ويمكن القول انها كانت سنة الكورونا والتطبيع العربي بامتياز . فقد ضرب إعصار التطبيع عديد الأقطار العربية بكل ما يمثله ذلك من ضرب للقضية الفلسطينية ولكل الثوابت الإنسانية والقانونية والأخلاقية التي تربى عليها جيل كامل من العرب بعد سلسلة من الحروب العربية «الإسرائيلية» امتدت لعقود. فكان عام المتغيرات السياسية والاقتصادية الاجتماعية وعام التحولات على صعيد السياسات الداخلية لدول المنطقة وتأثرها بملفات هامة لازالت تشغل صنّاع الرأي العربي والدولي مثل الملف السوري القضية الفلسطينية الأزمة اليمنية.. والملف العراقي واللبناني وصراع النفوذ الايراني الخليجي.. كل هذه الملفات تأثرت كغيرها من ملفات العالم الحساسة بآفة فيروس «كورونا» الذي شغل العالم وأثقل كاهل اقتصادات الدول العربية بصفة خاصة كما أظهر شرخا عميقا في المنظومات الصحية لهذه الدول.. ورغم أن تأثيرات الجائحة المرهقة وتداعياتها المرتقبة - نظرا لاستمرار سياسات الإغلاق- لم تتوقف عجلة حرب النفوذ الايراني الخليجي «الاسرائيلي» بل شهدت سياسة التطبيع مع كيان الإحتلال نسقا حثيثا بعد انضمام عدد من الدول إلى صفوف المطبعين في خطوة لاقت انتقادات فلسطينية حادة.. كما استمرت المعارك في سوريا بمشاركة لاعبين وفاعلين دوليين على غرار روسيا وإيران وتركيا وفي غياب اي تقدم ملحوظ قد ينهي 10 سنوات من الحرب..
لبنان والعراق واليمن تشاركت بدورها في عام صعب كباقي دول العالم.. إذ عانت بلاد الأرز من أزمة اقتصادية خانقة قاربت فيها على الإفلاس مرفوقة بتخبط سياسي عجزت خلاله النخبة عن تشكيل حكومة.. في حين استمر العراق في تخبطه السياسي وفشله في اتباع سياسة النأي بالنفس عن صراع أمريكي إيراني يدور على أراضيه.. فيما تنفست اليمن الصعداء في موفى العام 2020 بعد الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة وسط آمال بانتهاء الحرب..
وشهد العام 2020 العديد من الأحداث أهمها جائحة كورونا التي تسببت بإصابة أكثر من 80 مليونا حول العالم بالإضافة إلى وفاة أكثر من مليون و 700 ألف شخص، وكان تفشي جائحة كورونا الحدث الأبرز لهذا العام. ويعلق العالم العربي آمالا كبيرة على العام المقبل بعد الإعلان عن عدد من اللقاحات وبدء مرحلة التطعيم رغم المخاوف من سلالات جديدة للفيروس... وفي انتظار مرحلة جديدة من العلاقات والمتغيرات بعد انتهاء ولاية رئيس أمريكا دونالد ترامب وصعود خصمه الديمقراطي جو بايدن وما يمكن أن يحمله الأخير في جعبته للمنطقة العربية.
فلسطين 2020..قطار التطبيع مرّ عبر عدة دول عربية وخليجية
من أكثر الملفات تأثرا على صعيد الشرق الأوسط القضية الفلسطينية التي شهدت عام 2020 متغيرات قاسية على الشعب الفلسطيني،نظرا لما حملته من خطط إسرائيلية-أمريكية تهدف إلى تصفية قضيتهم، كانت في مقدّمتها «صفقة القرن» المزعومة. كما يسدل هذا العام ستاره على واقع التطبيع العربي المتصاعد مع «إسرائيل» الذي يشكل تهديدا للقضية الفلسطينية من الجوانب «السياسية والاقتصادية والأمنية»، حيث انضمت عدة دول عربية إلى قطار التطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني وذلك برعاية الولايات المتحدة الأمريكية. ومن بين الدول التي أعلنت رسميا عن تطبيع العلاقات مع «اسرائيل» كانت الإمارات العربية المتحدة ثم البحرين فالسودان والمغرب ،مع العلم أن تقارير اعلامية تؤكد أن عدة دول عربية أخرى ستنضم إلى قافلة المطبعين وذلك إما لغايات ومصالح أو خضوعا لضغوطات تفرضها واشنطن.
