاتية.. فمنهم من يطلق عليه «بالاقتصاد الموازي» بالمقارنة بالاقتصاد الرسمي .. ومنهم من يقدمه كنموذج لاقتصاد غير مهيكل دون توصيفه بالموازي وكثيرا يعّده اقتصادا مافيويا خفيا ينبغي استئصاله بالكامل...
في المحصلة جميع النعوت تعكس مضامين دونية اطلاقية ومتشنجة في حين كان بالإمكان التعاطي مع «الاقتصاد الموازي» حالة بحالة والاكتفاء بنعت القسم المشروع منه «بالاقتصاد الخارج عن نطاق الخدمة والتعديل» Economie hors régulation لا لعجز في ذاته بل لعدم قدرة الاقتصاد الرسمي على استيعابه ...
في مطلق الأحوال اعتقد ان اختزال هذه المعضلة المجتمعية الكبرى في المسالة اللغوية لا يساعدنا كثيرا على فهم هذه الظاهرة التي تحولت الى ثابتة مجتمعية كبرىune constante sociétale d’envergure ينبغي التفاعل معها بقدر كبير من المسؤولية والعمق...
في هذا الباب يمكن للقطاعات ذات الصلة «بالتجارة البينية الحدودية» و«بالسياحة الايكولوجية» واختصاصات أخرى ذات علاقة «بتثمين النفايات بأنواعها» و«الاقتصاد الرقمي» بتعبيراته المتعددة ان تشكّل مساحات تموقع استثمارية حقيقية وجيدة «للاقتصاد الاجتماعي والتضامني» داخل الجهات وهوامش المدن الكبرى حيث تتمركز جيوش بونابرتية من المنقطعين بشكل مبكر عن التعليم وحاملي الشهادات العليا في حالة من العطالة المزمنة وهى اليوم وأكثر من أي وقت مضى عرضة لان تقع في أية لحظة في مصيدة الاذرعة المافيوية/الإرهابية «للاقتصاد الموازي».
• خامسا: الى أي حدّ يمكن اعتبار «الاقتصاد الموازي» مدمرا لمقومات الاقتصاد الأساسية التي دأبنا على حفظها عن ظهر قلب في عالم متغير بصدد إعادة تشكيل لمفرداته ولنماذجه بالكامل ؟
فعندما تغيب البدائل التنموية التي من شانها تغيير اليومي.. وعندما ينزل سقف عيش المواطن الى عتبة تحقيق الحدّ الأدنى من مقومات البقاء من «سلم ماسلو» L’échelle de maslow فان «الاقتصاد الموازي» الى جانب انه يلعب دورا أساسيا في الحفاظ على نمط من السلم الاجتماعية وان كان مكلّفا فإننا نعاين اليوم انه بصدد كسب مشروعية قاعدية وإحصائية أوسع في ظل غياب بدائل تنموية حقيقية .. فمن نسبة 38 ٪ من الناتج الداخلي الخام سنة 2002 وفق تقرير «البنك الدولي« يتخطى «الاقتصاد الموازي» اليوم عتبة 50 بالمائة.. أما التعبيرات الإجرامية والإرهابية «للاقتصاد الموازي» فهي في جزء كبير منها نتيجة مباشرة لوهن شديد أصاب الدولة في حماية نفسها حيال إخطبوط مافيوى داخلي جدّ منظم وأجندات إقليمية ودولية تتجاوز الأفق الجيوبوليتيكي التونسى بكثير...
• سادسا: موازي عن من ؟ عن الاقتصاد الرسمي أم هو في حالة من التداخل النفعي معه ؟
لسائل ان يسال ألا يعدّ قسما من الأنشطة الخاضعة للنظام التقديري او تلك البضائع المجهولة المصدر المعروضة بالمحلات التجارية النظامية والمساحات الكبرى جزءا من النظم الموازية المقنعة والمندسة في الاقتصاد المهيكل بعد أن تم إخضاعها فقط لجراحة تجميل محاسبتية وجبائية ؟
والأسواق الموازية المنتصبة على كامل خطوط العرض والطول من «بن قردان» مرورا بأسواق «الجم» و«مساكن» وصولا الى «أسواق بومنديل» و«منصف باى» في قلب العاصمة وغيرها من الأسواق الموازية المقنعة.. والشاحنات التي تسلك يوميا طرقنا السيارة قبل الفرعية والمحملة بما جاد به «الاقتصاد الموازي» .. ومراكز الصرف المنتصبة على قارعة الطريق.. والكميات الهائلة من المحروقات المعروضة للبيع... ومخازن الشحن والتفريغ الكبرى غير الخاضعة للرقابة الديوانية التي لا تخلو منها أية منطقة من البلاد.. وأموال التهريب التي يتم ضخها في القطاع البنكي لتمويل عمليات توريد نظامية أو مضاربات عقارية في وقت لاحق..والميكانيكي المتجول وغيره من أصحاب المهن الصغرى غير الراغبين أو القادرين على الانتصاب القانوني... ومصممي المنصات الرقمية ومواقع الواب والباعة والوسطاء عن بعد النشطين بالمقاهي وقاعات الشاي والبيوت المغلقة.. شواهد وأخرى تؤشر الى أن ما اصطلح على تسميته «بالاقتصاد الموازي» لا يتحرك بمنأى عن الاقتصاد الرسمي المهيكل بل أمسى احد قواعده الخلفية غير المعلنة.. كما يستبطن عددا لا يحصى من الاقتصاديات الموازية تتوزع بين أنشطة مشروعة من تجارة حدودية بينية وغيرها وأنشطة غير مشروعة من اتجار بالمخدرات والسلاح الخ، وبالتالي فان أية محاولة للتعاطي مع هذه الاقتصاديات الموازية ككتلة إسمنتية متجانسة مالها الفشل الذريع لا غير...
• سابعا: ألا يعتبر التوجه العام الداعي إلى دمج الاقتصاد الموازي صلب المنظومة الاقتصادية الرسمية دون التفكير في منطقة وسط قد يلعبها «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» تسطيحا للمسالة قد تكون أولى ارتداداته السلبية على القطاع المنظم ذاته ؟
• ثامنا: متى نتحرّر من فوبيا الاقتصاد الموازي في وطن جبل على التضامن والتآزر بالرغم من التصدعات التي تحدث هنا وهناك بفعل ارتدادات 14 جانفي 2011 المجتمعية العميقة ؟
في الختام، البعض من أصحاب العقول الخارقة (وهم بالمناسبة كثيرون هذه السنوات الأخيرة) يطالبون الحكومات المتتالية بالإسراع بتنفيذ مشروع «مارشال بنسخته الأصلية» ، وآخرون لاتزال تستهويهم العبارة الشهيرة «دعه يعمل دعه يمر» في نسختها التونسية الطريفة «طفّى الضوء».. في حين ان مشروع مارشال بمواصفات تونسية خالصة ممكن ومتاح خاصة وأن «الاقتصاد الاجتماعي والتضامني» المتجذّر في تاريخنا وجغرافيتنا له من الكفاءة العالية ان تمت إعادة تأهيله وحوكمته بشكل جيّد على استيعاب القسم المشروع من الاقتصاد الخارج عن نطاق الخدمة (الاقتصاد الموازي) وفق منظور تنموي مستدام يؤسس لشراكة رابحة ثلاثية الأضلاع بين القطاع العام والخاص والتضامني بدايتها ومنتهاها الإنسان التونسي.
• ملاحظة: المقال كان موضوع مداخلة ألقيتها بمناسبة يوم دراسي وطني مخصص للاقتصاد الاجتماعي والتضامني.