مع كل الأطراف المعنية سارع بتدارك هذا النقص، فتم إدراج فخار سجنان سنة 2018 في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية وكذلك عنصر نخيل التمر سنة 2019. أما في سنة 2020 فقد نجحت تونس في تسجيل عنصرين اثنين لدى اليونسكو، وهما الصيد بالشرفية بجزر قرقنة وطبق الكسكسي. فهل ستحتفل تونس سنة 2021 بتسجيل الخط العربي في القائمة ؟
تم رسميا منذ أشهر إيداع النسخة الورقية لملف الخط العربي قصد ترشيحه وتسجيله على على لائحة التراث اللامادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو.
جمالية حروف وعمق في الحضور
من البديهي اعتبار فنون الخط العربي واحدة من أهم سمات الثقافة العربية الإسلامية ، إن لم تكن أهمها على الإطلاق حيث تتمظهر عبر تاريخها الطويل، بوصفها الحامل الأكبر لهذه الثقافة، مّما مكن من ترسيخ مكوناتها الرمزية وتأريخ فصولها، كما سمح بتواترها وتناقلها عبر الأجيال، وتسهيل انتشارها جغرافيا وحضاريا لتشمل مساحات هائلة من العالم وتدخل في تفاعل مع الثقافات الأخرى.
كما ورد في قائمة الجرد الوطني للتراث اللامادي وتحت عنوان «فنون الخط العربي: المهارات والمعارف والممارسات» أن «فنون الخطّ ليست فحسب ذلك التركيب الحرفي الذي يعطي للكلمة شكلا خاصا، بحيث تبرز من خلال وظيفتها التقنية المرتبطة بالكتابة بوصفها تمثيلا للفكر وأداة تواصل، وإنّما هي أيضا، وبالأساس، ثقافة كاملة ذات أبعاد فنية ومعرفية واجتماعية ورمزية، وبالتالي فالأمر يتعلق بعنصر مرّكب يتداخل فيه الوظيفي بالرمزي تداخلا يحيل على ما ينطوي عليه من ثراء وتنوّع وامتداد».
يتألف عنصر الخط العربي حسب خبراء المعهد الوطني للتراث من مستوين اثنين: مستوى ظاهر ملموس يضّم عددا من الممارسات والتقنيات والمهارات القابلة للملاحظة المباشرة، ومستوى خفي لا يكشف عن نفسه بصفة معلنة شفافة، وفيه نجد جملة من المعارف والتصورات والرمزيات الثاوية في أعماق ممارسيه وحملته.
وتتعّدد العناصر المادية واللامادية للخط العربي باختلاف محامله من ورق وخشب وجصّ وحجارة ومعادن وقماش... وتنوّع الممارسة سواء كانت فنية أو حرفية أو طقسية...
فنون الخط العربي بين الصمود وتهديد العولمة
لئنن كان الخط العربي من المحددات الأساسية للهوية التونسية والعربية، فإن خبراء المعهد الوطني للتراث أبدوا تخوّفا من الحد من الطابع الفني والجمالي لهذا العنصر الثقافي الثري وتحويله إلى كائن افتراضي والحال أنه أساسا ممارسة مفعمة بالحياة. كما إن العولمة تمثل تهديدات للتنوع اللّساني للإنسانية وما يتصل بها من فنون ومهارات وأنماط ثقافية.
«تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها» هكذا ينص الفصل الأول من الدستور التونسي على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة للبلاد التونسية. كما أن الفصل 39 ورد فيه أن الدولة «تعمل على ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها» وبما أن استدامة فنون الخط العربي لا تنفصل عن استدامة اللغة العربية في حد ذاتها فهذا الاعتراف القانوني الرفيع يمثل إحدى أهم آليات صون العنصر على الصعيد التشريعي وفق ما ورد في بطاقة الجرد التي أعدّها المعهد الوطني للتراث.
ومن برامج تثمين الخط العربي وإجراءات صونه إقرار تدريس قواعد فنون الخط العربي ضمن مناهج التعليم الرسمية وكذلك بمعاهد الفنون الجميلة وبعدد من الاختصاصات الجامعية ذات الصلة بالتاريخ والفنون والآثار والحضارة.
كما تتوّفر تونس على شبكة من المؤسسات التي تشمل أدوراها تثمين الخط العربي على غرار المكتبة الوطنية والأرشيف الوطني التونسي والمركز الوطني لفنون الخط...
وتحتفي تونس بتنظيم مجموعة من التظاهرات الثقافية والتربويّة من قبل الجمعيات والهياكل الرسميّة تعرف بجمالية الخط العربي وثرائه وقدرته على الانسجام مع المستجدات والتطورات الحديثة.
بعد فخار سجنان و النخيل والشرفية والكسكسي: هل ستحتفل تونس بتسجيل الخط العربي لدى اليونسكو؟
- بقلم ليلى بورقعة
- 09:56 11/03/2021
- 844 عدد المشاهدات
قبل سنوات قليلة كانت تونس غائبة تماما عن قائمة التراث العالمي غير المادي، ومن حسن الحظ أن المعهد الوطني للتراث بالتعاون