بعد قرار قاضي التحقيق منع بث تحقيق في برنامج «الحقائق الأربع» على قناة الحوار وإعادة جزء من برنامج خاص على قناة قرطاج + الكلّ يندد بـ «السّابقة الخطيرة» مع التحذير من سياسة استعمال القضاء لضرب حرية الإعلام

قرر قاضي التحقيق بالمكتب العاشر بالمحكمة الابتدائية بتونس المتعهد بملف

ما يعرف إعلاميا بـ«فاجعة رضع الرابطة» منع بث تحقيق في برنامج الحقائق الأربع وإعادة جزء من برنامج خاص على قناة قرطاج + حول هذا الملف، قرار أثار حفيظة عدد لا بأس به من الفاعلين في القطاع أو من خارجه ليكون هناك إجماع لم يسبق له مثيل على رفض قرار القاضي واعتباره ضربا لحرية الإعلام في تونس في تمش يعدّ خطرا ويهدد بنسف ما تحقق من مكاسب في مجال حرية التعبير والإعلام. ويذكر أنه جاء في نص قراري المنع أن التناول الإعلامي لقضية لاتزال في طور التحقيق دون ترخيص مسبق في الغرض من شأنه أن يمسّ من سلامة سير البحث ويتعارض مع مبادئ سرية التحقيق الجنائي ويعدّ تدخلا في سير العدالة وخرقا لأحكام الفصل 109 من الدستور الذي ينصّ على أنّه يحجّر كلّ تدخّل في سير القضاء.
تتالت أمس بعد قرار المنع البيانات والتصريحات الرافضة والمنددة بما أقدم عليه قاضي التحقيق، واعتبروه سابقة خطيرة، وقد عبر محمد الفاضل محفوظ الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان خلال اتصاله بكل من رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ناجي البغوري والإعلامي حمزة البلّومي عن تفاجئه بالقرار ورفضه لأي شكل من أشكال الرقابة المسبقة على حرية التعبير، مؤكدا انحيازه التام لاستقلاليّة قطاع الإعلام ودفاعه عن مناعة مؤسساته والعاملين فيه من كلّ قيد على حريّة التعبير، مشيرا إلى أنه دعا الهياكل الممثلة للقطاع الإعلامي إلى اجتماع تنسيقيّ عاجل لاستكمال المشاورات وإقرار التمشّي الوفاقي الأمثل.

الحكومة لا علاقة لها بالقرار القضائي
وفق الناطق الرسمي باسم الحكومة إياد الدهماني فإن الحكومة لا علاقة لها لا من قريب أو من بعيد بالقرار القضائي بمنع بث فقرة من برنامج الحقائق الأربعة حول حادثة وفاة الرضع بمستشفى الرابطة، مشددا على أن الحكومة تتفاعل ايجابيا مع مثل هذه البرامج وليس من مصلحتها اتخاذ مثل هذه القرارات خاصة وأن من مكاسب الثورة التونسية هي حرية التعبير، فهي تفضل المعالجة الإعلامية والصحفية على الإشاعات والأخبار الكاذبة في الفايسبوك، وأشار إلى أن من مصلحة الحكومة أن يقوم الإعلام بعمله من أجل كشف الحقيقة وأن الحديث عن علاقة الحكومة بهذا المنع غير مقبول. كما أضاف في تصريحات إعلامية أن وزير العدل لا علاقة له بهذا القرار لان هناك فصلا بين السلطات.

تدخل خطير في اختصاص حصري للهايكا
أجمع العديد على أن قرار قاضي التحقيق هو خرق للدستور وتدخل خطير في اختصاص حصري للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري التي تولت بدورها إصدار بيانا نددت فيه بالقرار القضائي واعتبرته سابقة خطيرة تهدد بنسف ما تحقق من مكاسب في مجال حرية التعبير والإعلام تم التأكيد عليها صلب دستور الجمهورية التونسية خاصة في الفصل 31 منه الذي ينص على أن «حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة ولا يجوز ممارسة رقابة مسبقة عليها» . كما رأت في «استناد قاضي التحقيق في قراري منع البث على أن ما سيتم بثه «من شأنه أن يمس من سلامة سير البحث ويتعارض مع مبادئ سرية التحقيق الجنائي ويعد تدخلا في سير العدالة» هو توجه في غير طريقه على اعتبار أن الجزم بذلك يقتضي الاطلاع على محتوى البرامج المعنية بعد بثها، وماعدا ذلك فهو عودة لآلية الرقابة المسبقة المرتبطة تاريخيا بالنظام الدكتاتوري».

القطع مع ممارسات التعتيم الإعلامي
وقالت إن القرارين المذكورين يشكلان مسا بصلاحيات الهيئة باعتبارها المؤسسة الموكل لها بصفة حصرية مراقبة مدى تقيد القنوات التلفزية والإذاعية بالقوانين والتراتيب الجاري بها العمل واتخاذ ما يتعين بشأنها، موضحة أن من واجب المؤسسات الإعلامية التطرق إلى مختلف المواضيع لإنارة الرأي العام ضمانا لحق المواطنين في الحصول على معلومة دقيقة وقطعا مع ممارسات التعتيم الإعلامي الذي يفضي ضرورة إلى انعدام الشفافية وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة. وشددت على ضمان حرية الاتصال السمعي والبصري مع تكريس مسؤولية وسائل الإعلام، معتبرة أن التعاطي الإعلامي مع المواضيع المنشورة أمام القضاء يستوجب الالتزام بالقواعد القانونية والمهنية مراعاة لضمانات المحاكمة العادلة، على أن لا يمس ذلك بجوهر الحق في النفاذ للمعلومة ونشرها وتداولها.

