ومن مشروع إلى آخر كان الرأس يشتعل شيبا حتى غدا ناصع الخصلات كنور المسرح حين يحجب بياضه سواد الأزمنة وحلكة الأمكنة. من يشاهد نعمان حمدة على خشبة المسرح أو على شاشة السينما أو في الدراما التلفزية يصعب عليه أن ينسى هذا الوجه الصادق في إحساسه وفي أدائه وهو الصديق للكاميرا والجمهور.
بعد «كاوو» و«سكون»، كانت مسرحية «غدا... وهناك» آخر أعمال نعمان حمدة، وفيها بعد نظر وتشخيص للعلل وأمل في الغد...
• في مسرحيتك الجديدة «غدا .. وهناك» هل يمكن الحديث عن تجاوز «الآن وهنا» في المسرح التونسي؟
كثيرا ما نتحدث في المسرح عن الآن وهنا، انطلاقا من الحاضر وشواغله وقضاياه... ولكن لو تعمقنا في جوهر الأشياء لوجدنا أن كل من حولنا يتغير ويتقدّم بسرعة ونحن ثابتون في مكاننا، ندور حول أنفسنا لنعود إلى نقطة الصفر في كل مرة. أعتقد أننّا اليوم بحاجة إلى «غدا... وهناك» لنتكلم ونتخاطب ونستشرف الغد القريب والبعيد حتى لا يفوتنا قطار الزمن وتتجاوزنا ظواهر الطبيعة ويفوتنا العلم ونبقى مجرد متفرجين!
• بصفتك من الأساتذة المكونين صلب «المدرسة التطبيقية للحرف المسرحية»، ما الإضافة التي تقدمها هذه المدرسة وقد اخترت أبطال مسرحيتك من بين تلاميذها؟
لقد حلم المدير العام السابق للمسرح الوطني والفنان القدير فاضل الجعايبي بتأسيس «المدرسة التطبيقية للحرف المسرحية» من تكوين الأجيال المسرحية على قاعدة صحية وصلبة تفتقد لها حتى المعاهد العليا للفن المسرحي . تقدم هذه المدرسة تكوينا نظريا وتقنيا وتطبيقيا على امتداد سنتين وبمعدل 37 ساعة في الأسبوع. وتخوّل شهادة التخرج الحصول على بطاقة الاحتراف المهنية. ولا يقتصر دور هذه المدرسة التي اهتمت في دفعاتها الأولى بفن الممثل على التكوين بل تشرك خريجها في عمل مسرحي محترف من إنتاج المسرح الوطني. وفي هذا السياق تندرج مسرحية «غدا ... وهناك» التي لعب على ركحها جيل جديد من مدرسة المسرح الوطني في تمكّن من أبجديات الفن الرابع وتحكم في تقنياته وأدواته من أجل إقناع الجمهور وإرضاء المتفرج أولا وأخيرا.
• هل أنه من الصعب العثور على خليفة للفاضل الجعايبي حتى تتعثر تسمية مدير جديد للمسرح الوطني لأكثر من سنتين؟
أن يبقى المسرح الوطني بلا مدير عام لأكثر من عامين فهذا أمر غير طبيعي بتاتا. لا شك أنه يوجد في تونس من الكفاءات ما يؤهلها بجدارة لإدارة هذه المؤسسة الوطنية وخلافة فاضل الجعايبي. ولكني لا أجد في الحقيقة أي مبرر منطقي لإجهاض محاولة تعيين مدير جديد لأكثر من مرة. وفي رأيي الشخصي هذا التباطؤ لا تتحمله فقط سلطة الإشراف بل كذلك بعض المسرحيين الذين يتكالبون بشراهة على هذا المنصب فقط من أجل النفوذ والوجاهة. لا ننكر اليوم جهود المكلّفة بالتسيير إيمان صفر في محاولة تسيير المسرح الوطني وفق إستراتيجية تحترم مكانته وتاريخه في انتظار تسمية مدير عام يملك من الجدية والرؤية الفنية ما يليق بسمعة هذا الصرح الكبير. وكل الأمل ألاّ يتأخر هذا التعيين أكثر، فالأمر لا يحتمل كل هذا التأجيل.
