حقيقيا فيما يتعلق بمظاهره و أثاره. الحديث هنا وفي هذا الخصوص لا يتناول مشروعية الإضراب من عدمها أو مدى نجاعة هذه الوسيلة الاحتجاجية لحسم الخلافات وفصل النزاعات بين الأطراف المتقابلة- كل الأطراف- والمصالح المتناقضة. الموضوع مكرس قانونا ومحسوم دستوريا و لا يدور بخلد احد التثريب أو التنديد بهذه الوسيلة النقابية في التعبير عن الطلبات والانتظارات بصفة عامة فضلا عما هو متعلق بالأمور القطاعية الصرفة. الإضراب طريقة مشروعة تمكن من إعلاء الصوت عندما تنسد قنوات الحوار و لا توجد وسائل بديلة لفض النزاعات الاجتماعية. هو حق يكفله الدستور و تكفله القوانين والتاريخ مستقر في هذا الخصوص و لإثبات نجاعة الطريقة و رفعة الأسلوب.
الحديث هنا و بخصوص تحديدا القطاع العمومي يتركز على الجانب الآخر – المؤلم حقا- و المتعلق بخطورة انعكاسات قرار الإضراب عندما يقع تنفيذه دون اتخاذ بعض الإجراءات الضرورية لضمان استمرارية عمل المرفق العام. لنا العديد من الأمثلة من القطاعات التي تستوجب أكثر من غيرها ذلك كالصحة العمومية و المواصلات و غيرها وصولا إلى قطاع البريد. معاناة ليست ككل المعاناة وإحساس فظيع بانك رهينة لامر لا تملك فيه سلطة عندما تجد نفسك على حين غرة أمام أبواب و شبابيك مغلقة وأنت الحاجة و الظرف يطبقان عليك الدنيا ويجعلانك تشعر حقيقة بالخصي. إضراب أعوان البريد هو من هذه الوسائل القانونية التي تخلف إحساسا عميقا بالعجز و لنقلها صراحة «بغياب الدولة» و مؤسساتها.. إضراب منذ أيام و يمتد لأيام أخرى دون ان تكون هنالك بدائل مقنعة لقضاء حاجات الذين يتعاملون مع هذا المرفق الحيوي. صحيح انه تم اتخاذ يوم الاثنين أي بعد يومين من انطلاق الإضراب قرارا بفتح بعض المكاتب . لكن ذلك لا و لن يكفي. بالنظر لحجم الطلبات وكثرة الخدمات.
هل يتصور احد الكم الهائل من خدمات البريد؟ بالتأكيد لا . يكفي القول أن كل المعاملات القانونية و المالية والإدارية مرتبطة بالبريد. يكفي القول في هذا الصدد أن صرف جرايات المتقاعدين من المفروض أن يقع انطلاقا من الأمس. والإضراب مستمر إلى الأربعاء القادم.....