الاستاذة التشكيلية ايمان الصامت اخترقت عوالم السينوغرافيا والماكياج المسرحي فأبدعت وصنعت لنفسها اسما في مجال تقني جدّ دقيق لأنها تعمل بالحب والحبّ سرّ من اسرار النجاح.
«المغرب» التقت ايمان الصامت عروس لتحدث عن رحتلها من النحت والفن التشكيلي الى عوالم السينوغرافيا وموقع السينوغراف في الفعل المسرحي التونسي وسرّ نجاحها وإقبال طلبتها عليها واعتبارها «الام المبدعة» كما يصفونها، ايمان الصامت تحدّثت عن تجربتها وعن سرّ عشقها للألوان في اعمالها المسرحية.
• كيف تقدم ايمان الصامت نفسها للقراء؟
إيمان الصامت استاذ مساعد للتعليم العالي أدرس بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف منذ 2009 متحصلة على شهادة الاستاذية في الفنون التشكيلية 2002 وعلى شهادة الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون 2018 .
تختص ممارساتي الفنية في مجال تصميم وانجاز سينوغرافيا العروض المسرحية وفي رصيدي ما يقارب 20 عملا احترافيا تجمع بين الديكور والملابس وصناعة الأقنعة والعرائس عملت فيها مع عدة مخرجين مثل سامي النصري وفتحي العكاري وصابر الحامي ومحمد الصالح عروس.. كما يشمل تخصصي انجاز الماكياج المسرحي وفن التنكر عموماl›art du déguisement هذا بالإضافة إلى تصميم وانجاز الكرنفالات.
• ما هو الماكياج المسرحي؟ وما مدى اختلافه عن الماكياج العادي؟
الماكياج في المسرح هو أحد العناصر التي تساعد الممثل على الانتقال من عالم الواقع إلى عالم الخيال، ومن ذاته كشخص إلى الدور الذي يؤديه أي أن عملية الماكياج هي عبارة عن عملية تحويلية ومادة يمنح من خلالها الوجه تقاسيم وسمات جديدة ، ففن الماكياج هو فن اللعب بالألوان بطريقة تسمح بإعادة صياغة تفاصيل ومعالم وجه الممثل العادي ليصل إلى رسم ملامح الشخصية المسرحية. كما يركز الماكياج المسرحي على البعد الجمالي باعتباره عملية فنية تجميلية تساهم في نشأة المظهر الخارجي الحامل للخطاب المسرحي والمساهم في تشكيل الصورة النهائية والعامة للعرض .
يرتكز تخصصي في الماكياج المسرحي على مجموعة من التربصات مع مكونين في الماكياج اللبناني ومع مختصين من الشركة الألمانية Kryolan ومنتوجات الشركة الفرنسية Make up forever في الماكياج التجميلي والماكياج الفني وماكياج المسرح والسينما. ويعتبر التكون في الماكياج العادي أو التجميلي مهما بالنسبة للمختص في الماكياج المسرحي لأن الأبجديات التقنية ضرورية للتمكن من اتقان مختلف أدوات وتقنيات الماكياج عموما إلا أن الماكياج المسرحي والفني يتطلب جرأة أكثر وخيالا في التعامل مع ملامح الوجه للوصول إلى بناء الشخصية بما يتناسب مع تعبيراتها وطباعها.
يستند عملي في الماكياج قبل التزيين والتلوين على دراسة عضلات الوجه والتركيب التشريحي والفيزيولوجي للوجه ودراسة الخطوط الأساسية والملامح والأشكال والتفاصيل وشكل الوجه ولون البشرة ونوعها... كلها خصائص و تفاصيل فنية وتشكيلية تؤثر على اختيار الدور والماكياج الذي يتناسب مع كل وجه وحسب كل شخصية.
• من التشكيل وزينة اللوحة الى زينة الوجه والسينوغرافيا؟ كيف كانت الرحلة؟
كما سبق وأشرت أنا خريجة فنون تشكيلية من المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس والمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس اختصاص رسم ونحت، وكان المسرح في فترة الدراسة هواية وممارسة في الوسط الجامعي.
بعد التخرج ركزت في الماجستير والدكتوراه على التعامل مع الجسد والفضاء في الفن عموما مع تربصات في فن السينوغرافيا وفن العرائس وفن الماكياج ودعم ذلك ارتباطي بمخرج وكاتب مسرحي زوجي وشريكي في الحياة والعمل محمد الصالح عروس، إضافة إلى التحاقي للتدريس بالمعهد العالي للمسرح والموسيقى بالكاف، كلها عوامل ساهمت في نحت شخصي الفنية، فأنا فنانة تشكيلية وأحاول أن اقدم الإضافة في المجال المسرحي.
