و الإتحاد الأوروبي ناقشت مسائل تعلقت بالأمن في المنطقة و التعاون الإقتصادي و العلاقات الدولية. و كانت أوروبا قد عدلت عن نقاش مسألة الهجرة بعدما رفضت دول جنوب المتوسط تركيز محطات لإيواء اللاجئين على أراضيها عوض دراسة أوضاعهم على الأراضي الأوروبية.
40 زعيما من الجانبين تحولوا إلى القمة و تغيب من الجانب الأوروبي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الأسباني المستقيل بيدرو سنشاز ورؤساء ليتوايا ولاتفيا. واعتبر مسؤول في الاتحاد الاوروبي، أن هذه القمة الأولى من نوعها بين الجامعة العربية والاتحاد الاوروبي تزداد أهميتها مع خروج الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط فيما تقوم روسيا والصين بتوغلات فيها «ليست بالضرورة في صالحنا». واقتصرت القمة في جانبها الأكبر على إلقاء خطابات تمحورت جلها حول المسائل الهامة لكل دولة والتي أظهرت جلها تعارض وجهات النظر والمصالح بين الطرفين في حين حرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «على تعزيز الحوار والتنسيق فيما بينهما بصورة جماعية» من أجل «الوصول الى رؤية وتصور مشترك، لكيفية التعامل مع الأخطار والتحديات المتصاعدة» التي تواجه دول الإتحادين .
تجمعات منقسمة
قمة نظمت بين مجموعتين تشكو كل واحدة منها من انقسامات داخلية و أزمات اقليمية لا تساعد على بلورة تصور مشترك. الجامعة العربية تعاني تشرذما قاتلا منذ اندلاع الربيع العربي و انقساما في صلب مجلس التعاون الخليجي و حروبا في سوريا و اليمن و ليبيا هزت أركان الدول و لا تزال. أما أوروبا فهي تشكو من طلاقها من بريطانيا و الخلافات الحادة بين الحكومات القومية (بولندا و المجر والتشيك و النمسا و إيطاليا) و باقي الدول الأعضاء. وهي تعاني من أزمة بين فرنسا و إيطاليا بسبب الملف الليبي. و لم يشكل تاريخيا هيكل الجامعة العربية أية أهمية منذ نشأتها بالنسبة للإتحاد الأوروبي. ناهيك أن هذه القمة هي أول اجتماع على مستوى التنظيمين منذ تأسيسهما. أما العلاقات الإستراتيجية بين شمال وجنوب المتوسط فهي في حالة شلل بالرغم من إرساء الإتحاد من أجل المتوسط و ذلك على خلفية عضوية «دولة إسرائيل». لكن الجانب الإيجابي هو أن تقدم كل هذه الدول المتباين سياسيا و استراتيجيا على الدخول في حوار شامل من أجل العمل على إرساء الأمن و الاستقرار في المنطقة.
خلافات إستراتيجية
تحول الجانب الأوروبي إلى شرم الشيخ بعد أن حدد لنفسه المواضيع المطروحة للنقاش وسقف «التنازلات» – إن كان لها مسبب – مقابل ضمان أسبقية في العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية مع المنطقة العربية التي تخضع منذ مدة لمحاولات، ناجحة في أغلبها، لدخول السوق العربية من قبل روسيا والصين. ومع تفاقم الدور العسكري الروسي في سوريا و تمتين التعاون الإستراتيجي مع تركيا و إيران والعراق في إطار بسط «نظام إقليمي جديد» من جهة، و فتح الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي من ناحية أخرى، يخشى الإتحاد الأوروبي خروجه من منطقة القرار أو التأثير عليه في المنطقة. وهو ما يهدد مصالحه مع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط.
و في حين شدد السيسي على أن «القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية» ، كان القادة الأوروبيون يتطلعون إلى التوصل إلى فرض أجندة أمنية لحل سلمي للنزاعات في المنطقة قصد تمكين الشركات الأوروبية من مواصلة أشغالها في أحسن الظروف في مختلف الدول العربية. أما العاهل السعودي الملك سلمان فأكد خلال كلمته «على أهمية الحل السياسي للأزمة اليمنية وفقا للمبادرة الخليجية»، والتوصيات الدولية و حمّل «المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران الوضع القائم في اليمن»، مطالبا بـ«موقف دولي تجاه تدخلات إيران السافرة في شؤون الدول الأخرى». في المقابل لا تزال أوروبا متمسكة بالتعاون مع إيران في إطار الإتفاق النووي وهي غير قادرة على التخلي عن مصالحها لفائدة الدول الخليجية. و تجد أوروبا نفسها في التسلل في شأن علاقتها مع تركيا و قطر في حين تشهد المنطقة تحالفات جديدة بين المملكة العربية السعودية و عدد من البلدان العربية لمقاومة المد الإخواني المدعوم من أنقرا و الدوحة وهو لاعب أساسي في الأزمات القائمة في سوريا و ليبيا و حتى مصر و بعض الدول الأخرى. كذلك الشأن بالنسبة لموضوع سوريا وليبيا أين تختلف الإستراتيجيات بين الدول العربية فيما بينها و بين الدول الأوروبية و الدول العربية. أكثر من مسألة خلافية تخللت هذه القمة وفرضت التركيز على ما يقرب الدول العربية والأوروبية من مصالح.
التعاون الإقتصادي الممكن
في تغريدة له، قال الناطق باسم الاتحاد الاوروبي بريبن أمان إن «الاتحاد الأوروبي هو بفارق كبير الشريك التجاري الأهم لدول الجامعة العربية»، موضحا أن حجم هذه التجارة «يوازي التجارة مع الصين والولايات المتحدة وروسيا مجتمعة». هذا الملف الإقتصادي هو ما تبقى للأوروبيين المحافظة عليه أمام المد الصيني و التغول الروسي في الشرق الأوسط. مستوى المبادلات بين أوروبا و العالم العربي في تزايد من سنة إلى أخرى (350 مليار يورو سنة 2018 مقابل 315 مليار يورو سنة 2017). لكن الاستثمارات الأوروبية مركزة على بعض الدول (مصر و المغرب و تونس والأردن و لبنان) أي الدول التي تشهد نوعا ما من الإستقرار. لكن في بقية الدول، بما فيها الدول النفطية، تكاد لا تكون هنالك استثمارات تذكر من قبل البنوك والمؤسسات المالية الأوروبية.
القضية المطروحة اليوم، حسب أحد الدبلوماسيين الأوروبيين، هو مدى نجاح الدول العربية الغنية في المقايضة بين التعاون الإقتصادي وضمان دعم أوروبي لإستراتيجياتها الإقليمية. الواضح بالنسبة لدول الخليج هو أن مقاومة المد الإيراني يعتبر الركن الأساس في تحركها الدبلوماسي. لكن إلى أي مدى يمكن للأوربيين المنقسمين داخليا أن يغيروا من استراتيجياتهم في هذا الإطار. المصالح الأوروبية القطرية والمصالح الروسية الألمانية المتشابكة و مصلحة أوروبا في المسك بالاتفاق النووي الإيراني لا يمكن العدول عنها مع مواصلة الولايات المتحدة الأمريكية الاستفراد بالقرار الدولي لصالحها بدون الأخذ بعين الاعتبار مصالح حلفائها في العالم الحر.