صفقة القرن
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 28 جانفي 2020 عن خطة السلام للشرق الأوسط المزعومة، والمعروفة إعلاميا بـ»صفقة القرن».وتضمنت الخطة إقامة دولة فلسطينية في صورة «أرخبيل» تربطه جسور وأنفاق، وعاصمتها «في أجزاء من القدس الشرقية»، مع جعل القدس المحتلة عاصمة موحدة لـ«إسرائيل».
وأبقت الخطة لـ«إسرائيل» المسؤولية الأمنية العليا على دولة فلسطين، على أن تكون الأخيرة منزوعة السلاح، ولن تضطر «إسرائيل» إلى اقتلاع أي مستوطنة من الضفة الغربية أو القدس الشرقية المحتلة
خطة الضم
اعتزمت الحكومة الإسرائيلية خلال 2020 خطة لضم أجزاء واسعة من الضفة لسيادتها، وكان من المقرر أن تشرع بتنفيذها في الأول من جويلية 2020، لكنّها أجّلتها لأسباب غير معلنة.وقالت الولايات المتحدة، في 29 أكتوبر الماضي، على لسان آفي بيركوفيتش، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، إنه تم «تأجيل خطة الضم الإسرائيلية، إلى حين استكمال عمليات التطبيع بين «إسرائيل» ودول عربية».
وتشمل الخطة الإسرائيلية ضم منطقة غور الأردن وجميع المستوطنات، وهو ما يعادل نحو 30 % من مساحة الضفة المحتلة. واحتجاجا على تهديدات الضم، انسحب الفلسطينيون في 20 ماي الماضي، من الاتفاقيات والالتزامات مع تل أبيب وواشنطن، لكنهم أعادوا العمل بها في 17 نوفمبر ، عقب تلقيهم رسالة رسمية من الحكومة الإسرائيلية تعلن فيها عن التزامها بالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير.
وقد تسارعت وتيرة الاستيطان في الضفة، حيث قالت منظمة التحرير الفلسطينية إن عدد الوحدات الاستيطانية التي وافقت تل أبيب على بنائها خلال 2020، بلغت نحو 12 ألف و159 وحدة.
المصالحة الفلسطينية
انتهى عام 2020 بتعثّر جهود المصالحة الفلسطينية بين حركتي «فتح» و«حماس»، بسبب اختلافهما على آلية إجراء الانتخابات العامة، وتوقيتها.وكانت الحركتان قد تقاربتا في إطار مواجهة صفقة القرن وخطة الضم الإسرائيلية، حيث عقدتا عددا من اللقاءات الافتراضية، قبل عقد اجتماعات مباشرة في تركيا وفي مصر.
ولكن هذه الاجتماعات لم تؤد إلى مصالحة حقيقية، بسبب الاختلاف على مواعيد وآليات إجراء الانتخابات، فحركة فتح تطالب بانتخابات تشريعية (برلمانية)، ثم رئاسية، وأخيرا انتخابات المجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير يمثل الفلسطينيين بالخارج).لكن «حماس» تطالب بإجراء جولات الانتخابات الثلاث بشكل متزامن.
تفاهمات التهدئة
على الصعيد الميداني في غزة، شهد عام 2020، وفق مراقبين عسكريين، هدوءا نسبيا مقارنة بالأعوام السابقة، لأسباب متعلقة بكورونا.
وكان رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيف كوخافي، قال في تصريحات صحفية سابقة، إن «كمية الصواريخ التي أطلقت نحو اسرائيل أقل من العام الماضي».
في المقابل، شهدت تفاهمات التهدئة، التي تم التوصل إليها عام 2018 بين حماس وإسرائيل (برعاية مصرية وأممية وقطرية)، تعثرا في ظل مماطلة الجانب الإسرائيلي في الالتزام ببنودها، وفق تصريحات سابقة لحركة «حماس».