واجهة لقرار سياسي
نقابة الصحفيين بدورها حذرت من سياسة استعمال القضاء لضرب حرية الإعلام، واعتبرت قرار المنع سابقة خطيرة من شأنها أن تنسف ما تحقق بعد الثورة من مكاسب في مجال حرية التعبير والصحافة، ويؤشر لعودة الاستبداد وتكميم الأفواه وتطويع القضاء وتوظيفه من قبل السلطة التنفيذية وكذلك مخالفة صريحة لدستور 2014 ومجرد واجهة لقرار سياسي بمنع التداول في قضية رأي عام تسعى السلطة إلى التعتيم عليها والتحكم في تفاصيلها ومنع الإعلام من الاضطلاع بدوره الاستقصائي والرقابي، ويعزّز الشكوك حول الأسباب الحقيقية لكارثة وفاة الرضع في ظروف مسترابة.
كما دعت النقابة عموم الصحافيات والصحفيين والمؤسسات الإعلامية إلى عدم الخضوع إلى محاولات تدجين الإعلام وإرجاعه إلى مربع الاستبداد مهما كانت المسوغات، والقيام بدورهم الطبيعي في تنوير الرأي العام في إطار احترام القانون وأخلاقيات المهنة وأيضا جميع مكونات السلطة القضائية إلى التمسّك بتطبيق القانون بكلّ حياد واستقلالية وعدم الخضوع مجددا إلى أي إملاءات من شأنها مزيد ضرب ثقة الجمهور وتوقه إلى قضاء عادل ومستقل ينتصر للحقوق والحريات وفي مقدمتها حرية التعبير والصحافة.

يمس بمبدإ أساسي لحرية الإعلام
أما النقابة العامة للإعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل فقد اعتبرت في بيان أصدرته أن تدخل القضاء في نشر المعلومة ومنع بث حلقات إعلامية يغذي عملية ضرب الإعلام الحر مما يستوجب على القضاء النأي بنفسه عن مثل هذه الظواهر، داعية هياكل المهنة وهياكل القضاء إلى فتح حوار حقيقي بينها دفاعا عن إعلام حر وقضاء مستقل باعتبارهما عاملين أساسيين في إنجاح الثورة التونسية بعيدا عن أي توظيف . وأكدت أن حرية التعبير وحرية الإعلام من مكاسب الثورة ويمثلان شرطا من شروط نجاح المسار الديمقراطي في تونس، معتبرة أن قرار القاضي يمس بمبدأ أساسي لحرية الإعلام وسابقة خطيرة في تاريخ الثورة يتطلب المراجعة. وبينت أنها بقدر احترامها للقضاء المستقل ولدوره في إنجاح المسار الديمقراطي، فإنها تعتبر هذا الإجراء تعتيما إعلاميا مرفوضا يضرب استقلالية القضاء ويمس جوهر العملية الديمقراطية. ودعت النقابة العامة للإعلام كافة الإعلاميين إلى الدفاع عن حقهم في إعلام حر بعيدا عن الصنصرة والتعتيم والضغوطات والتوظيف خاصة مع اقتراب المواعيد الانتخابية ومحاولة الكثيرين استغلال الإعلام لغايات أخرى، محذرة كذلك من خطورة اللوبيات والمال الفاسد على الإعلام المستقل.

احترام مبدإ المواجهة
رفض قرار قاضي التحقيق لم يقتصر فقط على المتدخلين في القطاع بل كان شمل أيضا هيئات أخرى وكذلك أحزابا سياسية، على غرار هيئة مكافحة الفساد، حيث عبّر رئيسها شوقي الطبيب عن انزعاجه وخشيته بصفته حقوقيا من القرار دون المرور بالقواعد القانونية. وأضاف أنه لا يمكن -قانونيا- إيقاف برنامج دون الإطلاع على محتواه ولم يتم بثه، كما أنه لم يتم إصدار هذا القرار من القضاء الإستعجالي الذي يجب أن يحترم فيه مبدأ المواجهة.

عودة مرفوضة للرقابة المسبقة
ومن الأحزاب التي نددت بالقرار نذكر حركة «تحيا تونس»، واعتبرت أنّ حق التونسيين في النفاذ إلى المعلومة والإطلاع على المستجدات في قضية رأي عام من أبرز مكاسب تونس بعد 2011، مشيرة إلى احترامها لاستقلالية القضاء والتزامها بقراراته السيادية. أما حزب البديل التونسي فقد اعتبر القرار سابقة خطيرة وعودة مرفوضة للرقابة المسبقة على المضامين الإعلامية وتهديدا لمكسب حرية الإعلام والتعبير كأهم منجز للتونسيين بعد الثورة، معبرا عن تمسك الحزب بضمانات استقلالية وحرية الإعلام ومساندة كل الهياكل المهنية والمجتمع المدني وكل القوى التقدمية في البلاد في الدفاع عن هذا المكسب ورفض كل أشكال ومحاولات التضييق على الإعلام وعن حق التونسيين في المعلومة وفي إعلام حر تعددي يليق بدولة ديمقراطية.
حزب آفاق تونس اعتبر القرار القضائي سابقة خطيرة، معربا عن استنكاره من أي قرار من شأنه أن يمس من مكسب دستوري وديمقراطي أساسي وهو حرية الإعلام والصحافة وحرية التعبير ، داعيا القضاة إلى اعتماد الحرية كمبدأ والمنع كاستثناء وتجنب التدخل في العمل الصحفي في إطار احترام السلطة الرابعة الممثلة في إعلام حر مستقل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115