العمل في المجال السينوغرافي هو مجال يتطلب بدوره تكوينا فنيا في الرسم والنحت والتصميم سواء في التعامل مع الديكور والفضاء أو الأقنعة والعرائس أو الملابس والماكياج، حتى أن أغلب مصممي السينوغرافيا في العالم متكونون في معاهد فنية فالسينوغراف التشيكي جوزاف سفوبودا Josef Svoboda متكون في أكاديمية فنون تطبيقية ، والبولوني تادوز كانتور Tadeusz Kantor هو رسام قبل أن يكون مسرحيا وهو خريج معهد فنون جميلة، والفرنسي ميرال ديلاماروت Muriel delamotte متحصل على دبلوم المدرسة الوطنية للفنون الزخرفية في باريس، وموهبة أدولف آبيا Adolphe Appia في الرسم والتلوين هي التي قادته إلى العمل السينوغرافي.. أي أن تاريخ المسرح الحديث حافل بالمسرحيين الذين كانوا بالأساس فنانين تشكيليين ليوجهوا ممارساتهم لاحقا نحو السينوغرافيا المسرحية. فهناك صلة وطيدة بين المسرح والفن التشكيلي قوامها الأساسي الإبداع البصري وحضور مشهديه الصورة.
• بالعودة الى تجربتكم، اغلب اعمالكم تتميز بالالوان؟ اي سرّ وراء استعمالكم للالوان المبهجة؟
عالم الفنان التشكيلي هو عالم مليء بالألوان لذلك فالألوان هي جزء لا يتجزأ من حياتي واختياراتي وملبسي ومحيطي،و منذ بدأت التدريس سنة 2004 لم أدخل قسما إلا ومعي باقة أزهار ولا اخرج منه إلا وجدرانه كلها ألوان ولوحات.
السينوغرافيا بالنسبة لي هي فكرة أحاول أن أكتبها بكل الألوان والمواد والانفعالات، ببساطة تعبيرية صادقة أنقل من خلالها ما يجول في النص المسرحي من أحداث وتعبيرات ومغامرات لأصنع من الفضاء المسرحي مساحات بصرية تترجم الحدث الدرامي من خلال الديكور والملابس والماكياج.
• هل هناك فرق استيتيقي بين الالوان المستعملة في مسرح الكهول؟ ومسرح الطفل؟
العمل في المجال السينوغرافي هو رؤية ذات تشكيل جمالي، وسيط للبحث الاستيتيقي أجسد من خلاله بصمة فنية وتصورا ذاتيا لأعرضها في تشكلها البصري كعملية مؤالفة بين مختلف عناصرها التكوينية فهي تصوير باللون، وتصوير بالحركة وتصوير بالتخيل. وغالبا ما تخضع اختياراتي اللونية إلى دراسة مرتبطة بمرجعية العمل ورؤيته الاخراجية فالألوان المعتمدة في المسرح الموجه للكبار تكون ذات أبعاد رمزية مضمنة في العرض ، حيث يساهم اختيار شكل ولون اللباس في تشكيل جمالية ذات بعد نقدي فكري تساعدني على توضيح وتفكيك رموز العرض.
أما في المسرح الموجه للطفل فالتركيز على جمالية وبهرج اللون هو توجه تقني وفني له تأثير بصري ونفسي حيث تعتبر الألوان المبهجة من أبرز العناصر التي تستهوي الطفل وتجذبه وتضفي جمالية خاصة على العناصر الركحية باعتبار أن اللون من أهم العناصر التي تتضح في التكوين الفني والقادرة على شد انتباه المتفرج الصغير و إثراء فكره و خياله وإحساسه لتمثل بذلك الأنظمة اللونية واحدة من أبرز تكوينات بناء وتصميم عناصر سينوغرافيا العرض المسرحي الموجه للطفل.
• في رصيدك اكثر من 20 عملا مسرحيا بين مسرح الاطفال والكهول؟ أيهما الأصعب مسرح الطفل أم مسرح الكهول؟
إن تقييم مدى سهولة أو صعوبة أي عمل فني لا يرتبط بالنوع المسرحي والجمهور الموجه إليه بقدر ما يرتبط بخصوصية العمل في حد ذاته ومتطلباته وظروف انجازه ، وهي عوامل تؤثر على جودة العمل ودرجة صعوبته. أما من حيث المقارنة بين هاتين الفئتين فيمكن اعتبار أن المسرح الموجه للطفل يستند في مرجعيته وانجازه على الخصائص البصرية والجمالية الشكلية والبهرج اللوني وهي صورة واضحة المعالم ولكنها صعبة الانجاز لما تتطلبه من دقة وتركيز على التفاصيل والجزئيات وكثرة العناصر البصرية.
أما المسرح الموجه لفئة الكهول فهو يستند إلى التناول الفكري والتأويل الدلالي ليتجاوز التعامل السطحي مع المرجعيات البصرية ويحولها إلى رؤية نافذة إلى جوهر الشحن التعبيرية والقوة الانفعالية للحدث الدرامي وهي غالبا ما تعتمد على قوة الفكرة وبساطة الانجاز لتمنح العين المزيد من الإحساس المتتابع بركائز وجماليات العرض.
وفي كلتا الحالتين يترك العمل المسرحي مجالا فسيحا للمتلقي كي يمارس التقييم والاكتشاف والبحث عن حضور شكلي أو دلالي له أن يرضي رغباته وانفعالاته ويثري معرفته وقدراته على التفاعل مع العرض المسرحي.
