كشف وزير الشؤون الاجتماعية محمّد الطرابلسي في حوار لـ«المغرب» ان الحكومة واتحاد الشغل سيعودان للتفاوض بخصوص ملفّ عمال حضائر ما بعد الثورة لتسويته وطيّه نهائيّا على قاعدة اتفاق ممضى في ديسمبر الماضي كما اعتبر ان الحكومة ترفض استغلال بعض ارباب العمل في القطاعات التي تعرف اشكاليات لتطبيق اتفاق الزيادة في أجور القطاع الخاصّ لابتزاز الدولة. ووفق الطرابلسي فالحوار لمواصلة اصلاح الصناديق الاجتماعيّة سيُستأنف في سنة 2020 بعد تقييم مردوديّة الاجراءات التي تم إقرارها وبما فيها الضريبة التضامنيّة التي أكد انها ستوجّه الى الضمان الاجتماعي وليس لتمويل خزينة الدولة كما يُروّج.
• الزيادة في المحروقات خلقت ازمة وجوبهت بمطالب مهنيّة بعضها سيكون له انعكاس مالي على تكلفة الدولة، هل تعتقد بنجاعة تلك الزيادة بغضّ النظر عن الالتزام بها مع صندوق النقد الدولي ؟
الزيادة في المحروقات كانت متوقعة وذُكرت في قانون المالية وهي تندرج في اطار تعديل صندوق الدعم والتعويض الذي يتحمّل أعباء كبيرة خاصة في دعم المحروقات وهذه الاعباء زادت بالنظر الى تراجع الانتاج بسبب ما عرفه قطاع المحروقات من احتجاجات والضغوطات القانونية التي اصبحت تعيق التنقيب عن المحروقات، وذلك الوضع مسؤولية الجميع ويجب على كلّ طرف تحمّل المسؤولية فذلك الترفيع في المحروقات لن يشمل الترفيع في معلوم النقل العمومي الذي سوف تتحمل الدولة أعباءه المالية الاضافية على قطاع النقل العمومي اما بالنسبة للمرتبطين مباشرة بالوقود فنتفهّم احتجاجاتهم لكن المعالجة تتم بالحوار ولكن ليس عبر احتجاجات تعيق مصالح بقيّة المواطنين التي تلجأ لها القطاعات والفئات غير المنظّمة لكن حين تكون لك هياكل تدافع عنك فالحوار هو الحلّ واحدى ركائز الديمقراطية الاجتماعيّة.
• بالحديث عن الدعم، هناك اتفاق مع الاطراف الاجتماعية لترشيده اين وصلتم ؟
بالنسبة للدعم يجب ان نخرج من دعم البضاعة والمنتوج لدعم المواطن والاسر، لكن بقي السؤال ما هي الآليات ربّما علينا النقاش والتعمق والاطلاع على التجارب المقارنة لايجاد تصور يحمي القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والضعيفة وتوجيه جزء من الدعم لخلق مواطن الشغل للشباب العاطل وقد شرعت الحكومة في ايجاد تصورات مع الاطراف الاجتماعية الا اننا توقّفنا ونامل ان يعود الحوار بخصوص ترشيد الدعم عبر آليات قابلة للتنفيذ لتجاوز المساوتيّة السائدة الى مساواة حقيقيّة بين المواطنين.
• التعدّديّة النقابية وعدم تقيّد بعض النقابات بمبدإ التمثيلية النقابية تسبّب في ازمات وطرح اشكاليّات بالنسبة لكم وللحكومة ككلّ؟
تونس صادقت منذ سنة 57 على الاتفاقية الدولية لمنظمة العمل الدوليّة وكذلك اتفاقيّتي سنتي 87 و98 متعلّقتين بالحقّ النقابي والتنظيم النقابي والحقّ في التفاوض الجماعي وقد تم استلهام قانون الشغل في تونس من تلك الاتفاقيّات، لكن مسألة التعدديّة النقابية سواء بالنسبة للعمال او الاعراف لم تطرح في السابق الا في علاقة بظهور ازمات بين الحكومة واتحاد الشغل باحداث هياكل موازية كلّما ارتفع منسوب المطالب الاجتماعية لاتحاد الشغل اما اليوم فالتعدديّة النقابيّة تًطرح في مناخ ديمقراطي ممّا استوجب وضع مقاييس للتمثيلية النقابية والاجابة على سؤال من يمثّل ماذا ؟
وبالاعتماد على معايير منظمة العمل الدولية والقانون التونسي ومجلة الشغل التي ينصّ فصلها الـ38 على ان الاتفاقيات الجماعية في القطاع الخاصّ تُبرم مع النقابة الاكثر تمثيلية ونحن كوزارة لا نستطيع ان نمنع اي مؤسّسة من ابرام اتفاق مع اي نقابة تعتبرها الاكثر تمثيليّة اما بالنسبة لمؤسسات الدولة فنحن نوقّع الاتفاقيات مع النقابة الاكثر تمثيلية بصفة فعليّة رغم
اننا نحبذ ان يحصل توافق بين النقابات ان وجدت وان لم يحصل هذا التوافق فالدولة تفاوض وتوقع مع النقابات الاكثر تمثيلا.
