منذ توليه الحكم حيث يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و بعد ذلك، يوم الثلاثاء، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل و رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر بدعوة من ماكرون لتوحيد الموقف الأوروبي أمام «تغول» الصين و امتداد نفوذها حتى داخل الفضاء الأوروبي المشترك إثر توقيع روما على معاهدة التحاقها بمشروع «طريق الحرير».
التخوفات الفرنسية النابعة من التقدم الصيني تتزامن، من جهة، مع تغيير الموقف الأمريكي ودعمه لسياسة انعزالية لا تخدم نظام العولمة المتبع منذ ثمانينات القرن الماضي، ومن جهة أخرى، تصدع الصف الأوروبي بانخراط إيطاليا في طريق الحرير الصينية وبتزايد التعاون مع البلدان الشرقية الأعضاء في الإتحاد الأوروبي على حساب الاندماج والتنسيق بين الدول الأوروبية . ويعمل الرئيس الفرنسي على بلورة موقف أوروبي مشترك لمواجهة المد الصيني الذي يغتنم التزامه بقوانين منظمة التجارة العالمية لتقديم بيادقه في لعبة المنافسة المفتوحة على المستوى العالمي.
يد الصين المفتوحة
قبل وصوله إلى باريس نشر الرئيس الصيني رسالة على صفحات جريدة «لوفيغارو» الفرنسية أعلن فيها حسن و تطور العلاقات بين البلدين منذ 55 عاما ،أي منذ أن تم الاعتراف رسميا بجمهورية الصين الشعبية، و حدد المحاور الأربعة التي تنوي الصين إتباعها لتدعيم العلاقات مع فرنسا: الاستقلالية، التفتح والربح المشترك، النمو المتبادل وأخيرا الاضطلاع بالمسؤولية على المستوى العالمي لفرض نظام متعدد الأقطاب يكون مفتوحا للجميع. هذه المبادئ هي ركيزة نمو الصين عبر إرساء «طريق الحرير» التي يراها البعض في أوروبا مشروع «تغول» اقتصادي تفرضه باي جين على باقي العواصم في العالم دون أن يكون لها مضاد جاهز يقيها من التبعية.
العلاقات الصينية الفرنسية، كما ذكر بها الرئيس الصيني، متينة. أكثر من 20 مليار دولار من المبادلات و 40 ألف طالب صيني في معاهد فرنسا، 100 ألف فرنسي يدرسون اللغة الصينية و معاهدات توأمة بين المدن فاقت المائة. لكن اليد الصينية الممدودة لفرنسا و باقي البلدان الأوروبية، عبر توقيع معاهدات تجارية و شراكة تكنولوجية ، تهدف في الحقيقة إلى دعم موقع الصين في التجارة العالمية. ذلك ما حصل عليه الرئيس الصيني عند توقيع اتفاقية طريق الحرير مع الجانب الإيطالي الذي يفتح له فعليا الفضاء الأوروبي و كذلك الشراكة التكنولوجية مع موناكو التي تمكن باي جين من نشر شبكة « 5 ج « للاتصالات ، المجهزة من قبل شركة «هواواي» الصينية ، بالرغم من معارضة الولايات المتحدة الأمريكية و تخوف الأوروبيين. ولتسهيل العلاقات مع ماكرون يأتي شي جين بينغ و في حقيبته جملة من العقود الجاهزة تخص شراء 184 طائرة «آيرباص» و إنشاء مفاعلات نووية جديدة و مشاريع شراء مواد غذائية للسوق الصينية.
لقاء صيني أوروبي
استدعاء ماكرون لأنجيلا ميركل و جون كلود يونكر للقاء مشترك مع الرئيس الصيني يهدف إلى بلورة موقف موحد في مسائل حيوية بالنسبة لأوروبا تتعلق بالنظام العالمي الجديد و بإصلاح منظمة التجارة العالمية و بتنفيذ قرارات قمة باريس للبيئة. وهي ملفات تشكو من عداء واضح من قبل دونالد ترامب و الإدارة الأمريكية. و لا تخفي هذه الملفات تخوف الأوروبيين من تغول الصين التكنولوجي حيث أنها تصنع، عبر شركة «هواواي» 80 % من الهواتف الجوالة في العالم و90 % من الألعاب. وهي ترغب أن تبسط عبر الطرق و المواني و القواعد الممدودة في أوروبا و افريقيا نفوذها الإقتصادي و السياسي. وهو ما يقلق القادة الأوروبيين الذي هم عرضة للمد الأمريكي الشرس وللتغول الصيني الآتي من الشرق.
القمة الأوروبية الصينية المصغرة سوف تعمل على إعطاء التوجهات العريضة لمقاربة «التعاون المتزن» بين الطرفين. وهي في الحقيقة بحث لضمان المصالح المشتركة مع الحفاظ على استقلالية القرار الوطني بدون الدخول في حرب اقتصادية. مشروع طريق الحرير أخذ أشواطا متقدمة في آسيا و إفريقيا عبر اتفاقات مع عشرة بلدان انخرطت فيه. و مع اتفاقية روما تجد أوروبا نفسها مرغمة على القبول بالأمر الواقع ولو أن فرنسا و ألمانيا، التي تربطهما علاقات متينة مع الصين، أعلنا عدم رغبتهما في الانخراط في مشاريع طريق الحرير.