هي الأم مثلها مثل الدنيا عندما تحنو عليك لتضمك إلي صدرها و لتقول لك و لوحدك أنها ستظل في انتظارك لتفتح لك ما لا احد غيرها يمكنه ذلك. غريبة الثوابت عندما تبرز في الهيئة و الملامح. كل الأمهات مهما غيرتهن السنون فإنهنّ يشبهن بعضهن هكذا الأمهات.
هي منهن و ستظل لأنها فريدة من نوعها . رأيت صورتها وحز في نفسي ما رأيت. لأنها كما قلت تشبه جميع الأمهات ولان ملامحها هي ذاتها ملامح من حرمت منها منذ سنوات وتركت عندي لوعة لا تضاهيها لوعة و التي من اجل رحيلها فقدت الكثير من ذاتي و كياني و ثقتي في نفسي و في الدنيا. الصورة التي استوقفتني ليست سعيدة بل هي تصلح دون منازع أن تكون عنوان الهزيمة والانكسار. امرأة مثلها يكسو وجهها اليتيم علامات من جبن و عنف هذا الزمن الحزين. زرقة تحيط عينيها و أثار دماء تصاحب نظرتها اليائسة. نزلت هذه الصورة باحدى صفحات شبكات التواصل الاجتماعية لتروي لنا أبشع صورة من صور العقوق. المتمعن فيها يكتشف الحقيقة المرة. اتضح أن ابنها، نعم ابنها ،؟ أشبعها..... ضربا.
أشبعها ضربا! من هي ؟ أمه! و لماذا إن صح أخلاقيا هذا التساؤل؟ هل هنالك أصلا إمكانية حتى لطرح الاستفهام؟ تقوم الدنيا و تقعد و تتخبط الفرضيات في بعضها ولا يمكن استساغة البحث عن علاقة سببية بين الفعل و دوافعه. لأنه - بكل بساطة - قواميس الدنيا ترفض منطقا مثل ذلك وأيّ تبرير من شأنه أن يدخل في المنطق مثل هذه الأفعال؟ رجل حقير من هذا الزمان يطلق العنان لحيوانيته و ينهال على أمه ضربا و ركلا إلى درجة لا يمكن تصور حدودها!...
لم يكترث لضعف جسمها و لا لتقدمها في السن ولا لصراخها و استنجادها. لم يكترث بشيء لان» هدفه» في تلك اللحظات المجنونة كان يقتضي «تلقين درس لها...» درس لماذا وعلى ماذا؟ مقدّم الصورة ذكر أن السبب «الرهيب» تمثل في فقدان بعض اللعب لأبنائه بحث عنها و لم يجدها. ظن أن «أمه» هي التي كانت وراء ضياعها لذلك لم يتردد لإطلاق العنان لجنونه و...... النتيجة كانت واضحة في تلك الصورة الرهيبة التي تحمل في طياتها أبشع علامات عقوق الوالدين.
ما قام به هذا الوحش الآدمي يدخل في ما يسمى في القانون بعنف الفروع على الأصول ، هو يستوجب التتبع القضائي والمساءلة القانونية. من المؤكد أن ما قام به تنبذه الأعراف و القوانين. سوف تقع محاكمته من اجل ذلك لكن من المفترض مثلما زخرت به التجارب داخل المحكمة أن يوم الجلسة سوف تحضر تلك الأم المخدوعة و سوف تقدم الى المحكمة لشهادة إسقاط طالبة الصفح عن ولدها والتجاوز. من المؤكد انه يومها سوف يبدي علامات الندم وربما يقوم بتقبيل أقدام أمه معبرا عن سخطه عما أتاه...
لكن هل ذلك كله يكفي لمحو فظاعة المأساة التي ارتكبها؟ لا وألف لا فالفعلة فظيعة مهما قلبت دوافعها و ستظل هكذا في الذاكرة الجماعية.
الصورة الحزينة لتلك الأم التي لم يراع سنها ولا مكانتها ولا رمزية وجودها ستبقي مدى الدهر لتشير بعنف الى مأساة عقوق الوالدين وهوان البعض على أنفسهم لدرجة لا يمكن نسيانها أو التغافل عنها.