• هل ستكون إنتاجات المسرح الوطني ممثلة في الدورة القادمة من أيام قرطاج المسرحية لسنة 2022؟
أنا اعتبر أن أيام قرطاج المسرحية هي الابن العاق للمسرح الوطني. من رحم هذا المسرح ولدت «الأيّام» سنة 1983 على يد مؤسسها منصف السويسي ولكنها لما كبرت تمردت على الأب وأعلنت العصيان. في الماضي عندما كان المسرح الوطني ينظّم أيام قرطاج المسرحية كانت هذه التظاهرة تتميز بالنجاح الكبير والإشعاع غير المسبوق... أما اليوم فقد أصبحت الإدارة هي من يتحكم في هذا المهرجان، فأضحى بلا روح ومجرد حدث مناسباتي فقط. منذ 10 سنوات تقريبا تراجعت قوة أيام قرطاج المسرحية وانحسرت هالة نورها. وبعد أن كان الجميع يحسب ألف الحساب قبل الصعود على ركح هذا المهرجان العريق، أصبح في دوراته الأخيرة مرتعا لكل من دب وهب. كما تحول إلى فسيفساء من التوجهات والفلسفات في فقدان لهويته ومبادئ تأسيسه...
وعلى سبيل الذكر لا الحصر تم في السنة الماضية فسح المجال أمام عروض الهواة وانتاجات دور الثقافة التي نحترمها ولكن لا يمكنها أن تمثل أيام قرطاج المسرحية. وللأسف أصبح هذا المهرجان يمتثل إلى إملاءات الهيئة العربية للمسرح. كما تحوّل إلى مجرد نسخة عن مهرجانات القاهرة وبغداد وغيرها... ومن المؤسف أن ترفض هيئة أيام قرطاج المسرحية 2022 مسرحية «كاليغولا» لفاضل الجزيري وإنتاج المسرح الوطني في إهانة لقامة فنية ومسرحية. كما تم رفض مدرسة «غدا... وهناك» بدعوى أنها تندرج ضمن مسرح المدارس دون وعي بحقيقة المنجز الإبداعي الذي يتطلبه الفن الرابع في عصرنا الحالي.
• كيف هو المسرح في تونس؟ الآن وهنا و»غدا وهناك»؟
أعتقد أننا فقدنا منذ سنة 2011 الوصفة السرية لإبداع المسرح التونسي. قبل الثورة كانت الرقابة موجودة لكن الفنان كان يتصرف بذكاء ويلتجئ إلى الدهاء حتى يمرّر مواقفه وأفكاره... أما اليوم وأمام ارتفاع منسوب الحرية إلى حد الفوضى أحيانا أصبح من العسير العثور على نكهة الإبداع وعطره القوي النافذ إلى كل الحواس. بكل صدق كم يرعبني وكم يضحكني ويبكيني في الآن نفسه القول بأننا في تونس ننتج 170 مسرحية في السنة موجهة للكهول دون احتساب مسرح الناشئة والهواة... فهل أصبحت ممارسة فن المسرح بكل هذه السهولة حتى تتناسل المسرحيات بسرعة البرق؟ بالفعل نحن نحتاج اليوم إلى «تسونامي» يجرف كل ما هو استسهال ورداءة ويعيد وضع النقاط على الحروف.
الفنان نعمان حمدة لـ «المغرب»: أيام قرطاج المسرحية هي الابن العاق للمسرح الوطني
- بقلم ليلى بورقعة
- 12:01 31/10/2022
- 1141 عدد المشاهدات
من على ركح «عشاق المقهى المهجور» للفاضل الجعايبي في التسعينات انطلقت الرحلة والمسيرة تمثيلا وإخراجا ونصا...