على هذا الواقع المرير الذي مهما أعدنا تكرار ذلك تجاوز حدود الفظاعة . من قبل و في وقت غير بعيد كان البعض منا يحسب انه ومهما بلغت قسوة الابتلاء الذي ينال من عزيمتنا لن يتخطى سلوكنا حاجز المعقول. كنا نقولها و نعيدها أن تونس بفضل ما عرفته من تنوير و وسطية لم و لن ترتمي بين أحضان المجهول و ذلك لان أبناءها و إن غضبوا تعلموا إبقاء علامات الطريق مضيئة و أن مسلك العودة هو دائما على مقربة من الإرادة. من كان منا يتصور أننا سنصل إلي هذه المستويات المريعة و المفزعة حقا.؟ كيف تمكن الإرهاب المقيت من هؤلاء الذين كانوا ينتمون الى الوطن؟
ما حدث البارحة ببن قردان مثله مثل جل الأحداث الإرهابية التي أصبحنا نعيش على وقعها يفرض علينا أن نستفيق على واقع جديد ، مر بتجاوزاته ومؤلم بمفارقاته، تتأكد مظاهره يوما بعد يوم و يهددنا بشكل دائم بجنون مفارقاته. صحيح ان الخطر يتربص بنا من الخارج لكن صحيح أيضا و بشكل لا اختلاف حوله اليوم انه يتربص بنا من الداخل أيضا. أصبحت بلادنا- و ذاك أمر لا بد من قبوله حتى يتسنى تحسبه و الاحتياط منه- هدفا للإرهاب بشتى مظاهره و بببشاعة تعبيراته. المفارقة المجنونة أن المعتدين هم من هذه البلاد ، عاشوا فيها و استظلوا بظلالها و تناولوا خيراتها علي امتداد السنين... ثم غدروا و خانوا. نراهم اليوم جثثا تؤثث مساحات الفظاعة و الدمار، جثثا تذكرنا انه وبكل مرارة يتحتم علينا جميعا الاحتياط ، ليس من الغريب والذي لا تربطك به أية صلة لكن و تأكيدا ممن كنا نخالهم «من ذوي القربى» لأنهم ولدوا و عاشوا بهذا الوطن.. الذي خذلوه واغتالوه دون تردد آو رحمة.
أي منطق هذا الذي يبرر السقوط في الهاوية و يجيز للأخ قتل أخيه و انتهاك عرضه و حرمته؟ أي منطق يحرك علي سبيل الذكر لا الحصر من هاجموا هذا الأسبوع بن قردان و هم منها و من سكانها؟ لهذه الدرجة أصبح القتل هينا ومستساغا؟ مهما حاولنا توصيف الأشياء و تقديم الوقائع مثلما وقعت فلن نستطيع ذلك لان الفظاعة فوق الوصف...
عاشت بن قردان ساعات على وقع الجرائم النكراء و الكفر المقيت. إرهابيون يخرجون من ظلمات مواقعهم ليكتسحوا للحظات المجال و المكان و يعملوا فيه بالنار وبالسلاح. يستبيحون كل شئ إلى درجة أن الأرواح البريئة تصبح بلا معنى بالنسبة لهم فيقتلون و يجرمون في حق الأطفال و العائلات و كل الأبرياء الذين دفعهم سوء الطالع ان يكونوا على مرمى من جنونهم.
إن كانت البارحة مأساوية من جراء الفظاعة الإرهابية إلا أنها تمثل خصوصا موعد فخر لنا جميعا لان إقدام و شجاعة قواتنا و عزيمة أهلنا هنالك تكفي لوحدها للاستدلال على أن هذه البلاد ستظل في حماية الرحمان و رعايته الموصولة. درس من جل الدروس الرائعة التي أهدتنا إياها الأيام لتؤكد أن الوطن غال و أن الانتماء إليه ليس شعارا وإنما هو وجود و محبة و قدر. ذاك من أهم دروس بن قردان تحديدا...