رئيس النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين عدنان حسين في حوار خاص لـ « المغرب»: العنف الطائفي لا يتوقف إلا بإبعاد الدين عن السياسة وعدم تمكين الاسلام السياسي من تولّي السلطة

قدم رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة «المدى» اليومية العراقية المستقلة و رئيس النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين عدنان حسين رؤيته للمشهد السياسي والأمني في العراق اليوم . واوضح في حوار شامل لـ «المغرب» مباشرة من بغداد ان الاحتجاجات الشعبية ما تزال متواصلة

في بلاده من اجل الاصلاح معتبرا ان الطبقة السياسية تعمل على التهرب من هذه الاستحقاقات، فعمدت إلى شلّ عمل البرلمان وعرقلة تشكيل حكومة جديدة تضم أغلبية من التكنوقراط المستقلين والنزيهين . وقال ان هناك حربا ضارية ضد الإرهاب، وبخاصة تنظيم داعش الارهابي، الذي لم يزل يحتلّ مساحة كبيرة من البلاد ومدناً رئيسية بينها الموصل والفلوجة. واكد ان كل دول الجوار العراقي لها نفوذ قوي في العراق، وبخاصة ايران التي تدعم الاحزاب والميليشيات الشيعية وتركيا والسعودية اللتين تدعمان الاحزاب السنية.

• كيف ترون الوضع في العراق وقراءتكم لمعركة تحرير الفلوجة؟

الوضع في العراق سيّئ، بل من أسوإ ما يكون، سياسياً في المقام الأول وأمنياً واقتصاديا واجتماعياً... الحال في العراق على هذه الاصعدة تراجعت كثيراً عما كانت عليه في الماضي ، وبخاصة قبل عقد الثمانينيات من القرن الماضي، حيث كان الركب الحضاري المدني يتقدم بسرعة مناسبة في ظل وفرة مالية متأتية من ثروة النفط، واقتصاد متنوع. العراق يعاني الآن من أزمة سياسية حادة لم تنجح الطبقة السياسية الحاكمة، وهي تتألف من قوى الإسلام السياسي السني والشيعي، في حلها والخروج منها، ما أدى الى إدخال الناس في مأزق شديد. البرلمان مُعطّل، والحكومة ناقصة وشبه معطلة أيضاً ومتدنية الفعالية، والسبب أنه بعد عشرة أشهر من الحركة الاحتجاجية المتواصلة المٌطالِبة بإصلاح النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والإثنية ومكافحة الفساد الإداري والمالي المنفلت

والمستشري في كل اركان الدولة والمجتمع وتوفير الخدمات العامة الأساس، الكهرباء والماء والصحة والتعليم والسكن والنقل، ومعالجة الارتفاع في مستوى البطالة وازدياد رقعة الفقر في المجتمع.. بعد كل هذا تعمل الطبقة السياسية الان على التهرب من هذه الاستحقاقات، فعمدت إلى شلّ عمل البرلمان وعرقلت تشكيل حكومة جديدة تضم أغلبية من التكنوقراط المستقلين والنزيهين، والهدف الحؤول دون تحقيق الإصلاح الذي وعدت به الحكومة والبرلمان في العام الماضي بعد اندلاع حركة الاحتجاجات الشعبية.
على صعيد الأمن هناك حرب ضارية ضد الإرهاب، وبخاصة تنظيم داعش، الذي لم يزل يحتلّ مساحة كبيرة من البلاد ومدناً رئيسية بينها الموصل والفلوجة. كما ان هذا التنظيم لم يزل يحتفظ بالقابلية للقيام بعمليات إرهابية مروّعة داخل المدن بما فيها العاصمة بغداد،

ويرجع هذا إلى عدم فعالية الأجهزة الأمنية بسبب الفساد المستشري فيها كما في سائر أجهزة الدولة المدنية والعسكرية.
معركة الفلوجة تأخرت كثيراً، فهذه المدينة القريبة جداً من بغداد (60 كيلو متراً) كانت أول مدينة يجتاحها داعش ويحتلها في مطلع 2014. الطبقة السياسية الحاكمة المشغولة بمحاصصاتها وامتيازاتها وصراعاتها الطائفية، والحكومة الغارقة في فسادها، لم تعملا على صدّ داعش وتحرير المدينة منه، ما أغراه وشجّعه بعد خمسة اشهر على اجتياح واحتلال ثلث مساحة البلاد. حتى الآن تمضي معركة تحريرها على نحو مُرضٍ، لكنها ستكون بكلفة كبيرة، فالفلوجة كما المدن الأخرى تتعرض للدمار بسبب الحرب.