وفي الاثناء طُرح القانون المنظم لمجلس الحور الاجتماعي وهو قانون حدد حصرا التمثيل هذا المجلس للمنظمات الاكثر تمثيلا للعمال والاعراف في المجالين الفلاحي وغير الفلاحي ولتحديد النقابات الاكثر تمثيلية وضبط تركيبة المجلس راسلنا كل النقابات بما في ذلك نقابة الصحفيين وطلبنا منهم ابداء الراي لتجميع مختلف الاراء وتعميق النقاش عند تحديد مقاييس وشروط التمثيل النقابي وقد ووصلنا توجهات واراء من اتحاد الشغل والاتحاد النقابي لعمال تونس واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحة في حين وردت علينا مراسلة مشتركة من الكنفدرالية العامة للشغل واتحاد عمال تونس ومنظمة عمال تونس و«كونكت» ونقابة الفلاحين يرفضون من خلالها شكل المشاركة ويمتنعون عن إبداء رأيهم وهذا مفهوم باعتبار هم يعرفون من هي النقابات الاكثر تمثيلا وكما في مباريات كرة القدم ترفض الفرق الذي تعرف مسبّقا خسارتها اللعب.
المهمّ اننا حدّدنا معايير التمثيلية النقابية وفق عدد المنخرطين الى حدود نهاية سنة 2017 والانتشار الجغرافي من حيث عدد الهياكل المحليّة والجهويّة والانتشار القطاعي من حيث عدد الفروع القطاعية ودوريّة الانتخابات وانتظامها حسب ما ينصّ عليه النظام الداخلي والقانون الاساسي لتلك النقابات واحترام مبدإ التسيير الجماعي والمساواة وعدد الاتفاقيّات المبرمة مع الطرف الآخر وقد طلبنا من كلّ المنظمات والنقابات مدّنا بالمعطيات والوثائق اللازمة لقياس تمثيلياتها وفق تلك المعايير ولكن لم نتلقّ أي ردود سوى من الاتحاد العام التونسي للشغل أو اتحاد الصناعة والتجارة أو اتحاد الفلاحة والصيد البحري وبذلك تم ضبط تركيبة المجلس الوطني للحوار الاجتماعي بتمثيل الحكومة بـ35 نائبا او مستشارا واتحاد الشغل بـ35 نائبا واتحاد الصناعة بـ30 نائبا واتحاد الفلاحين بـ5 نواب.
نحن حاليا في مرحلة تسوّغ مقرّ بمركز العمران الشمالي وقمنا كذلك بتبني النظام الداخلي للمجلس على مستوى مكتب المجلس ومن المنتظر ان نعقد جلسة عامة يوم 23 افريل الجاري للتصويت على النظام الداخلي وتشكيل اللجان الـ6، واريد ان اشير انه تم قبول عضوية المجلس الوطني للحوار الاجتماعي في اتحاد المجالس الاجتماعية والاقتصادية.
• وفق مقاييس التمثيلية النقابية هل يحقّ لاتحاد «اجابة» المطالبة بالتفاوض عن الاساتذة الجامعيّين والتصعيد لدرجة الدفع نحو سنة جامعيّة بيضاء ؟
اتحاد «اجابة» لا يمثّل الا حوالي 17% من الاساتذة الجامعيّين فيما تمثّل الجامعة العامة للتعليم العالي التابعة لاتحاد الشغل الاغلبّية، ونعتقد انه على الاساتذة الجامعيّين بكل مكوّناتهم النقابية توحيد مواقفهم لتسهيل المفاوضات على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وفي صورة تعذّر ذلك فان موقف الوزارة بالتمسّك بالتفاوض والاتفاق مع الجامعة العامة للتعليم العالي سليم كما ان احد اهم مطالب إتحاد «اجابة» المتمثلّ في فتح مفاوضات خصوصية للزيادة في اجور الاساتذة الجامعيّين محلّ اتفاق بين الحكومة واتحاد الشغل حيث سيدخلان في مفاوضات خصوصية لاسلاك الاساتذة الجامعيين والاطباء والمهندسين في جويلية المقبل.
