في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية: أفلام روائية تتقاطع في البحث عن الكرامة والحرية

على شاشة أيام قرطاج السينمائية رقصت جماليات متعددة وراقصت حكايات متنوعة الجمهور على نخب التشويق ولذة المتعة.

في أفلام من جنسيات ولغات ومدارس مختلفة لكنها تنطلق من الإنسان وتعود إليه في تعبير عن قضاياه المعاصرة وهمومه الآنية. وفي ما يلي لمحة عن الأفلام الروائية الطويلة الناطقة باللغة العربية ضمن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية:

«وحلة» و«تحت الشجرة»
من تونس:
إبحار في أعماق الشباب
ضمن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية، تسجلت السينما التونسية حضورها بفيلمين روائيين طويلين وهما : «وحلة» لنادر الرحموني و»تحت الشجرة» لأريج السحيري. وفي انتظار العودة المفصلة لقراءة كل فيلم على حدة، يمكن القول بأن الفيلمين ينتميان إلى مناخات مختلفة على مستوى المضمون والطرح وزوايا التصوير والحوار... لكن في البحث عن شيء مشترك بينهما نجد أن كلا الفيلمين اشتغلا على قضايا الشباب التونسي وهواجسه وآماله المعلقة بين سلطة الأسرة ورقابة المجتمع . وقد ترك المخرجان الكاميرا للشباب لقول ما يدور في عقولهم من أفكار وفي وجدانهم من آمال وأحلام ... وكأن السينما تنصفهم من التهميش والإقصاء من المشاركة في الحياة العامة.
• «حياة ما بعد» من الجزائر:
المرأة والوطن وجهان لعملة واحدة
على هامش المجتمع حيث يصارع المعذبون في الأرض الفقر والوجع والقهر، يسرد فيلم «حياة ما بعد» للمخرج الجزائري أنيس جعاد قصة «هاجر» وابنها المراهق وهما يعيشان في شظف بعد موت الأب. ولم تلبث الإشاعات أن لاحقت الأرملة وضيقت عليها الخناق حتى اضطرت للهرب من ضيعتها والاستقرار في منطقة جديدة لا يعرفها فيها أحد. ولكن العقلية الذكورية ذاتها لم ترحمها هذه المرة أيضا وصارت مطمعا للمتحرشين من الرجال وفاقدي الشرف والمروءة. فهربت من جديد. ومن حسن الحظ أن الحياة ابتسمت لها في النهاية بالعثور على رجل وحيد مثلها عرض عليها الزواج. ولكن كان ابنها يغرق أكثر فأكثر في بلد لم يحترم كرامته فاختار ركوب الموج في رحلة خطرة نحو إسبانيا، ولكنه عاد جثة هامدة !ولئن كانت معاناة المرأة هي العمود الفقري للفيلم فإنها كانت مرآة انعكست عليها صورة الجزائر وواقع كل المجتمعات العربية.
• «العبد» من المغرب:
طرح فلسفي لمظاهر العبودية المعاصرة
لئن انتفى عصر العبودية في مفهومها القديم، إلا أن عبودية معاصرة تتحكّم في حرية الإنسان الآن وهنا. وهذا ما يطرحه فيلم «العبد» للمخرج المغربي عبد الإله الجوهري والذي اشترك مع الناقد والكاتب التونسي كمال بن وّناس في كتابة سيناريو الفيلم. ينطلق الفيلم من فكرة طريفة للغاية حيث يعرض البطل «إبراهيم» نفسه للبيع مصرا على أن يمتلكه شخصا آخر يضمن له القوت والمسكن والأمن. ويستعرض فيلم «العبد» مظاهر العبودية التي يعيشها الإنسان المعاصر على غرار التبعية إلى رأس المال والخضوع إلى سلطة الأقوى والاستسلام للعادات والتقاليد... وفي حيرة وجودية وأسئلة فلسفية يفتش بطل الفيلم عن الطريق إلى الحرية . وبعد ملحمة إنسانية يعثر البطل على كرامته وسعادته وحريته عندما يتعثر بالحب.