• لو توضح لنا خارطة وجود داعش الارهابي واسباب انتشاره في البلاد؟
كان داعش يحتلّ ثلث مساحة البلاد، القسم الغربي كله وأجزاء من مناطق شمال بغداد وصولاً الى الحدود مع إيران شرقي محافظة ديالى الواقعة الى الشمال الشرقي من بغداد.. في الاشهر الاولى نجح داعش في عزل العاصمة ووسط البلاد وجنوبها عن الغرب والشمال ولم يكن في الامكان الانتقال الى اقليم كردستان الا عن طريق الجو. الآن استعادت قوات الجيش والشرطة والبيشمركة الكردستانية والحشد الشعبي اكثر من نصف المساحة المحتلة، واذا تحررت الفلوجة يكون داعش قد خسر محافظة الأنبار كلها ومحافظة صلاح الدين ولم يعد لديه سوى مدينة الموصل ومناطق أخرى من محافظة نينوى. ولكن داعش لم يزل يستطيع القيام بعمليات إرهابية انتحارية داخل مدن الوسط والجنوب.

السبب الأول والسبب الثاني والسبب الثالث لاجتياح داعش وتمدده على هذه الرقعة الكبيرة من العراق وبقائه في القسم الأعظم منها حتى اليوم، تعود الى الفساد الإداري والمالي في جهاز الدولة العراقية، بما فيه المؤسسة العسكرية والأمنية. بعد ذلك تأتي الأسباب الأخرى: بناء المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية بعد 2003 لم يكن على الأسس الوطنية والمهنية وانما على وفق نظام المحاصصة الطائفية والاثنية الذي حكم العملية السياسية وبناء الدولة. الصراع المشتدّ بين اطراف العملية السياسية من أجل السلطة والنفوذ والمال كان سبباً آخر لنجاح داعش وفشل الدولة العراقية في مواجهة خطره.

• رؤيتكم لاصلاحات العبادي ؟
عندما شكّل العبادي حكومته في نهاية صيف 2014 قدّم برنامجاً اشتمل على اصلاحات سياسية وادارية، لكنه لم يفِ بوعده. وبعد أن انطلقت الحركة الاحتجاجية الإصلاحية في منتصف صيف 2015 قدّم بعد 10 أيام حزمة اصلاحات جيدة، وتبارى معه البرلمان في تقديم حزمة أخرى. لكن لم يتحقق شيء حتى الآن من الحزمتين.. من الواضح ان العبادي ليس رجل إصلاح . رجل الاصلاح هو الذي يطرح مشروعاً اصلاحياً واضحاً ومحدداً ثم يبدأ بتنفيذه من دون تردد. العبادي ظهر لنا انه ذو شخصية مترددة وخائفة من الاصلاح، وربما هو لا يرغب بالإصلاح في الأساس. ولهذا بوسعي القول أن لا أمل في إصلاح على يديه. بالطبع مما يساعده في هذا أن الطبقة السياسية الحاكمة تناهض الإصلاح، لأنه يقضي على امتيازاتها المالية والســـــلطوية المتحققة من خلال نظام المحاصصة الذي تسعى الحركة الاصلاحية لاطاحة به وفتح الطريق أمام نظام ديمقراطي حقيقي.

• هل هناك ثورة جديدة في العراق ضد الطائفية وفساد السياسيين؟
أظن اذا لم تبدأ عملية الإصلاح خلال سنة من الان ستكون هناك حركة احتجاجية أكثر شدّة، فالناس في حال الغضب وخيبة الأمل الان.. وفي ظروف كهذه لا أحد يستطيع أن يضبط ايقاع الاحتجاجات. يمكنها ان تتحول الى عصيان مدني منضبط أو فوضى لاحت ملامحها في الاسابيع الأخيرة عندما اجتاح المتظاهرون المنطقة الخضراء المحصّنة في بغداد ودخلوا الى مكاتب البرلمان ومجلس الوزراء... الأمر يمكن ان يتكرر على نحو أشد في بغداد وسائر المدن الكبرى.

