معتبرا أن هذا الجنس السينمائي يعرف حاليا أحلى فتراته لأنّه أصبح المرآة العاكسة في زمن العولمة لكل ما تعيشه البشرية من دمار ومآس وهواجس وآمال...
وكان للسينما الوثائقية حضور مهم في برمجة أيام قرطاج السينمائية. وما يسترعي الانتباه في قسم «آفاق السينما التونسية» - والذي ضم 8 أفلام طويلة و 17 فيلما قصيرا- أنّ السواد الأعظم من الأفلام الوثائقية جاءت بتوقيع شباب يحملون هموم الدفاع عن المعالم التاريخية والمواقع الأثرية وعناصر التراث اللامادي وذلك في غيرة على الذاكرة الوطنية والموروث الحضاري والثقافي لتونس. وفي ما يلي قائمة هذه الأفلام:
• «عقرب مجنونة» يثمّن «مرقوم وذرف»
وراء المنسج تجلس النساء لساعات تصل آناء الليل بأطراف النهار من أجل نسج المرقوم في مهارة توارثتها الحفيدات عن الجدات في حرص منهن على بقاء هذه الحرفة حية بالرغم من التعب والجهد وغلاء المواد الأولية وضعف المردود المادي... وعن مرقوم وذرف (ولاية قابس) اقتفت كاميرا المخرج أكرم منصر حكايات نساء مناضلات وصامدات من أجل الحفاظ على هذا استمرار نسج هذا السجاد التقليدي الشهير. والأكيد أنّ فيلم «عقرب مجنونة» سيدعم ملف تسجيل «مرقوم وذرف» في التراث العالمي مستقبلا سيما بعد تصنيفه في قائمة الجرد الوطني للتراث الثقافي اللامادي.
• «عمر عبادة» عن الزاوية التي تحوّلت إلى متحف
عن الولي الصالح عمر عبادة يتحدث الفيلم الوثائقي لشيماء الأندلسي. وكان هذا الرجل «غريب الأطوار، غامضا، يمتاز بقوة شخصيته العجيبة وصلابة إيمانه وثقته المفرطة بقدرته وعظمته...» و لقد ظل دائما مقدّسا وفي نفس الوقت مرهوب الجانب. ولهذا بقيت سيرته محل سؤال وتساؤل. ويبحث الفيلم في حكاية هذا الولي الصالح الذي تحولت زاويته إلى متحف أثري يحمل اسم « متحف سيدي عمر عباده بالقيروان».
• «سكون» بسبب غلق الموقع الأثري بقرطاج
يطوّع المخرج هيثم بن حميدة كاميرا التصوير لرصد حالة الصمت الرهيب التي يغرق فيها الموقع الأثري بقرطاج ومتحفه بسبب غلقه للترميم . وفي فيلمه «سكون» يصوّر هذا المخرج كيف أن الجولة أصبحت الجولة أقصر فأقصر. فالزائر ذو التطلعات الكبيرة والسعي لاكتشاف المكان يجد نفسه أمام محظورات وعوائق. وبذلك تقتصر الزيارة على جولة في الفضاء الخارجي. ومن سخرية القدر أن متاجر الهدايا التذكارية أمام مدخل الموقع، أصبحت بديلا عن المتحف المغلق.
• «ثلاثية الكراكة» عن الماضي والحاضر والمستقبل
في ثلاثة فصول مستقلة، يتطرّق فيلم «ثلاثية الكراكة» للمخرج إسماعيل عبد الغفار إلى مستقبل وحاضر وماضي معلم عمره خمسة قرون ليطرح علاقة الموروث الثقافي بالوعي الجماعي التونسي. وقد تم بناء كراكة حلق الوادي في أوائل القرن السادس عشر على يد شارل الخامس إمبراطور إسبانيا، كبرج صغير للمراقبة، وفي عام 1534 سقط الحصن في أيدي العثمانيين، فحوّله القائد خير الدين برباروس إلى حصن. وما بين تدمير وترميم ، تحوّل هذا المعلم التاريخي من حصن وسجن إلى مسرح ومنارة فن.
• «الكازينو» وشهرة حلق الوادي
تمثل مدينة حلق الوادي مزا للتعايش والتسامح وهي الذي تألف نسيجها السكاني من مزيج من المسلمين والمسيحيين واليهود. وتشهد مبانيهم الدينية والمدنية على دورهم في «تمدين» حلق الواديعلى غرار مبنى الكازينو شهير وما حوله من بنايات إيطالية المعمار... وفي فيلمهما الوثائقي «الكازينو» تراوح المخرجتان رؤى وولاء التليلي ما بين الصورة والصوت لتجسيد الماضي بين الطابق السفلي والطابق العلوي من خلال أحداث القصة تحت قبّة الكازينو في مراوحة بين الوثائقي والخيالي وفي إبحار في عمق الذاكرة.