• «وراء الباب» من العراق:
للحقيقة وجوه عديدة
يمكن وصف فيلم «وراء الباب» للمخرج العراقي عدّي مانع بالمجازفة التي لم يخش صاحبها خوضها إلى النهاية. وهو الذي غامر بتصوير كل الفيلم في «ويكلو» في اعتماد على مكان واحد ومغلق لسرد أحداث تجاوز الساعة ونصف من الزمن. وبكثير من الذكاء نجح المخرج في ضخ دماء التشويق في جسد فيلمه بل وتمكن من التلاعب بمشاعر المتفرجين وانفعالاتهم بدهاء كبير. ويروي الفيلم قصة ضابط عسكري من رتبة مرموقة فرّ من العراق إلى تركيا بعد اتهامه بممارسة جرائم حرب ضد الإنسانية. في مدينة «سامسون» التركية يعيش بطل الفيلم في وحدة وعزلة داخل شقته خوفا من أن يتعرف عليه العراقيين اللاجئين هناك. وفي يوم من الأيام وجد نفسه شاهدا على جريمة ومجبرا على حماية امرأة ورضيعها بعد مقتل زوجها. وقد برع الفنان جمال أمين في تجسيد دور بطل الفيلم بكل ما يميز هذه الشخصية من وصولية وانتهازية وأنانية وهي التي تمارس التلصص من «وراء الباب» على الجيران ومن وراء شاشة التلفاز على أخبار العراق التي تسبب كغيره في خرابها... !
• «الطريق» من سوريا:
جدّ وحفيد وعبقرية «أديسون»
من طرائف الدهر ونوادر الزمن أنّ الكثير من عباقرة الإنسانية قد لفظتهم المدرسة وطردهم الأساتذة من الفصل لأنهم أغبياء، إلا أنهم في الحقيقة يملكون ذكاء خارقا للعادة على غرار مخترع المصباح الكهربائي « أديسون» ... وفي قصة شبيهة لطفولة هذا العالم الأمريكي، يسرد فيلم «طريق» للمخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد حكاية جد تلقّى من المدرسة رسالة مفادها أنّ حفيده غبي ويستحيل مواصلة تدريسه. وكما فعلت أم «أديسون» فعل الجد في الفيلم وحمل على عاتقه مسؤولية تدريس حفيده بمفرده. وبعد مضي أعوام أصبح الحفيد طبيا كبيرا في طب الأعصاب في أوروبا. في «طريق» بقي عبد اللطيف عبد الحميد وفيا لقناعته بأن الحب هو كنه السعادة وسر كل نجاح وهو المخرج / الإنسان الذي اكتوى بنار العشق فبحث عن الشفاء في أفلام تنطلق من الحب وتعود إليه في شاعرية مرهفة وجمالية عالية ورمزية مكثفة.
• «شرف» من مصر:
رسالة إلى كل العرب
في اقتباس من رواية «شرف» الشهيرة للكاتب إبراهيم صنع الله، جاء فيلم «شرف» للمخرج المصري سمير نصر جامعا لممثلين من 7 جنسيات عربية بما فيها تونس التي احتضنت تصوير أحداث الفيلم. ويروي الفيلم قصة الشاب «شرف» الذي يدافع عن كرامته وشرفه في التصدي لمحاولة اغتصاب من سجين نصّب نفسه حاكما على السجناء. فيتم نقله إلى الزنزانة «الملكية» مقابل شرط الجوسسة على المساجين وهناك يتعرف على أشكال من البشر وأصناف من التهم. ولكن يبقى الرابط المشترك هو أن الكبار هم الذين يستفيدون في النهاية ليدفع الصغار الثمن، وأن الأثرياء يزدادون ثراء والفقراء فقرا حتى وإن حدثت ثورة. وهذا هو واقع الشعوب العربية اليوم وبلا استثناء تقريبا !

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115