• كيف يمكن مواجهة العنف الطائفي المتفشي في المنطقة؟
مهما قدمنا من اقتراحات وحلول فان العنف الطائفي لا يتوقف إلا بإبعاد الدين عن السياسة وعدم تمكين الاسلام السياسي من تولّي السلطة، لأن احزاب الاسلام السياسي طائفية بالضرورة ووجودها في السلطة يسعّر نار العنف والحروب الطائفية. مواجهة العنف الطائفي تتحقق فقط باقامة أنظمة ديمقراطية حقيقية. لدينا الآن في تونس مثال يمكن الاحتذاء به، لكن لم يزل امام الديمقراطيين في تونس عمل الكثير لترسيخ القيم الديمقراطية في المجتمع لتحصين النظام الديمقراطي.

• ما هي القوى المسيطرة اليوم على المشهد؟
القوى المسيطرة على المشهد في العراق هي قوى الإسلام السياسي، الشيعية بالدرجة الأولى ثم السنية، وكل ما يجري في البلاد هو انعكاس للصراع السياسي – الطائفي بين هذه القوى.

• ما تقييمكم للدور الخارجي في الملف العراقي والى اي مدى يمكن اعادة الديمقراطية الى سكتها؟
كل دول الجوار العراقي لها نفوذ قوي في العراق، وبخاصة ايران التي تدعم الاحزاب والميليشيات الشيعية وتركيا والسعودية اللتين تدعمان الاحزاب السنية. من دون هذا الدعم ما كان للصراع السياسي – الطائفي في العراق أن يأخذ هذا المنحى الحادّ الدموي. الولايات المتحدة هي الأخرى لها نفوذ قوي لكنه لم ينجح في ضبط الصراع الشيعي – السني بسبب دعم الأطراف الاقليمية لقوى الصراع المحلية.
لم تنشأ الديمقراطية بعد في العراق لكي يمكن اعادتها الى السكة. الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في العام 2011 لبضعة اسابيع والمتواصلة الآن منذ الصيف الماضي تهدف الى وضع قطار الديمقراطية في محطته الاولى لكي ينطلق على السكة.. أحزاب الاسلام السياسي تقف بقوة وعناد ضد قيام النظام الديمقراطي، لأنها تُدرك أنها ستخسر السلطة والنفوذ والمال.

• المشهد الاعلامي في العراق اليوم وتقييمكم لواقعه؟
بعد حقبة طويلة جداً من الحكم الشمولي في عهد حزب البعث الذي صادر كل الحريات وفي مقدمتها حرية التعبير، كفل الدستور المستفتى عليه في نهاية 2005 حرية التعبير ولم يقيّدها بأي قيد.. هذا نظرياً، لكن عملياً لم تزل حرية التعبير، وبينها حرية الاعلام، مقيّدة بقوانين نظام صدام نفسها. محكمة قضايا الإعلام والنشر، مثلاً، تجري محاكماتها للكتاب والإعلاميين وللمؤسسات الإعلامية استناداً الى قوانين نظام صدام. ذات مرة سألتُ أحد قضاة هذه المحكمة، وكنت أنا أحد الصحفيين والكتاب الذين رُفعت دعاوى ضدّهم أمامها: كيف تحاكموننا نحن معارضي نظام صدام وانصار النظام الجديد بقوانين صدام؟ لماذا إذن ناضلنا ضده وعملنا لاسقاطه؟ فكان ردّه : أنا قاض وعندما تُرفع إليَّ قضية لابدّ أن أحكم فيها بموجب قانون نافذ، وليس لديّ من قوانين نافذة غير قوانين صدام. مجلس النواب لم يشرّع قوانين جديدة لكي أعمل بها ولم يلغ قوانين صدام لكي اتجنب الحكم على أساسها.

مع هذا فان ثمة هامشاً مناسبا من الحرية فرضناه نحن الصحفيين والكتاب الديمقراطيين ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالحريات والحقوق، لكن سيف قوانين صدام لم يزل مسلطاً على رؤوسنا، كما ان المؤسسات الدينية والميليشيات المسلحة ومافيات الفساد الاداري والمالي تُعدّ من الكوابح الاساسية للتمتع بحرية تعبير حقيقية، في غياب قوانين تضمن حقوق الصحفيين وتتيح لهم حرية الحصول على المعلومات.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115