• وبالنسبة لقرار الوزارة إيقاف صرف اجور الاساتذة المنخرطين في حجب الامتحانات عن الطلبة، هل هو سليم ؟
اكيد ان قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي سليم حيث تم اتخاذه على قاعدة العمل غير المنجز كما انه غير مخالف للقوانين الدوليّة، وهنا اريد ان اؤكّد ان الاضرابات غير المحدّدة في المدّة والتحركات التي لها انعكاس مباشر على مسار سنة جامعيّة برمّتها غير قانوني ولا وجود لها في التقاليد والاعراف النقابيّة لأي بلد في العالم.
• عمّال حضائر ما بعد الثورة عادوا للتحرّك لمطالبة الحكومة بتسوية وضعيّتهم، اين وصل مسار حلحلة ملفّهم ؟
هناك محضر جلسة ممضى بين الحكومة واتحاد الشغل بتاريخ 20 ديسمبر تضمّن اجراءات التسوية وهي اساسا تمكين الفئة التي تبلغ سنّ الـ60 سنة بصفة آلية من منحة تساوي منحة العائلات المعوزة اما الشريحة التي تتراوح اعمارهم بين 55 و59 سنة فسيواصلون الانتفاع بمنحة الحضائر التي تساوي الاجر الادنى المضمون وبطاقة العلاج المجاني وحين يصلون الى سنّ الـ60 سنة فسينتقلون الى الفئة الاولى.
كما تضمّن الاتفاق تسوية وضعيّة العملة المباشرين باعمال فعليّة قبل 3 جانفي 2018 والذين اثبتت الوزارات المعنيّة مباشرتهم من خلال إسناد منحة مغادرة للراغبين في ذلك قيمتها 36 اجرة شهريّة مع تمكين الراغبين في بعث مشاريع من قرض عبر البنك التونسي للتضامن مع اعتبار منحة المغادرة او جزء تمويلا ذاتيّا اما المتبقون فسيقع اقتراح توزيعهم على مراكز عمل شاغرة في حدود المعتمديّة او الولاية الراجعين لها بالنظر، لكن بقي اختلاف بين الحكومة واتحاد الشغل بخصوص تاريخ الشروع في التسوية والمراحل التي ستستغرقها وعلى كلّ سنعود للحوار والتفاوض قريبا لتسوية الخلاف وطيّ ملفّ عمال حضائر ما بعد الثورة نهائيّا.
• شرعتم في اقرار بعض الاجراءات لاصلاح الصناديق الاجتماعيّة، هل هناك اجراءات اخرى ؟
لجنة الحماية الاجتماعية، متركّبة من الحكومة واتحادي الشغل والاعراف، نظرت في عديد المقترحات وما قُدّم في شكل قانون مثّل الادنى المشترك بين جميع الاطراف وتم الاتفاق على مواصلة الحوار بخصوص اجراءات اخرى لكننا لانزال ننتظر دخول قانون التقاعد حيّز النفاذ وتقييم مردوديّته نظريّا ولكنّنا نعرف ان عجز الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية سيتقلّص من 1800 مليون دينار حاليّا الى 70 مليون دينار في سنة 2021 خاصة انه سيتمّ انهاء العمل بالاعتماد الجبائي مع الترفيع في الاجور الذي سيزيد في مداخيل الصندوق.
وفي سنة 2020 نكون خفّفنا الضغط على الصناديق الاجتماعيّة ونعود الى التفاوض لاقرار اجراءات اخرى سواء صلب اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية او مجلس الحوار الاجتماعي.
• هناك تشكيك بأن الضريبة الاجتماعية التضامنيّة بنسبة 1% تمّ توجيهها فعلا الى الصناديق الاجتماعيّة، ما ردّكم ؟
ما اؤكّده ان كل مردود الضريبة التضامنيّة سيُوجّه الى الضمان الاجتماعي وقد خصّصت الحكومة 200 مليون دينار سنة 2018 لانّ الدولة لها تقدير دقيق لمردوديّة الضريبة من الاجور لكن بالنسبة للاشخاص المعنويّين لا يمكن تقدير او ضبط المردود المالي بشكل دقيق وكامل الا خلال نصف السنة الاولى للسنة الموالية لتطبيق آداء الضريبة الاجتماعية التضامنيّة وهو ما جعل الدولة تخصّص 300 مليون دينار سنة 2019 للصناديق الاجتماعية كتسبقة الى حين حصر مداخيل الآداء بعد تحصيله من كلّ المعنيّين به.
