«الطلاق» إلى أزمة مالية عالمية جديدة.
آخر استطلاعات الرأي التي تم بثها يوم الثلاثاء أشارت إلى تقارب في النسب بين أنصار «الخروج» و«البقاء». مؤسسة يوغوف سجلت تقدم أنصار الخروج من الإتحاد بنقطتين (44 % مقابل 42 %) في حين أعطت مؤسسة سورفايشن تقدما بنقطة واحدة لرافضي الإتحاد الأوروبي. منذ 16 جوان يوم اغتيال النائبة العمالية جو كوكس تقهقر شق الإنفصاليين الذين كانوا قد سجلوا نسبة 56 % من نوايا المستجوبين. فهل يتواصل العد التنازلي لفائدة البقاء في الإتحاد؟ هذا السؤال يراود كل الملاحظين المهتمين بالشأن الدولي خاصة أن دراسات الرأي العام أظهرت أن مناصري الخروج من الإتحاد يوجدون في كل الأحزاب البريطانية. 56 % عند المحافظين، 97 % عند حزب يوكيب المتطرف، ولكن كذلك 25 % عند العماليين و 21 % عند الليبراليين و 20 % عند الخضر. وهي نسب عالية يمكن أن ترجح هذا الشق أو الآخر.
زعماء العالم ضد خروج بريطانيا من الإتحاد
الوزير الأول البريطاني دافيد كامرون و زعيم الحزب العمالي جيريمي كوربين حاولا منذ بداية الحملة التأثير في الناخبين البريطانيين لحملهم على التصويت لفائدة البقاء في الإتحاد الأوروبي. لكنهما وجدا صعوبات كبيرة حتى في صلب أحزابهما. وفي نهاية الأمر حذر دافيد كامرون البريطانيين من أنه «إذا خرجت بريطانيا من الإتحاد الأوروبي فسوف يكون ذلك بدون رجعة».
أهم زعيم دخل حلبة «البريكسيت» كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي فاجأ مضيفيه في لندن عندما حذر البريطانيين من مغبة الخروج من الإتحاد الأوروبي لما لذلك من تبعات وخيمة على الإقتصاد العالمي و على العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي. بالنسبة للأمريكيين تعتبر بريطانيا همزة الوصل بينهم و بين أوروبا وهي الحلقة الأهم التي تمكن واشنطن من التأثير على القرار الأوروبي. فخروج بريطانيا من الإتحاد يضع الولايات المتحدة في موقف أضعف بعد أن دخل العالم نظام تعدد الأقطاب ببروز الصين و روسيا و دول البريكس الصاعدة.
من جهة أخرى كان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قد حذر البريطانيين، في شهر مارس الماضي، من التصويت لصالح خروج بريطانيا. و أعاد الكرة هذا الأسبوع معتبرا أن «بريطانيا هي جزء من أوروبا و أنها تحمل القيم الأوروبية» و أنه «ينتظر جواب ثقة في مستقبل أوروبا» من قبل البريطانيين. معظم المحللين فسروا تصريحات هولاند بالخوف الذي ينتاب الساهرين على قصر الإيليزي من تداعيات خروج بريطانيا على رصيد سياسات فرنسوا هولاند الإقتصادية في ظروف غير سهلة يستعد فيها الرئيس الفرنسي لخوض معركة الرئاسة مجددا العام المقبل.
شبح الجمعة الأسود
تستعد جل بورصات العالم و خاصة منها الكبيرة للبريكسيت. السيتي في لندن لكن أيضا بورصة نيو يورك و طوكيو و باريس و فرانكفورت تستعد لصدمة الخروج. عادة ما تشتعل المضاربة على العملة في هذه الظروف. لذلك قررت أهم البنوك المركزية في العالم التنسيق فيما بينها للحد من تداعيات المضاربة. و تعمل البورصات من جهتها على تأمين الإستثمارات والحد من تبعات قرار الخروج في صورة حدوثه.
أحد أهم أثرياء العالم، جورج صوروص الذي اشتهر بمضاربته الشهيرة ضد الجنيه الإسترليني في التسعينات حذر من «يوم الجمعة الأسود» معتبرا أن خروج بريطانيا من الإتحاد سوف يخسر الجنيه 15 % من قيمته في حين تنبأت كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي بهبوط يصل إلى 20 %. في نفس الوقت تستعد جهات أخرى، في مقدمتها الملياردير الأمريكي واران بوفي ، لمواجهة سيناريو أسود يخسر فيه الجنيه 40 % من قيمته. وهو ما يشكل تغييرا عميقا في نظام النقد الدولي لا يعرف أحد اليوم حدة تأثيره على الأسواق المالية ومن ثم على الاقتصاد العالمي.
رهانات بريطانية
بالنسبة لبريطانيا يطرح خروجها من الإتحاد الأوروبي رهانات جديدة وجب تحديها. أولها الحفاظ على المرتبة المرموقة لمركزها المالي الذي يأتي في المرتبة الثانية عالميا بعد وول ستريت. عديد البنوك المتواجدة في السيتي بدأت في تقييم خسارتها جراء قرار الخروج وإمكانية إعادة هيكلة أعمالها ومن ذلك تحويل مراكزها إلى مناطق أخرى في الإتحاد للحفاظ على معاملاتها مع دول الإتحاد في نطاق القوانين الأوروبية. وهو ما سوف يؤثر سلبا على السيتي.
الرهان الثاني يكمن في تأمين قضية الأمن القومي بحكم أن بريطانيا شريكة أساسية في البرنامج العسكري الأوروبي وخاصة في صنع الأوروفايتر و طائرة أم 400 الحربية. خروج بريطانيا من الإتحاد يفرض إعادة النظر في النظام العسكري المشترك و تكوين استراتيجيا بريطانية بديلة للأمن القومي تأخذ بعين الإعتبار الوضع الجديد و تعمل على تكوين علاقات تفاهم و تعاون مع الإتحاد الأوروبي لا تكون، بالضرورة، كلمة بريطانيا فاعلة كما هو الحال الآن.
الرهان الثالث يكمن في تدعيم وحدة المملكة المتحدة التي تضم انقلترا واسكتلندا وبلاد الغال وأيرلندا الشمالية. القضية التي تشغل بال السياسيين هي، في هذا السيناريو: تنظيم استفتاء جديد في اسكتلندا يؤدي إلى خروجها من بريطانيا مما يهدد بانفجار الوحدة الحالية. هذا السيناريو الأسود يصعب التنبؤ به لما لاستطلاعات الرأي من تقارب مما لا يمكن من تكوين صورة واضحة حول نتائج الاستفتاء التي سوف يكون لها وقع على المستوى العالمي إن تقرر لبريطانيا أن تبقى في الإتحاد الأوروبي أو أن تخرج منه.