رئيس مجلس العموم عدم تنظيم هذا الإقتراع و التراجع عنه أمام ضغوطات الحكومة. ويفتح هذا القرار ،أكثر من أي وقت مضى، خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي «بدون اتفاق» أي بصفة عشوائية يجهل المواطنون في بريطانيا و أوروبا عواقبها الحقيقية على حياتهم اليومية و مستقبلهم لما للجانبين من ارتباطات على كل الأصعدة و في كل المجالات التي تكاد تعيق أي تبادل في المستقبل بين الطرفين.
وكان الإتحاد الأوروبي قد أمل لبريطانيا وقتا إضافيا حدد إلى 12 أفريل القادم للموافقة على الاتفاق المبرم معها أو تقديم بديل للمجلس الأوروبي. لكن مع الرفض الثالث لنص الإتفاق الذي حرر في 600 صفحة بعد مفاوضات دامت سنتين، تبين للقادة الأوروبيين أن خروج بريطانيا بدون اتفاق أصبح من الاحتمالات الواردة. و قالت الوزيرة الأولى تريزا ماي بعد التصويت «الإتحاد الأوروبي كان واضحا، كل طلب تمديد لا بد أن تكون له مبررات. و وصلنا اليوم إلى آخر حد في النقاشات في المجلس». أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد صرح في هذا الصدد إثر عملية التصويت أن «فرنسا جاهزة في حالة بركسيت بدون اتفاق». رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك قرر من جهته استدعاء قمة أوروبية خارقة للعادة ليوم 10 أفريل من الممكن أن تشارك فيها تريزا ماي.
تلاقي الأضداد
من المفارقات المثيرة للجدل داخل بريطانيا أن يلتقي في التصويت ضد اتفاق الطلاق مع أوروبا نواب من اليمين المحافظ و من الحزب العمالي و من القوميين الأيرلنديين و من المتطرفين اليمينيين وهم ،على الساحة السياسية، أعداء و خصوم منذ عقود. يجتمعون كلهم في اعتبار أن الاتفاق، بإبقائه على الحدود مفتوحة بين أيرلندا الشمالية و جمهورية أيرلندا، يهز أركان السيادة البريطانية على أراضيها بحكم أن أيرلندا الشمالية تعتبر تابعة لبريطانيا. في باقي البنود المتعلقة بنوع العلاقة مع أوروبا والمتاجرة معها و تقرير مصير الرعايا في الجهتين هنالك خلافات و فوارق شاسعة في التقييمات. لكن تريزا ماي لم تتمكن من فرض مقترحها بترك الحدود مفتوحة لمدة معينة حتى تنتهي بريطانيا و أوروبا من كتابة الاتفاق النهائي حول مستقبل العلاقات بين الطرفين.
و كانت تريزا ماي قد وعدت النواب بتقديم استقالتها، و ترك المجال لشخصية أخرى لإدارة البركسيت، في صورة مصادقة مجلس العموم على نص الاتفاق. لكن رفض البرلمان للنص مرة أخرى جعل الوزيرة الأولى تعبر عن رغبتها في متابعة الحوار من أجل فرض قبول الاتفاق و ذلك خشية منها أن تصبح الأوضاع «كارثية» حسب تعبيرها بالنسبة لبريطانيا العظمى.
مسلسل في نهايته؟
وحدة الصف الأوروبي و التفاف الدول الأعضاء حول موقف موحد أمام بريطانيا يحمي مصالحهم ومكن أوروبا من إظهار شيء من المرونة مع تريزا ماي تجسم في اعطاء مهلة مشروطة إلى حد 22 ماي 2019 على أن تقدم بريطانيا بديلا. لكن اليوم هذه الفرضية لم تعد واردة. يبقى من الممكن أن يقدم الإتحاد الأوروبي مهلة إضافية يوم 10 أفريل لتفادي الخروج بدون اتفاق. لكن كبير المفوضين كان قد أكد من قبل أن المجلس الأوروبي قرر في هذه الحالة أن تسري المهلة إلى حد نهاية سنة 2019 و فرض مشاركة بريطانيا في الانتخابات الأوروبية لشهر ماي القادم. وهي يعني بالنسبة للمدافعين على البركسيت عدم خروج بريطانيا من الإتحاد. و عبر عديد المتظاهرين أمام مجلس العموم يوم الاقتراع على خشيتهم من «خيانة» البرلمانيين والقبول بإبقاء بريطانيا في الإتحاد.
وهذا لا يعني أنّ مسلسل البريكست انتهى. بل في حالة تمديد ثان يقرر يوم 10 أفريل، وهو السيناريو المحتمل، سوف تقدم تريزا ماي استقالتها ، ومن الممكن أن تحل البرلمان لتنظيم انتخابات تشريعية جديدة لا يعرف الآن مآلها. حكومة جديدة – مع فرضية تشكيل أغلبية عمالية – تدخل البلاد في منطق مختلف و يصبح الاستفتاء الثاني، الذي طالب به زعيم اليسار جرمي كوربن و الذي تظاهر من أجله مئات الآلاف من البريطانيين مؤخرا، مخرجا سياسيا يعطي الكلمة الفصل للناخب البريطاني بعد ثلاثة سنوات من الجدل و النقاش ساهم في بلورة مشهد جديد وفهم دقيق لعواقب الطلاق و مخاطر المجازفة بالخروج من أوروبا. آخر استطلاعات الرأي في بريطانيا تشير أن جبهة رفض البركسيت تتقدم على حد نسبة 56% من الأصوات. نهاية المسلسل يمكن أن تعلن عنها تريزا ماي التي هددت النواب بعد خسارتها الثالثة المدوية بإقرار تنظيم انتخابات سابقة لأوانها في غضون عشرة أيام.