أو رفض الإذعان لأحكامه، والإحتكام للقوّة بمختلف أصنافها لفرض إنصياع السلطة العامة لإرادة أفراد أو مجموعات أو فئات، كلّها أفعال تصب في خانة واحدة . خانة رفض سيادة القانون.
لذلك فإن غض الطرف عن أي تصرّف من التصرفات المخالفة للقانون هو تشجيع ضمني على القبول بعدم إلزامية القواعد القانونية و تسليم بعدم وجاهة منع أي فعل من الأفعال. هذه الحالة ولّدت عدّة سلوكيات جديدة بدأ المجتمع «يتأقلم» معها و يعتقد في «مشروعيتها»، و أصبحت غير مستهجنة، إلى درجة أن أي رد فعل فردي رافض لهذه السلوكيات، يُقابل بالإستخفاف وبالعنف أحيانا والأمثلة الحيّة على ذلك نجدها في المظاهر اليومية بدءا من طرقاتنا، نهاية ببعض الجمعيات و المؤسسات.
وما يثير الإستغراب أن بعض التشكيلات الحزبية أصبحت تبرّر التصرّفات المخالفة للقانون ،و تلقي باللّوم على السلط العامّة وأصبحت تعتبر تقصير أي مرفق أو إدارة، مبرّرا كي يتولّى الأفراد أو مجموعة أو جمعية أخذ مكان الإدارة العمومية أو الدولة ،في التصرّف والتسيير وحتى في توزيع المنافع و التبرّع، عملا بمقولة «يجود علينا الخيرون بمالهم، ونحن بمال الخيّرين نجود».
وتصبح البوادر الّتي يصنّفها الخارق للقانون إيجابية في هذا التصرّف أو ذاك، مدعاة إلى إعتبار التصرف غير القانوني نجاحا لأنموذج جديد، لا يتورّع بعضهم في الدعوة إلى النسج على منواله «لتعميم الفائدة».
والأغرب من كل هذا أنه عندما يحاول الماسكون بدواليب الدولة السعي إلى إيجاد الحلول القانونية ، تجد من يعارضها بأن طريقة الحوار و كيفية إدارته وتحديد أرضيته ومجاله، ليست بيد صاحبة الحق، وإنما بيد الخارق للقانون و طبق إرادته .
إن تواصل المهادنة مع الضاربين عرض الحائط بسيادة القانون، يثير التساؤل عن مدى توفّر إرادة حقيقية في إرجاع الأمور إلى نصابها، ويدعو إلى التنبّه من وجود أطراف فاعلة تواصل السعي إلى تفكيك مؤسسّات الدولة بطريقة غير مباشرة، وذلك بمزيد إضعاف سلطة القانون وجعله سلوكا سائدا في مختلف الأصناف الإجتماعية والاقتصادية. لذلك يعد السكوت أو غض الطرف عن إتيان صغائر التصرفات، تمهيدا لإتيان التصرفات الأكثر خطورة . وهو ما أصبحت تونس بصدد مجابهته اليوم، وهو وضع مرشح للتوسع و التغوّل، سبق التنبيه إليه في أكثر من مناسبة .
إن الإعتقاد في نفاذ القانون وإلزاميته وحتمية ربطه بعقاب مخالفه، هو مصدر سيادته، وسيادة القانون من سيادة الدولة وهيبتها، والتشريعات نابعة من سيادة الشعب وعدم الإذعان إليها هو استخفاف بسيادة الشعب و إرادته.
ولو عدنا إلى ما حصل في الأسابيع الأخيرة و أخذنا ما حصل في جمنة مثالا، فإنّه من الضروري إسترجاع الدولة حق التصرّف في ملكها و إجراء المحاسبة، ثم النظر في الإمكانيات القانونية للتسويغ أو التفويت لجمعية إحياء أو تصرف أو أي شكل آخر، وهو أمر لا يخص واحات جمنة فقط، بل إن الوضع يخص أملاكا كثيرة في مختلف الجهات تتعلّق بأراضي مسماة إشتراكية و غيرها، دون نسيان إستخلاص الدروس من تجربة التعاضد في نهاية الستينات و تطوير الأطر القانونية لضمان النجاح.
إن ما تشهده تونس من تقهقر في نظرة عموم الناس إلى قوّة القانون و الإعتقاد بغياب مساواة حقيقية أمام سلطته و إهتزاز الثقة في الساهرين على تطبيقه بجدية و حزم ، يفتح الباب على إتساع رقعة التجاوز، ومن ثمّ ،على مزيد إضعاف سلطة الدولة ومؤسساتها، و يضع المجهود الرّامي إلى الإصلاح في مهب الريح، الأمر الّذي يقتضي القطع مع التردّد ويدعو إلى الحزم في جعل كلمة القانون تعلو على الجميع دون أي تمييز، مع التذكير بأن المتجاوز أو الصامت على التجاوز اليوم ، يهيئ في الحقيقة كي يقع تجاوزه غدا ...