• «قبّة الهواء» حدود الموجة الأخيرة»
يدافع المخرج إلياس دبيش في فيلمه «قبّة الهواء»، حدود الموجة الأخيرة» عن ذاكرة هذا المعلم التاريخي الذي يقع على ضفاف البحر بشاطئ المرسى وﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺑﻨﺎﻳﺘﻬﺎ إلى ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺳﻨﺔ 1920 ﺃﻱ إلى ﺣﻘﺒﺔ ﺍﻟﺒﺎﻳﺎﺕ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ. شهد هذا المعلم عدة تحويرات غيّرت من شكله الأصلي، كما أصبح محلّ خلاف بين أطراف متعدّدة. وكانت قبة الهواء بالمرسى في مهب ريح الاعتداءات وخطر الاندثار قبل أن تتدخل وزارة الشؤون الثقافية وتقوم بتصنيفها كمعلم أثري وتاريخي في 15 أفريل 2022.
• «جزيرة شكلي» إمارة السينما
يبحر بنا المخرج السينمائي خالد العازق في فيلمه «شكلي إمارة السينما» إلى جزيرة شيكلي الغامضة هي قلعة رومانية سميت بـ»قلعة سانتياغو» تقع وسط بحيرة مدينة تونس… شهدت حضارات متعاقبة. في بداية القرن العشرين، السينمائي التونسي ألبرت سمامة هو آخر مالك للجزيرة لقّب بـ»أمير شيكلي». تم اعتبار الجزيرة محمية طبيعية سنة 1993 ومنع العموم من زيارتها.
• «قناديل الجدود» وتراث اليهود
تحمل المخرجتان أميرة المفتي و سُلَيْمَة الخيتوني الكاميرا في زيارة إلى مكتبة «كاريلا» والمعبد الكبير والصغير اليهوديين بنابل. وهناك يروي لنا «آلبرت شيش» آخر يهودي في المدينة حنينه إلى الماضي وخيبته من الخراب الناجم عن هجر دور عبادة أسلافه لا سيما التخريب الحاصل بعد الثورة بالمعبد اليهودي الصغير. إلا أنه بفضل الترميم والإصلاح والتوثيق ستبقى الذاكرة اليهودية حيّة في نابل.
• «الصخرة الزرقاء» في تكرونة البربرية
في اقتفاء لآثار البربر في البلاد التونسية، تستعرض المخرجة منال القاطري في فيلمها «الصخرة الزرقاء» حكاية تكرونة، تلك القرية البربريّة التي تطل على الناس من العلياء والتي صمدت في وجه الأعداء وشهدت معارك تاريخية أثناء الحرب العالمية. اليوم تكرونة مهددة بالانهيار جراء الإهمال واللامبالاة. هذا الفيلم هو نداء للجميع يهدف للتوعية ومحاولة الحفاظ عليها من الاندثار والنسيان.
• «الحصار» من أجل فك الحصار عن قرقنة
إلى جزيرة قرقنة يأخذنا فيلم «الحصار» للمخرج أحمد بالي وفيه يمنح الكلمة إلى عبد الحميد الفهري (باحث) و منية وتوفيق (بحّار) من أصيلي جزيرة قرقنة للحديث عن الوضع الحالي لبرج «لحصار» بالجزيرة ولاستعراض المشاكل والمخاطر التي تهدده رغم أهميته كمعلم تاريخي... وفقا لشهادة الضيفين لا يمكن إنقاذ هذا المعلم التاريخي إلا بكسر العزلة عن الجزيرة بأكملها والتي وصفوه بـ «لحصار».
«القطرة» يوثّق موروث الغَنّاية
في فيلمه «القُطرة» يوثق المخرج يونس بن حجرية لفن الغَنّاية، فن الإدبة (الشعر الملحون) في مدن الساحل التونسي. وفي هذا الفيلم دعوة إلى حفظ ذاكرة شعبية في طريقها إلى الاندثار بالاعتماد على الشخصية المرجعية محمد خذر جديرة «الأديب» الذي عاش في ثلاثينيات القرن الماضي.
في أيام قرطاج السينمائية: وثائقيات تونسية تدافع عن الآثار والتراث
- بقلم ليلى بورقعة
- 11:32 07/11/2022
- 780 عدد المشاهدات
هي «سينما العالم أو بالأحرى السينما التي تفكر في مصير العالم، وفي متقلباته ومتغيراته.» هكذا يعرّف الأكاديمي والناقد السينمائي هادي خليل السينما الوثائقية في كتابه « السينما الوثائقية التونسية... والعالمية»