» من انتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بجندوبة لسنة 2020 وهو عمل فني من إخراج هشام الشيحي وبمساعدة أمين الدخيلي وعن نصّ للعروسي الحناشي وفي تصميم للملابس لإيمان الصامت.
وهذا الانتاج الجديد هو دراما مسرحية تستلهم عبق التراث وسترجع عصر الشهامة و حب الزمن الجميل وذكريات الصمود و لمقاومة و تروي حكايات شجعان خمير و قصص إبطال الجبل وخيرات جندوبة على إيقاع صوت الحنين ونغمات الأصالة وهي تأكيد كذلك وعبر اللعب المسرحي و كل أطراف اللعبة أن الفعل المسرحي يمكن أن يكون بطاقة العبور عبر الزمن و المكان إلى أعماق أعماق النفس البشرية و محاكاة مختلف إرهاصاتها الثقافية .
والعمل هو فضاء يتداخل فيه الحلم بالواقع و الخيال بالحقيقة هي الحاضر و حصيلة الماضي و استطلاع القادم وقد انقسم الفضاء المسرحي لهذا المنجز المسرحي إلى أجزاء هي وحدات زمانية و مكانية وظّفت حسب الحالات المعاشة وبما أعطاها دلالتها المختلفة في فضاء كوني سرمدي يرحل عبره متابع العمل إلى أمكنة و أزمنة تتداخل و تتشابك رغم تفردها و تميزها وضمن تناول يقوم على مقاربة التناول « Approche De Traitement «باعتماد طريقه السناريو في الكتابة الدرامية أي « أسلوب اللقطة» «Plan Séquence « الى جانب اعتماد صياغة التعبيرة بصفة شمولية أي لكل مكونات اللغة الفنية حيث تنصهر مفردات التعبير الجمالي في تداخل خيوط نسجها الانفعال بين الكلمة و الصوت ،الصورة و الظل ، الضوء و الإيقاع ، الإيماء و الحركة ، الدلالة و المدلول الفكري ليحتفي الفضاء الركحي في «فرنانة جدي» بشطحات الأجساد من قوة الفعل متنقلة أو قوة التخيل و هذا ما دفع بالعملية الإخراجية للتناسق و التناغم و كانت العلاقة حميمية و مع الفضاء و مع جميع العناصر التشكيلية من إكسسوار و ملابس و قطع ديكور و إضاءة و مؤثرات صوتية لخلق صور مسرحية لها دلالات يدركها المتفرج و بالتالي تتوق الأجساد في هذا العمل إلى الانتشار في هذا الفضاء الذي تتلامس فيه الحياة .
وقد ساهمت الإضاءة في «فرنانة جدّي» في تشكيل الفضاء و تحديد معالمه حتى تستطيع الشخصية أن تلعب كل الأدوار وخلق التشكيلات المتنوعة ، فالإضاءة من العناصر التشكيلية الأساسية في هذا العمل المسرحي ومن هنا كان الضوء مركز البيانات التشكيلية كلها ولكل عناصر هذا العمل المسرحي
و قد جسّد هذا العمل خرافة»فرنانة جدي» قالت «لاندي لا نعدي» حيث كان الباي بعد موسم الحصاد يبعث عساكره لكل الجهات لجمع الدية و عند حلولهم بالفرنانة يلتقوا بشيوخها وأعيانها يتلون عليهم رسالة الباي و مرسوم الضرائب الموظفة عليهم و بعد التشاور بينهم يخرج احدهم ليعلم العسكر أنهم ليسو ضد دفع الدية و إنما مثل هذه الأمور لا تتم إلا بعد موافقة فرنانة جدي فيتجه الجميع للفرنانة قبل غروب الشمس ويجلسون أمامها بحيث إن هبت نسمة يكون ميلانها من اليمين الي اليسار و يقف احدهم معتمدا حسه بقرب هبوب النسيم و يتوجه مخاطبا الفرنانة ‘’عسكر الباي يلم في الدية وش رايك يا فرنانة جدي ندي و إلا ما ندي «فيهب نسيم عليل تتمايل الشجرة و كأنها تجيب بالنفي امام مرأى و مسمع العساكر ويخاطبه احدهم عودوا من حيث أتيتم وابلغوا سيدكم أن فرنانة جدي أبت أن تدفع الدية أمام أعينكم و أهالي الفرنانة لا يخلفون لها أمرا و لن يحصل بايكم منها على حبة شعير .
وتجسّد هذه الخرافة قصة حب ولدت تحت ظلال الشجرة بين مرجان وريحانة أثثت أحداث المسرحية ورسمت خطوطها و التي تزامنت مع فترة الاستعمار الفرنسي وحيث لا تستطيع الخصوم والعشاق تحت هذه الشجرة الكذب أو التحيل خوفا من بركات الولي الصالح حسب اعتقادهم.
وتقول كلمات الخرافة:
فرنانة جدي للمحتاج قيمة و تاج
فرنانة جدي الزوالي يتعش فيها و يغدى
فرنانة جدي للمحتاج قيمة و تاج
للمريض شفاء فيها قله يريض
للي يقرا و اللي يقري مدب يعلم و يوري
للمتزوج عدل و شهود لاش يلوج
للخاطب و المخطوب
للي يحب و المحبوب يتسهل المكتوب...
للعشاير و القبايل و المتعارك...
شيخ يحكم بالعدل ربي يبارك ....
وقد جسّد هذا العمل ركحيا كل من العروسي الحناشي في دور الحكواتي و بشير السعيدي في دور «عرقوب»و أيمن بلقاسمي في دور «مريج»و كريمة بولاهمي في دور» ريحانة» وأحمد عياري في دور « مرجان» و خالد عياري في دور» عازف الإيقاع»و جهاد معروفي في دور «عازف القصبة» ومصطفى محمودي في دور «الغناي».
وتكوّن الفريق التقني للعمل من معز خميري في التوضيب العام، عبد الباقي المهري في توضيب الإضاءة، علاء الدين السطفوري في توضيب الصوت والثنائي محمد امين عبيدي و طلال عرفاوي في توضيب الركح و صالح فرشيشي في صنع الديكور و إيمان هذلي في متابعة الإنتاج
وعن هذا العمل أفادنا مدير مركز الفنون الدرامية والركحية بجندوبة الاستاذ الازهر الفرحاني أن هذا العمل «إستغرق جهودا كبيرة وهو عمل يحمل بصمة الجهة ويثمن تراثها الشفوي ويعيد الذاكرة لمن لم تسعفه بإشارات تاريخية لأمجاد خمير في نضالها ضد المستعمر ليستعرض امجاد بعض المناضلين من الجهة ممّن لم تذكرهم كتب التاريخ ولم يحظوا بحفظ أسماءهم وقد عاشوا بساطة الحياة البدوية لتحتفي هذه المسرحية بتراثنا ولباسنا التقليدي وبلهجتنا وشعرنا النثري وكلامنا الملحون وأغانينا وأمثالنا الشعبية حيث تم تجسيد العمل من خلال اضاءة وديكور وضوء وصوت خاص اعطى للصورة جمالية خاصة بما من شأن ان يخلق المجال ويمكّن الجمهور من معايشة حيثيات هذا العمل الذي قام بتثبيت قيم الفروسية والشهامة من خلال تجسيدهما من قبل شخصيات هذه المسرحية».