في عدة مدن أوكرانية تمّ خلالها قصف مدن خاركوف، وكراماتورسك، وماريوبول، وميكولايف وأوديسا، فضلا عن كييف . وذلك في الوقت الذي هزّ فيه القصف الروسي أوكرانيا المتوجسّة من غضب الدب الروسي وكان صدى الصواريخ يتردّد في العالم برمته خاصة في القارة الأوروبيّة وسط ترقب لتطورات الأحداث الجارية التي تنبئ بمعادلات جديدة وخرائط جيوسياسية في طور إعادة التشّكل.
تسود حالة من الهلع بين سكان تلك المدن الاوكرانية التي شهدت حركة نزوح كبيرة في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن فرض حالة الطوارئ في عموم البلاد، مشددا على أن بلاده ستدافع عن نفسها، داعياً العالم إلى التحرك من جهته عقد مجلس الدفاع الفرنسي اجتماعا طارئا برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون، لبحث الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا. وقال ماكرون إن «فرنسا تدين بشدة قرار روسيا إعلان الحرب، وتطالبها بوقف عمليتها فورا». وشدد على أن بلاده «تتضامن مع أوكرانيا، وتقف إلى جانب الأوكرانيين، وتعمل مع شركائها وحلفائها على إنهاء الحرب».
محطة حاسمة
يمكن اليوم اعتبار هذه الحرب الروسية بمثابة محطة حاسمة لموسكو تحاول من خلالها ان تعطي للعالم اشارات بانها أصبحت دولة وازنة وقادرة على التأثير في مسار التطورات الدولية. وقد تكون مآلات هذه الحرب هي التي ستحدد مدى الحضور الذي سيكون لروسيا على المستوى العالمي.
وأثار الهجوم العسكري الروسي زوبعة من ردود الأفعال العالمية باعتبار ان امتداداته لن تطال اوكرانيا فحسب بل اوروبا والعالم برمته نظرا للثقل الذي تمثله موسكو سياسيا واقتصاديا وعسكريا . ويملك الغرب -اليوم- ورقة العقوبات الاقتصادية في حين يسعى بوتين للسيطرة على الميدان في أقوى المعادلات التي تريد ان تتحكم فيها موسكو بالقرار في أكثر من بقعة وأكثر من ملف في العالم.
ووفق ما أعلن حرس الحدود الأوكراني فإن القوات البرية الروسية دخلت اوكرانيا من اتجاهات عدة، وذلك بعد ساعات من إعلان الرئيس فلاديمير بوتين عن شن هجوم على البلاد. وأوضحت قوات حرس الحدود الأوكرانية في بيان لها أن دبابات روسية ومعدات ثقيلة أخرى عبرت الحدود في مناطق شمالية عدة، كذلك من شبه جزيرة القرم التي ضمها الكرملين من جنوب أوكرانيا.
تاريخ من الحروب
بين اوكرانيا وروسيا علاقات كبيرة وتاريخ مشترك يمتد على أكثر من الف عام، انطلاقا مما سمي بـ«روسيا الكييفية» في القرون الوسطى وصولا الى الاتحاد السوفياتي والامبراطورية الروسية. وبعد الثورة البلشيفية، أصبحت أوكرانيا جمهورية سوفياتية، لكن منذ استقلال البلاد في 1991، تصاعد التوتر بين موسكو وكييف تدريجيا، وبلغ ذروته في سنة 2014. في هذه الأثناء، ضمت موسكو شبه جزيرة القرم في جنوب البلاد، وظلت تدعم منذ ذلك الحين متمردين انفصاليين موالين لروسيا في شرق البلاد في صراع أسفر عن مصرع أكثر من 14 الف شخص. وفي وقت سابق هذا الشهر وبعد حشد عشرات الآلاف من الجنود على الحدود الأوكرانية، اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 21 فيفري باستقلال جمهوريتين انفصاليتين وأمر بنشر قوات هناك. ويمكن اعتبار هذه الحرب الجديدة ردا على محاولة اوكرانيا الخروج من العباءة الروسية
أسباب وتداعيات
تحمل هذه الحرب تداعيات كبيرة سياسية وعسكرية واقتصادية. فعلى المستوى الاقتصادي، من شأن تعليق حركة السفن في بحر آزوف والتأثير على حركة الملاحة العالمية، خاصة وان روسيا تشحن حبوبها بالأساس من موانئ البحر الأسود وهي أكبر مصدّر للقمح في العالم . وتصدّر روسيا وأوكرانيا 29 % من صادرات القمح العالمية و19 % من إمدادات الذرة و80 % من زيت دوار الشمس. علاوة على ذلك سجلت أسعار الطاقة في أوروبا ارتفاعات حادة.