لبنان في 2020.. «انفجار» المشهد وفشل في تشكيل حكومة
لبنان كغيره من الدول العربية ودول العالم عانى من ويلات داخلية عدة وتداعيات ملفات خارجية اقتصاديا او سياسيا. بين هبوط قيمة العملة الوطنية، وارتفاع التضخم لمستويات تاريخية، وشُح حاد في وفرة النقد الأجنبي، يقترب لبنان من الوصول إلى نهاية عام يعتبر الأسوأ منذ الحرب الأهلية (1975 - 1990) إن لم يكن الأسوأ على الإطلاق.
الأزمات الاقتصادية رغم صعوبتها يمكن معالجتها وإعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي، إلا أن الطبقة السياسة ما زالت عاجزة عن تشكيل حكومة منذ أربعة أشهر، تخلف حكومة حسّان دياب، التي استقالت أوت الماضي عقب انفجار ضخم في مرفإ بيروت.وفي 22 أكتوبر2020 ، كلّف الرئيس اللبناني ميشال عون رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، عقب اعتذار سلفه مصطفى أديب، لتعثر مهمته في تشكيلها. ومنذ أواخر 2019، بدأت بوادر الأزمة الاقتصادية تتبلور في لبنان، مما أدى ببعض المودعين إلى سحب أموالهم من المصارف أو تحويلها إلى خارج لبنان.
ونتيجة لذلك، بدأ شُح العملات الأجنبية وتحديداً الدولار في المصارف يظهر جليا داخل الأسواق، بعد صدور مجموعة قرارات مصرفية تتعلّق بوضع حد للسحوبات بالدولار، وتعميم من مصرف لبنان لاقتصار فتح اعتمادات بالدولار لأغراض استيراد المحروقات والقمح والأدوية. ونظراً إلى أن معظم السلع يتم استيرادها من الخارج وتدفع أثمانها بالدولار الأمريكي الذي ارتفع بشدة مقابل العملة الوطنية (الليرة) ظهرت «السوق السوداء» التي سُجلت فجوات كبيرة بين أسعارها وسعر السوق الرسمية.
هبوط قيمة الليرة: فقدت الليرة اللبنانية 78 % من قيمتها في العام الحالي. فبعد أن كان الدولار الواحد يساوي 1500 ليرة، وصل هذا العام إلى 9000 ليرة في السوق السوداء.
التدقيق الجنائي: وفي محاولة لمعرفة سبب الانهيار وكشف المسؤولين عنه، وافقت الحكومة اللبنانية في جويلية الماضي على فتح تدقيق جنائي في حسابات المصرف المركزي، وكلفت للغاية شركة دولية «الفاريز أند مارسال».
ويستهدف التدقيق الجنائي المالي عادة التوصل إلى مستندات أو معلومات لملاحقة مشتبه فيهم بالتلاعب أو الهدر المالي، حيث يتم عرض تلك المستندات أمام المحكمة.وهو مطلب أساسي للجهات الدولية المانحة و«صندوق النقد الدولي» من أجل مساعدة لبنان على الخروج من الانهيار المالي.
انفجار مرفإ «بيروت»
انفجار بيروت 2020 أو انفجار مرفأ بيروت 2020 وأُطلِق عليه مصطلح بيروتشيما تشبيهًا بما جرى لمدينة هيروشيما جراء الانفجار النووي، هو انفجار ضخم حدث على مرحلتين في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت عصر يوم الثلاثاء 4 أوت 2020 نتجت عنه سحابة دخانية ضخمة على شاكلة سحابة الفطر ترافقت مع موجة صادمة هزّت العاصمة بيروت، مما أدّى إلى أضرار كبيرة في المرفإ وتهشيم الواجهات الزجاجية للمباني والمنازل في معظم أحياء العاصمة اللبنانية بيروت، وقد أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية بأن عدد الجرحى كبير ولا يُحصى، هذا وسجّلت وزارة الصحة اللبنانية (تباعًا)، مقتل أكثر من 204 شخصًا وإصابة أكثر من 6500 آخرين، في حين لا زال تسعة أشخاص في عداد المفقودين، وأُعلن عن تضرّر مباشر لنحو 50 ألف وحدة سكنية، وبات نحو 300 ألف شخص بلا مأوى، وقدر محافظ بيروت الخسائر المادية الناجمة عن الانفجار ما بين 10 إلى 15 مليار دولار أمريكي.
