حقق نجاحا باهرا ولاقت الاعمال نجاحا جماهيريا، من «نوارة الملح» الى الايقونة المسرحية «كعب الغزال» فـ«سوق سوداء» الى «في مديح الموت»، نصوص مختلفة وتعامل مع مناخات مسرحية جدّ متباينة استطاع اليحياوي تطويعها وتونستها وكسب رهان المخرج المبدع.
علي اليحياوي مدير مركز الفنون الركحية والدرامية بتطاوين ومدير الدورة الاخيرة لايام تطاوين المسرحية ومخرج المسرحية التي اثارت الجدل «في مديح الموت» التقته «المغرب» وكان الحوار التالي:
• «في مديح الموت» منذ العنوان طرحتم الكثير من الجدال؟ هل أن العمل وليد اللحظة الراهنة؟
مسرحية في مديح الموت كانت ضروري جدا، عمل هو وليد الازمة فالوضعية التي مررنا بها خلال فترة الكوفيد كان لها تأثيرها، وحساسيتي كانت مفرطة تجاه الوضعية خاصة الحجر الصحي الأول الذي مثّل فرصة للتأمل والخوف من المستقبل، والموت المباغت، ما حدث في العالم ذكرنا المشهد بالأوبئة التي مست الانسانية في القديم حين لم يكن العلم متطورا.
الصدمة ايضا مست مكتسبات الحضارة، ظننّا ان الحضارة وصلت لدرجة من المناعة وغفلنا عن سؤال الموت، هذا الكائن الميتافيزيقي الذي نتعامل معه بمسافة وفجأة اصبح الموت مثل الكائن المادي، نلمسه ونرى حضوره وكأننا امام مقولة هيدغير «الموت تجربة شخصية» ، فتجربة الموت تجربة تعاش في الشخصي،في ظل الكوفيد وانتشار الموت خُلقت حالة من ردود افعال انسانية انانية كل يبحث عن خلاصه الشخصي.
فترة «الكوفيد» والحجر الصحي وعلى مستوى القراءات عدنا لإعادة النظرفي بعض الكتب مثل البير كامو وكأننا نبحث عن تفسيرات لهذه الحالة الوجودية واثناء البحث اكتشفت جوزي ساراماغو الكاتب البرتغالي اعرفه عن طريق نص «العمى»، لكن هذا النص «انقطاعات الموت» اكتشفته اثناء الحجر ويحكي حادثة مشابهة للكوفيد، في نصّه طرح فرضية غياب الموت وما ينتج عنه؟ ماذا سيحدث؟ سؤال سريالي كاريكاتوري، في بلاد ديمقراطية برلمانية يغيب عنها الموت؟ وسمينا العمل «في مديح المديح» لان الموت اصبح مهم وخلاص للبشرية من كل عذاباتها، هو المرادف للحياة لا نعرف الحياة الا عبر الموت.
• بالاضافة الى الابعاد الفلسفية حضر النقد السياسي والمجتمعي؟
انطلقنا من طرح فلسفي لنصل الى طرح مجتمعي سياسي، فكل التجارب المسرحية تؤكد ان ممارسة النقد فعل لكشف المجتمعات وعبر التاريخ كانت الازمات محرار لمعرفة قبح المجتمعات، فالمجتمع حين يوضع امام مشرط الموت تتضح حقيقته، في حالة الخوف والرعب تكشف الاحزاب والمافيات الاقتصادية والصراعات السياسية والتناحرات الحزبية الضيقية، في الازمات نعرف حقيقة المجتمع في تعامله مع الاخر وتعاملاته مع الشيوخ فالازمات هي الكاشف الحقيقي للمجتمع والسياسي، وهو ما احالنا اليه دراسة طرح غياب الموت فلسفيا.
• المشهد الاخير اثار الكثير من الجدل؟ واعتبره البعض مسقط؟ او مسرحية منفصلة؟
في الحقيقة لا احبذ الفهم السطحي للمشهد الاخير، المشهد ليس مسرحية منفصلة بذاتها بل جزء اساسي من الحكاية، والفكرة هي ان الموت حين قرر العودة الى العمل بعد غياب اشهر، بات يرسل رسائل الى ضحاياه لكن الرسائل الموجهة للفنان لا تصل مطلقا كإشارة رمزية منا الى خلود الفنان، فقرر الموت زيارة هذا الانسان المتمرد عليه ولا يخاف جبروته في نص جوزيه ساراماغو اختار فنان موسيقي يزوره الموت الى المسرح وينصت الى موسيقاه (انسنة الموت)، فاكتشف الموت عالم اخر، وفي مسرحيتنا اخترنا شخصية مسرحي، مشهد جمع عظيمين من ممارسي هذا الفن صوت عيسى حراث وصورة كمال العلاوي والرسالة واضحة: الفنان لا يهاب الموت والفنان لا يموت ابدا فخلوده مرتبط بإبداعاته وأعماله ومسار الفن بأكمله هو تحدى للموت وتأكيد للخلود.