ويرى المحلل المختصّ في الشؤون الروسية ادريس لكريني في تصريح لـ«المغرب» أنّ أسباب اشتعال الأزمة تعود الى تراكمات ومجموعة من الأحداث المرتبطة أسبابا بالتخوفات التي أبدتها روسيا في ما يتعلق بتوسع «شمال الأطلسي» داخل منطقة اوروبا الشرقية في البداية لتطال دولا من الاتحاد السوفياتي المنهار. ويضيف: «وتعبر روسيا اليوم بشكل واضح عن رفضها للتوجهات الاوكرانية للانضمام الى شمال الاطلسي. هذا الانضمام الذي تعتبره تهديدا لأمنها الاستراتيجي خاصة اذا استحضرنا العلاقات التاريخية وطبيعة الموقع الجغرافي لأوكرانيا بالنسبة لروسيا». ويتابع: «هناك مجموعة من الأحداث التي حدثت على امتداد العقدين الماضيين مثل الثورة البرتقالية التي كان فيها الغرب وروسيا يسعيان الى بروز نظام موال لهما . اضافة الى الأزمة الناجمة عن التموقع العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم في عام 2014 بالصورة التي دفعت الكثير من الدول الغربية الى فرض عقوبات على روسيا. بالإضافة إلى التوجهات الأخيرة التي اعتبرت روسيا أنّها تهدف الى منع انضمام كييف الى الناتو . ولا يمكن ان نتحدث عن الأزمة بكل هذه المتغيرات التي تعتبر المسؤولة عن بروز الأزمة واشتعالها بالشكل الحالي».
أية سيناريوهات ممكنة ؟
أما عن السيناريوهات المنتظرة يجيب الباحث المختص في الشأن الروسي: «وصلت الأزمة اليوم الى درجة كبيرة من الاحتقان يحاول من خلالها كل طرف أن يحقق مكاسب كما يراها. فروسيا تريد ان تمنع اوكرانيا من السير قدما نحو الانضمام الى حلف شمال الاطلسي. فيما تسعى الولايات المتحدة والدول الغربية الى محاصرة روسيا من خلال تموقع حلف شمال الاطلسي داخل اوكرانيا. وتريد روسيا نفسها ان تبرز للعالم انها أضحت قوة عسكرية واقتصادية ودولة وازنة قادرة على فرض قطبيتها في النظام الدولي الراهن، الى جانب الولايات المتحدة وأقطاب أخرى كالصين. وتريد اوكرانيا ان تثبت للعالم بأنها دولة ذات سيادة وأنها ليست تحت الإمرة أو الهيمنة الروسية».
لذلك رغم ما وقع من تطوّرات وتحولات يرى الباحث ان الحرب الحالية ستكون محدودة ولا يمكن ان تصل الى حرب مفتوحة على اعتبار ان الجميع يستعدون للمحافظة على مصالحه. فروسيا خرجت للتو من مجموعة من إشكالياتها الداخلية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية . أما الغرب فيبدو غير مستعد لفتح جبهة جديدة تذكّر بأزمة يوغوسلافيا السابقة التي أرقت الغرب وكانت لها انعكاسات خطيرة بالنسبة للأمن الاوروبي . وتوقع بان تنتهي الحرب كما انتهت اليه أزمة كوبا لحفظ ماء الوجه للجميع عبر توافقات يمكن ان تضمن أمن اوكرانيا مقابل عدم انضمامها الى حلف شمال الأطلسي وإعطائها مكانة محايدة من النزاع الغربي الروسي.
اليوم هناك ترتيبات دولية تؤشّر الى امكانية بروز نظام دولي جديد بموازين وبتحالفات مغايرة ستكون مخالفة للنظام الأحادّي الذي فرضته الولايات المتحدة منذ سنة 1990 أي من «النظام الأحادي» الى «النظام التعددي» الذي قد تلعب فيه كل من الصين وروسيا أدوارا هامة اضافة الى جانب الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية .
اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا والعالم يترقب: ردود الفعل الدوليّة....الترسانة العسكرية الروسيّة الأوكرانيّة ... المعادلات الجديدة والسيناريوهات المنتظرة
- بقلم المغرب
- 10:15 25/02/2022
- 546 عدد المشاهدات
إعداد روعة قاسم ووفاء العرفاوي وزين العابدين حمدة
في مشهد يعيد الى الأذهان ويستحضر أحداث الحرب الباردة بكل تحولاتها وانعكاساتها ، أطلقت أمس روسيا عملية عسكرية