ليلة القدر.. أي ليلة هي؟

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله:
اختلفت آراء العلماء في تحديد وقتها إلى أكثر من أربعين قولاً ثم ذكر هذه الأقوال وأدلة أصحابها.

والأكثرون: على أنها في العشر الأواخر من رمضان. وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تحرُّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»، وفي رواية: « فابتغوها في العشر الأواخر»، وأكثرهم كذلك: على أنها في الوتر من العشر الأواخر. وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تحرُّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان».
وهى في السبع الأواخر أقرب.

وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر - رضي الله عنهما-: «أن رجالاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رأوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمَن كان متحرِّيها فليتحرها في السبع الأواخر. تواطأت: اتفقت.

وفى «صحيح مسلم» عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي».
وذهب بعضهم: إلى أنها ليلة السابع والعشرين، وهو قول جماعة من الصحابة، وبه جزم أبي ابن كعب، بل حلف على ذلك.

فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: «والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين».
والذي يترجَّح: أن ليلة القدر في العشر الأواخر وأوتار العشر أوكد، وأنها تنتقل فيها، وأنها لا تختص بليلة السابع والعشرين، بل هي متنقلة بين الليالي الوترية.

وحكى ابن كثير هذا الوجه عن مالك وأحمد وغيرهما:
وأما ما جاء عن أبي بن كعب في إنها ليلة السابع والعشرين، فالصحيح إنها كانت في هذه السنة التي أقسم فيها أبي بن كعب ليلة السابع والعشرين، وعليه فلا ينبغي تحديدها في كل سنة ليلة السابع والعشرين.

قال ابن حجر الهيثمي - رحمه الله -:
«اختار جمع أنها لا تلزم ليلة بعينها من العشر الأواخر، بل تنتقل في لياليه، وقالوا: لا تجتمع الأحاديث المتعارضة فيها إلا بذلك.»

وروي عن أبي كلابة أنه قال:
«تنتقل في العشر الأواخر»، وقد مال إلى هذا الرأي كثير من السلف الصالح، منهم الإمام مالك وأحمد بن حنبل، والثوري، وأبى ثور، والمزني... وغيرهم.

وقد حكي عن الإمام مالك - رحمه الله -:
«أن جميع ليالي العشر تطلب فيها ليلة القدر على السواء، لا يترجَّح منها ليلة على أخرى.»

وقال ابن حجر في «فتح الباري»:
«والأرجح أنها في وتر من العشر الأخر وأنها تنتقل.»

وهناك ما يدل على أنها متنقلة، فقد وردت أحاديث بثبوتها ليلة واحد وعشرين، وفى ليلة ثلاث وعشرين، وفى ليلة سبع وعشرين، وفى ليلة تسع وعشرين.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه -: «أنه خطبهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إني أُريت ليلة القدر ثم أُنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيت أنى أسجد في ماء وطين».

قال أبو سعيد: «مطرنا ليلة إحدى وعشرين فوقف الناس في مصلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح، ووجهه مبتل طيناً وماء».
ففي هذا الحديث كانت ليلة القدر في واحد وعشرين.

وثبت في «صحيح مسلم» عن عبدالله بن أنيس - رضي الله عنه -: «أن رجلاً قال: يا رسول الله، متى نلتمس هذه الليلة المباركة؟ قال: التمسوها هذه الليلة ثلاث وعشرين».
وجاء عن أبي بن كعب: أنها ليلة سبع وعشرين وثبت أيضاً عن ابن عباس .رواه أحمد وابن خزيمة.

وفى «صحيح ابن خزيمة» عن معاوية بن أبى سفيان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «التمسوا ليلة القدر في آخر ليلة».
فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن ليلة القدر غير ثابتة في ليلة بعينها، بل هي متنقلة في الليالي الوترية.

ولا شك أن أحياءها مستحب كسائر ليالي الشهر، خصوصاً ليالي العشر الأواخر منه، وقد صحَّت الأحاديث في ذلك، فقد أخرج البخاري ومسلم: «مَن قام ليلة القدر إيمانا واحتساباً غُفِرَ له ما تَقَدَّم من ذنبه».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115