رغم حداثة المركز انجزتم مهرجان «أيام تطاوين المسرحية» كيف كانت المغامرة؟
اهم قاطرة للتحديث هي المسرح،و خيار بعث المراكز في الجهات على مستوى الارادة السياسية اختيار لتحديث المجتمع وخيار وجيه رغم كل الهنات، في تطاوين وبصفتي مدير لمركز الفنون الركحية والدرامية اعرف جيدا واجبي واهدافي عليّ العمل لترسيخ ممارسة فكرية نقدية على المدى البعيد، اعرف المجتمع وخبرته جيدا، هناك ارضية للبناء ويجب عليّ كممارس للفن المسرحي التاثير، فهل يعقل ان يمر الفنان دون ترك بصمته في مكان ما؟ لا اريد المرور العبثي ارغب بالبناء ونحن ننجز ما نحلم به تدريجيا.
المسؤولية في تطاوين كغيرها صعبة جدّا، لا وجود لثقافة الفرجة ولا تقاليدها فغياب المسرح في المدرسة والمعهد والجامعة مشكل كبير لذلك ارتيئنا انجاز مهرجان يقوم على التنويع في الفرجة فقدمنا المسرحي والموسيقي والرقص، بالإضافة الى الذهاب للمتفرج اينما يوجد في السوق والساحات والمقاهي والمعتمديات لنوصل اليه فرجة مختلفة، هنا لا يمكن الحديث عن جودة متفرج لأننا لازلنا نرسخ ثقافة الفرجة وهدفنا الاول ترسيخ للمواطنة وللجدل والتسامح وقبول الاخر وبعدها ستبنى ثقافة الفرجة المسرحية.
• تقييمكم للدورة هل نجحت؟ وما نقاط الضعف فيها؟
بعد انجاز المهرجان وتقييم الدورة اكتشفنا وجود جمهور متعطش للفرجة، واكتشفنا ايضا غياب حلقة الناشئة المسرحية لذلك يجب العمل على هذه الفئة وربما ننجز مهرجان خاص بمسرح الطفل فمتى تعوّد الطفل على الفرجة حتما سنكسب متفرجا واعيا في السنوات القادمة، في النهاية هي عملية بناء وتاسيس لفعل مواطني.
• ماهي خصوصيات تجربتكم المسرحية؟
المسرح فكرة ودعوة لإعمال العقل هو شعارنا في العمل،نحن لا نلبي الغرائز ولا الرغبات، نحن نفكّر ونحاول صناعة فكرة مختلفة، نريد مسرح يدفع المتفرج لإعمال العقل، مشروع علي اليحياوي هو التفكير، هو البناء لا الاستسهال، في انجازاتنا نعمل على الخصوصية مثلا مسرحية «راعي الصحراء» هي نقل لكل ما يتعلق بالصحراء للطفل بطريقة بسيطة وعميقة.
مسرحية «في مديح الموت» تبدو فلسفية الطرح ولا وجود للمحلي فيها، لكن بمجرد مشاهدتها وتفكيكها سنجد ان تطاوين الاخرى تضررت من الكوفيد فليست بمعزل عن العالم، المسرحية اثناء التدريبات اصبنا بالكوفيد وبعضنا فقد عزيزا، جميعنا كنّا حلقة من هذا الفيروس الذي طرحناه في العمل فالمسرح اعمق من مجرد التناول البسيط لموضوع ما.
قبلها مسرحية «سوق سوداء» حين قدمنا عروضها الاولى في تطاوين رفضوا العمل ووصف بالنخبوي، لكنه حين حقق نجاحات وفاز بالعديد من الجوائز تمت مراجعة بعض الاحكام وانتشرت اكثر جملة «ربما نحن لم نفهم العمل، لكنها مسرحية ناجحة»، وما يهمني هنا هو خلق فعل الجدل والنقد في مجتمع لازال محافظا وله تقاليده المحددة، مع المسرح اكتشف ابناء تطاوين مدينتهم الاخرى واكتشفوا انواع متجددة من الفرجة والطرح والسؤال وهو ما سيذكره التاريخ.