• كيف تقيم ايمان الصامت تجربتها المسرحية؟
بالنسبة لي أعتبر أن كل تجربة أخوضها ومهما كان حجمها وهيكل انتاجها مغامرة أعيشها وأستمتع بها وأتعلم منها أكثر.
أنا أعمل بكثير من الحب، وهو سر من أسرار الإبداع ، فالمبدع يحب ما يعمل ولا يتوقف عن التعلم لاكتساب معارف جديدة والتطلع نحو الأفضل، لا لمجرد حب التميز والظهور بل لإحداث تغيير جذري في مجاله وصولا للارتقاء بذاته ومستوى الفن في محيطه.
الرضا عما أنجز ليس غاية في حد ذاته فكل مرحلة بالنسبة لي يجب أن تكون أحسن من التي سبقتها.. وأنا هنا لا أحاول أن أكون أفضل من أي شخص آخر، إنني فقط أحاول أن أكون أفضل من نفسي...
• ما هو موقع السينوغراف في الفعل المسرحي التونسي؟
السينوغرافيا في تونس هي تخصص يحاول فيه السينوغراف أن يثبت وجوده وتفرده في هذا المجال رغم قلتهم، فهذا الاختصاص التقني يعتبر تكميليا وأساسيا في بناء العرض المسرحي.
في تونس لا يوجد تكوين مختص في السينوغرافيا المسرحية.. والتكوين التشكيلي وحده لا يقدر على فهم متطلبات الضرورة الدرامية والصياغة الركحية حسب خصوصية كل عمل وكل مرجعية وكل مخرج.. فالسينوغراف ينصت إلى الفضاء ، فلا يملي عليه شروطا تواصلية بقدر ما يحيا ويتفاعل معه بطريقة تتجاوز حدود السطحية نحو التعمق لدرجة الاندماج والعضوية، عضوية المسرحي والتشكيلي التي من شأنها أن تغيّر محور الإبصار نحو التكامل بين الفعل التشكيلي والفعل المسرحي كممارسات فنية تتحد في أهدافها ومقوماتها ومجالات تشكلها لتحويل البهرج التشكيلي إلى أداة لإيصال مضامين وأهداف المشهد المسرحي... إلا أنه يوجد العديد من المخرجين الذين ينجزون تصوراتهم السينوغرافية بأنفسهم لأنهم لا يجدون من يثقون فيه لترجمة أفكارهم وتحويلها إلى نحت سينوغرافي في الفضاء الركحي.
• ماهو تقييمكم للمشهد المسرحي التونسي؟
تعتبر تونس بلدا متقدما في مجال الاهتمام بالمسرح بالرجوع إلى كمية الأعمال المنتجة سنويا وإلى المهرجانات الثقافية المختصة في العروض الفرجوية كما أن إقبال النخبة المثقفة على الفن المسرحي في تونس يساهم وبشكل كبير في استمرارية هذا المنحى التطوري الذي يمثل انخراطاً تلقائياً في متطلبات العصر الفكرية والفنية والثقافية حيث نشهد اليوم في تونس روح التنافس على تطوير الأعمال المسرحية بمختلف مستلزماتها الفنية والجمالية والتقنية وحرصا على جودة الإنتاج وإبداعيته ، فالفعل المسرحي في تونس يتطلع نحو رؤى جديدة يحاول من خلالها إرساء مقاربات فنية ابداعية سواء من حيث الطرح أو من حيث الأسلوب ضمن تفكير منهجي يرصد شروط التلقي والتذوق الفني ويقيم جمالية المنجز المسرحي بالتتبع الصحيح لمسار إنشائيته ومراعاة المعايير الجمالية والأسس الفنية الخاصة به، لبناء مسار إبداعي يحفز للنهوض بالمشهد الثقافي عموما ومختلف أشكاله المعبّرة عن التحوّل الحاصل في مجتمعنا المعاصر.
• قانون الفنان ما مقترحاتكم لتكون للفنان حقوقه؟
يثير قانون الفنان في تونس الكثير من الجدل في الوسط الفني والثقافي، فالقطاع الثقافي في تونس مازال يعاني الكثير من الهنات والصعوبات التي تخرج على السطح وتنكشف خاصة في الأزمات سواء أكانت اجتماعية أو سياسية أو صحية أو اقتصادية وهو ما يؤثر على وضعية الفنان في تونس.
صياغة قانون الفنان هو ضرورة أساسية للنهوض بالأنشطة الثقافية لكن يجب أن يستجيب هذا القانون لمتطلّبات أهل الاختصاص ويواكب متغيرات واقعهم وعصرهم وأن لا يمس من حرية الفنان التي تعتبر ضرورة ابداعية في كل المجالات الفنية. كما أرى أنه من الضروري إيجاد حلول توافقية بخصوص بطاقة الاحتراف مع التمييز فيها بين المتفرغ وغير المتفرغ لأن بطاقة الاحتراف هي هوية فنية أكثر من كونها وثيقة إدارية مع مراعاة الدعم المادي واللوجيستي والرعاية الاجتماعية للمتفرغين للعمل الثقافي وخاصة الذين ليس لهم مورد رزق قار.