صور تروي لنا حكاية ذلك العراف الذي يبدو أن صيته قد ذاع في العديد من الأوساط و أصبح عند البعض مثالا يحتذى و عنوانا يشد إليه الرحال و تزدحم أمام بابه جحافل المنتظرين و المترقبين.
انه ذلك الشخص الذي لا ندري من أين نزلت الأخبار به فأصبح حديث الساعة. يقدم نفسه انه «حكيم» و انه قادر على شفاء العديد من الأمراض وصولا إلى السرطان، هذا دون الوقوف عند الاختصاصات المتداولة من معالجة السحر بأنواعه و محاربة الجن و التغلب على سوء الطالع و غيرها من الحالات المتفشية لدى بعض الأوساط من كل الفئات الشعبية. رجل قيل أن له «كرامات و كرامات» إلي درجة أن كل ما يمكن تصوره من آفات و عاهات هي من اختصاصه و عليى مقربة من قدرته و... دوائه.
انه مثلما يقدم نفسه الحكيم الدكتور... ذلك الخبير بالمجهول وعلاماته.
رأينا في مرحلة أولى صوره عى الوسائط الاجتماعية و هو «يشرب من براد به ماء قيل انه سخن كما رأيناه و هو يبصق بما في فمه من ماء علي وجوه زائريه و «مريديه» فيقال أن هؤلاء ينتقلون إلي حالة الشفاء بمجرد أن «يغمرهم» بصاق الشيخ و كراماته.
لا حول و لا قوة بالله ، هذا يحدث في تونس و في هذه الأيام التي نسعى فيها جميعنا إلى الخروج من التبعية و عالم الكذب و الأوهام و الطلاسم والخزعبلات. نعم هذا من حياتنا اليوم. روايات من زمن غابر أصبحت من واقعنا اليوم. الصور جاءت مصاحبة لتعاليق تضمن مجملها إشادة بـ«الكرامات» و بالنجاحات و بقصص البرء و النجاح. رجل يفند بما يقال عنه حجج الشهائد و العلم و العقلانية. الوهم بصورة كبيرة يقطن و يعمل في احدى ضواحينا ليضرب لنا مواعيد مع التدجيل والتخريف و الأوهام. شيء مرفوض و غير مقبول جملة و تفصيلا لكنه مهما حاولنا عدم الاكتراث به هو من واقعنا و من حاضرنا الذي يحق لنا أن نخجل منه في هذا الموضوع بالذات. كيف لنا ان ننساق بهذه السهولة في هوس الكذب و التدجيل بهذا الشكل و تحديدا .. بهذا العدد؟ لقد رأينا على الشاشة تلك الصفوف المنتظرة و المتزاحمة و كيف انه تزامنا مع ذلك تزدحم المواعيد التي وصلت .. إلى حد ديسمبر من السنة المقبلة؟؟؟
عالم غريب ومخيف وإن كان في الواقع ليس بالجديد علينا لكن هذه المرة بلغ حدودا مفزعة حقا لأنه يفضح هشاشة محدوديتنا وقلة حيلتنا لمجابهة ومعالجة المجهول الذي يتربص بنا.
الرجل يعمل في الظاهر و وفق ما تم تقديمه طبق القوانين الجاري بها العمل. له التراخيص اللازمة و ذلك من الجهة الوزارية المعنية. ترتيبا علي ذلك له الحق أن يباشر «الاختصاص» الذي يدعيه و الذي على ضوئه تم الإذن له بممارسته.
الاختصاص هو «عراف» و الكلمة تؤخذ هنا و وفق ما يفرضه الواقع المهني للرجل على إطلاقها بمعنى أنها تشمل عالم «العرافة» بكل تفاصيله و جزئياته من كشف للمستور وتنبؤ بالمجهول و استقراء لعوالم الغيب هذا بالإضافة إلى اقتراح العلاجات المناسبة بمختلف أنواعها..
ما معنى كل ذلك و كيف يمكن أصلا إسناد رخص بهذه الخطورة وعلى ضوء اي اعتبارات و شروط علمية و معرفية خصوصا بالنظر إلى شمولية التسمية و عمومية المضامين التي تكونها و تشكلها.
لا بد من مراجعة التشاريع الجاري بها العمل في هذا الإطار و ذلك حتى لا نلج عالم المجهول و اللاقانون باسم.. القانون تحديدا.