إذ وقع تنفيذ الاضراب العام الأول في 22 نوفمبر 2018 و الثاني في 17 جانفي 2019 مع اضافة سبب آخر لهذا الأخير يتعلّق بخلاف حول الاتفاق الّذي سبق أن تمّ التوصل إليه بخصوص الزيادة الّتي أُقرّت لفائدة العاملين في القطاع العام .
قبل أن ندرك الشهر الثالث تعلن المركزية النقابية في اجتماع لهيئتها الإدارية أمس السبت 19 جانفي الجاري، عن اتخاذ قرار الاضراب يومي 20 و 21 فيفري المقبل لنفس الأسباب.
في المناسبتين السابقتين ، بقي المتفائلون في «التسلّل» لأن مراهنتهم على إيجاد حل قبل الأجل المحدّد للإضرابين ،لم تثمر بسبب عدم توصل المتحاورين والّذين كانوا مرشحين للعب دور تقريب وجهات النظر ، إلى المعادلة الكفيلة بنزع أحد فتائل التوتر الإجتماعي الّذي تعيشه البلاد منذ مدّة .
فالخلاف حول الزيادة في الأجور في الوظيفة العمومية يشكل أحد فتائل التوتر الإجتماعي ، لأن ما تثيره المركزية النقابية لا يتوقف على هذا الجانب ، بل تتخطّاه لتطرح مبررات رفض الحكومة لمطالبها ،و أبعاد وتبعات ذلك و كذلك إستعراض شرح أسباب تجديد الدعوة لإضراب عام في فيفري المقبل.
و يمكن أن نلمس من شرح الأسباب هذه أن الأمر لا يتوقف على الزيادة في أجور الوظيفة العمومية و على تنفيذ بعض بنود الاتفاق حول القطاع العام ، و إنّما على ما أسماه الأمين العام للمركزية النقابية بـ «تعديل البوصلة حول الخيارات الوطنية» و تنقية المناخات الإجتماعية و استكمال المؤسسات الدستورية و تنفيذ الخيارات الإستراتيجية لانجاح المسار الديمقراطي و«تحقيق أهداف الثورة».
هذا المنحي السياسي في الخطاب أصبح أكثر وضوحا بعد فشل حلقتي المشاورات السابقتين و أعاد للأذهان الموقف المعلن من حكومة الشاهد عند الحوار حول وثيقة قرطاج 3 ، و بالتالي فإذا لم يكن هذا الخطاب ورقة لمزيد الضغط على الحكومة للاستجابة للمطالب النقابية ،قد يشكّل مأزقا في المفاوضات المزمع الدخول فيها في الأيام القادمة .
لذلك ينتظرُ من حلقة المفاوضات المقبلة ، أن تُؤسّس على هاجس تبديد المخاوف من الانسداد الفعلي لأفق الحوار الّذي يفضي إلى مزيد من التوتّر ، الأمر الّذي يقتضي مزيد السعي لإيجاد الحلول الّتي تخرج البلاد من النفق الّذي سارت فيه.
إن سير تنفيذ اضراب 17 جانفي الأخير بدّد الخشية من استغلال المسيرات السلمية ومن اختراقها لبث العنف ، و كشف قوّة إرادة التنظيم و تغيّر العقليات و بروز روح جديدة في التعامل مع الخيارات الديمقراطية في التعبير عن المواقف المعارضة لتوجهات السلطة بالتظاهر السلمي و التعبير الحر .
و لكن إذا كان الإشكال الحقيقي يكمن في معوقات العمل و الإنتاج و الاستثمار وتوفير الموارد لمواجهة الحاجيات والحد من التضخم ، فإن عامل الزمن يبقى عنصرا مؤثرا في الحياة العامة و تصبح «الساعة بعام» كما يقال ، الأمر الذي يدعو إلى تجنب إهدار الوقت و التمطيط في مشاوير المفاوضات و العمل على تجنب أخطر الأضرار.
لقد سبق التأكيد على أن ما يثير المخاوف هو عدم الاستقرار الاجتماعي الّذي اصبح دائرا على مختلف أيام السنة إلى درجة أنه لا يكاد يمر شهر دون أن تبرز مشكلة في هذا القطاع أو ذاك أو في هذا المجال أو ذاك .و لا شك أنه رغم الصعوبات ، فإنه بالإمكان إيجاد حلول عاجلة و آجلة للتجاوز لو توفّرت الإرادة الجادة للحوار البناء بين جميع الأطراف الاجتماعية و الأحزاب الوطنية الّتي تغلب مصلحة البلاد على أي مصالح أخرى .فعدم الاستقرار ومزيد التأزّم و التوتر الاجتماعي لا يخدمان في النهاية أي طرف ، بل يضاعفان خسائر الوطن و يتسبّبان في مزيد من المصاعب و المحن.