لذلك يلاحظ المطلع على هذا القانون الّذي أثار جدلا واسعا ، أنه كتب في عجل وأن أكثر من يد تدخّلت في صياغته ، و كان محل اقتطاع لعدة أحكام و فقرات من نص آخر، وهو ما يمكن أن نتبيّنه من مختلف الفصول الّتي كانت غير متجانسة وغير متناسقة و غير مترابطة و ضعيفة في فحواها و متضاربة في أحكامها .
إن الفصل الأوّل من القانون جاء في صياغة عامّة يكون موضعها في شرح الأسباب، لأنها خالية من أي صيغة للتعريف أو للأمر أو النهي ، أو الإشتراط أو الترتيب، أو غيرها من الصياغات المتعارف عليها في فنيات صياغة النصوص القانونية .
ونستشفّ التسرّع في الصياغة أيضا ،من ترتيب الفصول ، إذ بدل أن تتضمن الفصول الأولى تحديد مجال التطبيق و الشروط الواجب توفّرها ، و كيفية التطبيق، نص الفصل الثاني مباشرة على أنه « لا يخضع للمؤاخذة الجزائية الموظفون العموميون و أشبهاهم على معنى الفصلين 82 و 96 من المجلة الجزائية..» وذلك في صياغة عامّة و شاملة دون إعتبار ذلك إستثناءا بخصوص أفعال أتاها أشخاص معنيون مع توخي الوضوح في التحديد .
ثم وقع القفز مباشرة إلى تناول «الإنتفاع بالعفو» وتحديد الجهة التي تمنح هذا العفو دون بيان أي شكل من أشكال تحرير المطالب و ما يلزم ذلك من وثائق ودون تحديد أي شرط من الشروط الّتي يجب توافرها للإنتفاع بهذه الآلية ، ودون التعرض لآثار هذا العفو من تعويض أو إسترداد . كما خص هذا القانون هيئة تنظر في أي خلاف حول تطبيقه ، وإعتبر الطعن مطلبا و دعوى في نفس الوقت، بحيث إتخذ هذا الإجراء ثلاثة أشكال في نفس الوقت (طعن، دعوى ، مطلب) وهي أشكال مختلفة و وضعت دون تحديد أجل لهذا الإجراء في حين تمّ تحديد أجل الإحالة وأجل البت والتنصيص على عدم إمكانية الطعن في قرار هذه الهيئة .
وفي نفس الوقت يتعرّض الفصل 6 من القانون إلى الصورة الّتي يحصل فيها الخلاف طبق ما اقتضاه الفصل 5 و لكن في صورة حصول هذا الخلاف أمام سلطة قضائية (هكذا) فإن «المطلب الكتابي يستوجب توقيف النظر في الأصل إلى أن يقع البت في ذلك الخلاف من قبل الهيئة المذكورة »، و يظهر أن هذا الفصل أُقتطع من صياغة أخرى ، فبدا الفصل هجينا ، لأنه يتناول وضعية لا نجد لها أثرا في الفصول السابقة أو اللاّحقة .
أمّا الفصل الأخير فقد نص على أن أحكام هذا القانون تنطبق على الفترة الممتدّة من غرة جويلية 1955 إلى 14 جانفي 2011 في محاكاة لقانون العدالة الإنتقالية، و تجاهل آجال التقادم و إنقراض الدعوى و سقوط الأحكام ،و أعطى الإنطباع بأن تناول الموضوع كان بدون جدية و أضيف الفصل في الأخير لتدارك ما ورد بالفصل الثاني.
لن نتعرّض للأخطاء اللّغوية والنحوية ، و لن نغوص في الآثار السياسية والقانونية لهذا القانون ،و لا لما حصل عند عرضه على الجلسة العامّة لمجلس نواب الشعب ، و لكن نبقى نتساءل دائما عن هوية من يتكفّل بالتثبت في الصياغة النهائية و عمّن تولىّ عملية « Couper-coller » ليتحفنا بها القانون .
هذا القانون يبقى قابلا للطعن ، و طريقة صياغته تنمّ عن عدم جدية في صياغة النصوص القانونية ، و لعلّ صائغيه وضعوا في حسابهم هذا الطعن ، فإختاروا تمريره في هذا الظرف بالذات و في هذا الشكل، بغاية نزع «اللّوم» عليهم ، في انتظار أن يؤدي الطعن إلى تأجيل النظر في الموضوع إلى أجل آخر، و هي طريقة لا تختلف كثيرا عن طريقة تقنية «الغياب» الّتي تمّ إعتمادها لتجنب النظر في سد الشغور في الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات ، بغاية تأجيل الإنتخابات البلدية.
في كل هذا إستخفاف بالدولة و بمؤسساتها و تمييع للنصوص القانونية ، وإستنقاص من كفاءاتنا ،و تأكيد للدعوة إلى تطبيق مقولة : شد مشومك ..لا يجيك ما أشوم...» لأن التجربة أكدت في أكثر من مناسبة أن التعديل يزيد عّلة للعليل...