• رقمنة منظومة الضمان الاجتماعي تعتبر إجراء حوكمة يساهم في تقليص عجز الصناديق، اين وصلت الوزارة في المشروع ؟
رئيس الحكومة يتابع شخصيّا التقدّم في انجاز البطاقات الذكيّة للـ«كنام» «لاباس» لـ7.5 مليون مضمون اجتماعي او بطاقة «امان» لـ285 الف عائلة معوزة و622 الف عائلة محدودة الدّخل، وسيقع توزيع البطاقات الذكيّة تباعا بداية من الشهر الجاري على ان يتمّ تفعيلها في نوفمبر 2019 وانهاء العمل بنظام البطاقة الورقيّة او ما يُعرف بالـ«الكرني». وحاليا نفكّر في تمكين اللذين يحملون اعاقة ومسجّلين لدى الوزارة بعدد 260 الف مواطن من بطاقة ذكيّة تتضمّن نفس الامتيازات المتوفّرة من علاج وتنقّل مجاني.
وبالنسبة لمردودية رقمنة منظومة الضمان الاجتماعي فانه كاجراء يكرس الحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد، فمثلا على سبيل المثال «الكنام» يضخّ سنويّا 1800 مليون دينار لعلاج مضمونيه ولو قدرنا نسبة فساد بـ5%، وهي نسبة مقدّرة في اقلّ الديمقراطيات فسادا، فسيقع كسب حوالي 90 مليون دينار سنويّا.
• وبالنسبة لتطبيق مبدأ شمولية التغطية الصحيّة ؟
رقمنة منظومة الضمان الاجتماعي هي خطوة في اتجاه شمولية التغطية الصحيّة مع موفى 2021 والذي تم الانطلاق في تطبيقه عبر اجراء في قانون المالية لسنة 2018 القاضي بادماج القطاع غير المهيكل في منظومة التأمين الصحي.
• بالحديث عن انظمة الضمان الاجتماعي، متقاعدو القطاع الخاصّ يطالبون بربط الزيادة في جرايتهم بنسبة الزيادة للمباشرين في القطاع الخاصّ عوض ربطها بالزيادة في الأجر الأدنى المضمون بعد مرور سنة 2017 دون زيادة ؟
ممثّلو اتحاد الشغل اقترحوا في لجنة الحماية الاجتماعية تعويض الفصل 37 من قانون التقاعد بنصّ قانوني جديد يساوي بين كل المتقاعدين عبر اقرار مراجعة جرايات كل المتقاعدين وفق تفاوض بين الحكومة واتحاد الشغل بالتزامن مع مفاوضات الزيادة في اجور المباشرين، الا ان جزءا من المتقاعدين وتحديدا متقاعدي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية الذين يمثّلون ثلث المتقاعيدن رفضوا وبطلب من الجامعة العامة للمتقاعدين والهياكل الاخرى للمتقاعدين تم التراجع عن تعديل الفصل 37 المتعلّق بالتعديل الآلي لجرايات متقاعدي CNRPS وفي تقديرنا تلك خسارة كبيرة حيث كان من الممكن لاوّل مرّة توحيد كلّ المتقاعدين والزام كل الاطراف بمراجعة الجرايات سنويّا كما الحال للمباشرين.
وبالنسبة لمرور سنة 2017 دون زيادة في جرايات متقاعدي القطاع الخاصّ، هو صحيح لكن الحكومة تقيّدت بالقانون وربطت زيادة جرايتهم بالزيادة في الاجر الادنى المضمون.
• أخيرا، هناك قطاعات لمّ تتمتّع بعد بالزيادة في اجور القطاع الخاصّ لسنتي 2018 و2019 رغم تجاوز الاجل باكثر من 5 اشهر وقد انطلقت في التحرّك من بينها 4 قطاعات أضربت امس ؟
اتفاق الزيادة في اجور القطاع الخاصّ يجب ان يُفعّل والدولة مهمّتها مساعدة الطرفين على تطبيق ما تم الاتفاق حوله وفي حال كانت هناك اشكاليات عند التطبيق فدور الدولة التدخّل لكن في نطاق التقيّد بتنفيذ الاتفاق، ونحن نقرّ بوجود اشكاليّات عند تطبيق الاتفاقات في القطاعات المدعّمة والمؤطرة من طرف الدولة مما يستدعي ايجاد حلول لكننا نرفض استغلال تلك الاشكاليّات للمغالاة وابتزاز الدولة واعتقد ان اتحادي الشغل والاعراف على وعي بذلك.