أرسل البيت الأبيض فيلقا من الطائرات المقنبلة ب 52 الشهيرة وحاملة الطائرات المقاتلة أبراهام لينكولن. و أمهل الرئيس الإيراني الدول الموقعة لإتفاق عام 2015 (فرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا والصين وروسيا) ستين يوما حتى «تفعل التزاماتها، خاصة في مجالات البترول والبنوك».
وكانت طهران قد أشعرت سفارات الدول المعنية بالموقف الرسمي الإيراني عبر بيان من وزارة الخارجية. سنة بعد قرار دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي و فرض عقوبات مشددة على إيران، تدخل الأزمة الأمريكية الإيرانية منعطفا جديدا في أجواء مشحونة بين أوروبا و الولايات المتحدة من جهة و باي جين و واشنطن من جهة أخرى في خصوص العلاقات الاقتصادية مع القوة العظمى إضافة إلى تزايد النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط. و أوضح وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، الذي كان في زيارة لموسكو للتشاور، أن «إيران لن تنسحب من الاتفاق النووي» و أن الإجراءات الإيرانية هي مجرد «حق» لكل الأطراف في صورة عدم الوفاء بالبنود الموقعة. و كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أكدت أكثر من مرة التزام طهران بكل بنود الاتفاق.
موقف إيراني تكتيكي
القرار الإيراني تعلق بعدم ترحيل المواد المخصبة من اليورانيوم و الماء الثقيل وتخزينها في إيران خلافا للاتفاق المبرم عام 2015 الذي حدد نسبة اليورانيوم المخصب الذي يمكن تخزينه في إطار البرنامج النووي السلمي. و يعتقد الملاحظون في الشأن الإيراني أن هذه الخطوة تهدف إلى الضغط على الجانب الإوروبي لشق الصف الغربي وعزل الولايات المتحدة و إظهارها في صورة «المعتدي».
و أوردت وكالة الأنباء الإيرانية يوم الاثنين 6 ماي خبرا مفاده أن إيران سوف تسترجع قدرتها على مواصلة بعض المجالات المتعلقة ببرنامجها النووي التي أوقفتها منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015. ولم تحدد الوكالة مصدر القرار أو الشخصية التي تكمن وراءه. لكن تقدم حسن روحاني و محمد جواد ظريف في هذه العملية - مع أنهما يعتبران من «المعتدلين» من قبل الدول الغربية – يدل من ناحية على الحرص الإيراني على إظهار صف واحد متماسك ، ومن جهة أخرى يشير إلى خطورة الوضع الاقتصادي و الاجتماعي في إيران الذي أجبر روحاني على الاصطفاف وراء الشق المتشدد للحفاظ على مساحة من التحرك خاصة و أن روحاني أكد على الملفين الحارقين وهما البترول و البنوك. و من أجل إظهار رص الصفوف، هدد روحاني بـ«رد حازم» في صورة إحالة الملف أمام مجلس الأمن مع التعبير عن قبوله الدخول في مفاوضات بدون تحديد إن كان ذلك يشمل الجانب الأمريكي.
ضعف الأطراف الموقعة على الاتفاق
منذ أن قرر دونالد ترامب الخروج من الاتفاق النووي و هدد بعقوبات ضد كل الدول التي تتعامل اقتصاديا مع إيران وبأخرى ضد الشركات الأوروبية التي تتعامل بالدولار مع طهران، أظهر الجانب الأوروبي انصياعه للحليف الأمريكي. ولم تحرك أوروبا ساكنا بل قررت عدد من الشركات ايقاف العمل على التراب الإيراني مثل شركات طوطال ومرسيدس وبيجو و رينو. وأوقفت الشركات الجوية الأوروبية رحلاتها إلى طهران تخوفا من العقوبات الأمريكية. ولم تنس هذه الشركات العقوبة القاسية التي فرضتها واشنطن عام 2014 على بنك بي أن بي باريبا الفرنسية ( 7،9 مليار يورو) بتهمة التعامل مع إيران و كوبا و السودان بالرغم من الحصار المفروض عليها، دون أن تتحرك الدولة الفرنسية لمناصرتها.