وقد امتدت الأضرار إلى آلاف المنازل على بعد كيلومترات من موقع الانفجار، وكشفت الجهات الأمنية اللبنانية أن سبب الانفجار «مواد شديدة الانفجار» كانت مخزنة في المرفإ منذ أكثر من ست سنوات، وليس كما أشيع في الإعلام عن وجود مفرقعات أو أسلحة. وقد أعلن محافظ بيروت مروان عبود العاصمة «مدينة منكوبة»، ووصف الانفجار بأنه «أشبه بالقصف الذري على هيروشيما وناغازاكي»، في حين أعلن رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب يوم الأربعاء 5 أوت 2020 «يوم حداد وطني»، ودعا الرئيس اللبناني ميشال عون المجلس الأعلى للدفاع إلى اجتماع طارئ في قصر بعبدا في مساء يوم الثلاثاء 4 أوت، لبحث الانفجار، وقد نتجت عن الاجتماع توصية رُفعت إلى الحكومة لإعلان حالة الطوارئ.
بعد أقل من أسبوع على وقوع الانفجار، في 10 أوت، أعلن رئيس الوزراء حسان دياب عن تقديم استقالة حكومته، والتي سبقتها استقالة أكثر من وزير وعدد من النواب
اغتيالات في 2020
شهد عام 2020، سلسلة اغتيالات في العديد من الدول وعلى أصعدة متنوعة، لشخصيات سياسية وعسكرية هامة في الفترة المعاصرة، وكان لهذه أثر في تغيير معالم التاريخ في عدة حالات، وسواء نفذت تلك الاغتيالات بأيادٍ أجنبية أو محلية، فقد كان لها تأثير كبير حيث أدت في بعض الأحيان إلى إجهاض جهود السلام الواعدة أو تأجيج الصراعات والتأسيس لقيادات جديدة.
اغتيال العالم محسن فخري زاده
شكَّل اغتيال العالم الإيراني النووي محسن فخري زاده ضربة قوية لإيران ونظامها الأمني، وكشف عن مدى الاختراق الأجنبي للداخل الإيراني؛ سواء من قبل معارضة إيرانية تتحرك في الخارج ولها امتدادات محلية في الداخل، أو من قبل «إسرائيل» والولايات المتحدة وعملائهما المحترفين، وذلك رغم كل القيود والإجراءات المُحكمة المطبقة في عموم البلاد. ويأتي اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده في إطار سلسلة من الاغتيالات التي طالت علماء نوويين إيرانيين كبار بلغ عددهم خمسة منذ 2010. وكانت الطريقة المستخدمة لاغتيال هؤلاء العلماء تقريبا متشابهة، إما عبر متفجرات زرعت في سيارات أو عبر إطلاق نيران من سيارات عابرة. يعتبر محسن فخري زاده، البالغ من العمر 59 عامًا، القوة الدافعة وراء برنامج الأسلحة النووية الإيراني لمدة عقدين، وكان فخري هدفاً للموساد الإسرائيلي منذ فترة طويلة، حسب ما أشار إليه موقع جريدة نيويورك تايمز.وفي عام 2008، أُضيف اسمه إلى قائمة المسؤولين الإيرانيين الذين أمرت الولايات المتحدة بتجميد أصولهم.
مقتل قائد فيلق القدس
قتل قائد فيلق القدس الجناح الدولي للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بغارة أمريكية كشف عن شكل المواجهة لعمليات ظلت إيران تتباهى بإدارتها في عدد من البلدان المجاورة، وبين معارضيها الذين تتعدد انتماءاتهم بينهم شعوب أطلقت شعارات ضد تدخلات سليماني في سوريا والعراق واليمن ولاعبين إقليمين ودوليين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.لم يكن قاسم سليماني «جنرال الظل» و»الجنرال الشبح» أو «حفيد قوروش» كما يصفه الإعلام الإيراني، مسؤولاً عادياً في ايران بل كان مخضرما. تفاصيل شكلت منعطفا في مسار الأحداث، وضربة قاصمة للمليشيات الإيرانية في العراق، مما جعل مراقبين يعتبرونها بمثابة الحدث الأبرز لعام 2020، ونقطة الارتكاز في تسلسل مجرياته، محليا وإقليميا وحتى دوليا.