• تعملون بصمت وتحاولون التغيير دون احداث ضجيج ولا شكوى؟ اهي استراتجية عمل؟
اكره البكائيات، يجب محاولة التغيير يجب ان تكون فاعلا ليس من السهل تغيير الواقع يسكنني سؤال «هل مروري عبث؟» حتما لا، اؤمن بقولة لا وجود لمخرج مهم وشعب جاهل، ولا فنان مهم بين اربعة اشخاص لا معنى لهذه الجملة، يجب ان نترك الأثر، لا وجود لمبررات للبكاء فلنعمل وحتما نستطيع التاثير ثم التغيير، فالصدق والعمل الطويل حتما سيكون لهما نتيجة، ربما لن نرى اثرها هذا العام او العام المقبل لكن بعد سنوات حتما سيكون هناك جمهور يتذوّق المسرح ويقبل عليه بكل وعي.
• هل يوجد التكوين في برنامج عمل المركز؟
هناك تكوين لكن بمفهوم مختلف، هنا نحاول توفير الممارسة المسرحية للتقنيين والمهتمين بالمسرح نريدهم ان يتعلموا مباشرة اثناء فعل الممارسة لكن التكوين النظري والمتقطّع والظرفي اعتبره مجرد ذرّ رماد على العيون واراه اهدار للمال العام لا انخرط فيه، لو توفر للمركز فضاء لتوجهنا الى التكوين طويل المدى كتجربة التياترو في تكوين مواطنين في المسرح لنشر روح المدنية، لكن وفي ظل غياب الفضاء اتجهنا الى التكوين التطبيقي من خلال الاعمال في مسرحية «راعي الصحراء» مثلا وفرنا تكوين في صنع العرائس وتحريكها، في مديح الموت تمّ تشريك التقنيين في حلقات تكوينية اثناء انجاز العمل، نحن نحاول تقديم المعلومة والإضافة للفريق تطبيقيا من خلال الممارسة.
• هل تحركت السلط لإسناد دار الشعب لمركز الفنون الركحية؟
الى الحين الافق مسدودة، البلدية استولت على دار الشعب لم تكن ملكها (كانت فضاء ثقافي) و ذاكرة جيل بأكمله، هي ذاكرة كمال بوعجيلة ومنير هلال وعواطف هروسي وعلي دب وعلي اليحياوي جميعنا تكونا ثقافيا في ذاك الفضاء الذي استولت عليه البلدية منذ اعوام دون موجب حقّ فالعقار لم يكن ملكا لها.
المشكل في الانفلات السياسي لا وجود لسلطة نخاطبها، تجزأت السلطة، الوالي يحيل الملف على البلدية والبلدية تحيله الى الوزارة والوزارة تعيد الملف للبلدية، يمارسون سياسة «التسويف» نريد الفضاء ليكون مقر لمركز الفنون الركحية والمعهد الجهوي للموسيقى والجمعيات الثقافية لرمزيته بينما سيعون لخرابه وتحويله ربما الى مغازة او «باركينغ» لانّهم لا يؤمنون بالثقافة.
• هل تعملون على التوثيق؟
التوثيق ضرورة لأنه جزء من الذاكرة، قريبا سيصدر نص مسرحية راعي الصحراء في كتاب باللغتين العربية والفرنسية، كما نعمل على ارشفة الصور المتعلقة بالانتاجات المسرحية والندوة ستصدر في كتاب ايضا.
• هل تعملون على عمل مسرحي جديد؟
المسرح يتطلب الكثير من البحث والمسرح دوما في اتصال بالانسان والعملية الانتاجية، ونحن نبحث في رواية «الورم» لابراهيم الكوني وستكون الرواية موضوع العمل القادم.
• كلمة بمناسبة اليوم العالمي للمسرح؟
المسرح فعل فكري وممارسة للمواطنة، اعملوا بصدق وسننجح حتما.
المسرحي علي اليحياوي مدير مركز الفنون الركحية والدرامية بتطاوين لـ«المغرب»: نريد الترسيخ لثقافة الفرجة الناقدة والواعية
- بقلم مفيدة خليل
- 10:27 26/03/2022
- 790 عدد المشاهدات
فنان مسرحي مشاكس وجريء، له رؤيته الخاصة للمسرح ويعتبره فعلا لتأسيس المواطنة والبناء، علي اليحياوي المخرج المغامر كلّما خاض عتبات التجريب