التصريحات الأولى من الجانب الأوروبي أخذت نفس المنهج. بعد أن حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طهران من مغبة التخلي عن الاتفاق و إمكانية تسليط عقوبات في هذا الاتجاه، كررت فلورنس بارلي ، وزيرة الجيوش، نفس الموقف. من ناحيتها أظهرت الصين موقفا أكثر اعتدالا بتصريح الناطق الرسمي باسم الخارجية الذي اعتبر أن «الإبقاء على الاتفاق و تطبيقه هو مسؤولية كل الأطراف». لا شك أن موسكو سوف تنحو نفس الاتجاه مع دعمها لحليفها الإيراني. بالنسبة للأوروبيين ،هي قضية مصالح في آخر المطاف. منذ أن أخذ دونالد ترامب قراره دخل الإتحاد الأوروبي في عملية التفاف حول الموضوع بإرساء آليات جديدة تتعامل باليورو مع إيران وبضمان من البنك المركزي الأوروبي. لكن الشركات الأوروبية التي لها مراكز واستثمارات في الولايات المتحدة الأمريكية لم تستعمل إلى الآن هذه الآلية خوفا من القبضة الأمريكية.
هل للحرب مكان في هذا الملف؟
الموقف الأمريكي من إيران لم يتغير منذ ثلاثة عقود. اعتمدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، جمهورية أو ديمقراطية، مبدأ «لا حرب و لا سلم» بين الطرفين. لكن مع دونالد ترامب، الذي له مواقف متقلبة في جل المسائل الدولية المطروحة، تغير الموقف الأمريكي نسبيا و اصطف مباشرة مع المملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني اللذين يترأسان العداء لإيران لأسباب مختلفة. الإتفاق النووي المبرم عام 2015 حصل على موافقة مجلس الأمن الدولي. من ناحية أخرى نص على رفع العقوبات مقابل حد كبير للبرنامج النووي الإيراني و التخلي عن مشروع القنبلة النووية من قبل طهران. تغيير هذا الوضع يستلزم حتما الرجوع إلى مجلس الأمن.
هل تتحرر الولايات المتحدة الأمريكية من مجلس الأمن و تخوض حربا على إيران غير قانونية دوليا؟ هل تستعمل واشنطن قرارها تصنيف حراس الثورة الإيرانية في قائمة المنظمات الإرهابية للدخول في عملية قصف أحادية الجانب ضد مواقع نووية إيرانية باسم «الحرب على الإرهاب»؟ سيناريوهات عديدة تشغل بال العواصم الأوروبية التي أصبحت لا تفقه شيئا في شؤون ترامب الدولية. لكنها لا تستثني أي تحرك من قبل الإدارة الأمريكية. مع العلم أن جريدة «لوفيغارو» الفرنسية أوردت خبرا يوم الثلاثاء 7 ماي مفاده أن المملكة العربية السعودية لها مخطط جاهز لعملية «اجتياح إيران» دون تقديم أي تفاصيل في الغرض. من الجانب الأمريكي، صرح وزير الخارجية مايك بومبيو الذي كان في زيارة لبغداد، استنادا إلى تقرير من الموساد الإسرائيلي، أن «إيران تشكل خطرا حقيقيا» ضد أهداف أمريكية و أن لها «مخطط» لمقاومة المصالح الأمريكية في منطقة الخليج. تواجد الأسطول الأمريكي في البحر الأبيض المتوسط ليس بالجديد و أن يتحرك نحو الخليج كذلك. لكن القوة العظمى التي قررت سحب جيوشها من سوريا علما بمحدودية قدرتها على تغيير الأشياء على أرض الواقع، هل لها القدرة على فتح حرب ضد قوة إقليمية لها إمكانيات عسكرية قادرة على إلحاق ضرر حقيقي بأسطولها؟ وهل ستبقى باقي الدول العظمى، في مقدمتها روسيا والصين، مكتوفة الأيدي في صورة حرب جديدة في المنطقة ؟