الفيلم الوثائقي «الجمهور عايز كده» لعبد اللطيف قرّوري: من يوجّه الذوق العام السلطة ام الاعلام؟

فيلم بطعم الحنين والجمال، فيلم برائحة تونس الجميلة وأزقتها البهية وافكار طلبتها الوقادة للحياة والحرية،

فيلم رائحة الزمن الجميل هكذا يمكن وصف الفيلم الوثائقي «الجمهور عايز كده» لعبد اللطيف قرّوري حول الذوق من زوايا علوم الموسيقى والفلسفة والجماليات والتاريخ الثقافي وعلم الاجتماع والإعلام، الفيلم الذي تتبع تطور الموسيقى بتونس ومعه تطور الذوق واختلافه فـ«الموسيقى حياة ووجود» كما يقول الاستاذ المختص في الموسيقى سمير بشّة.
الفيلم الرحلة، رحلة في الزمن والذاكرة، رحلة واكبت التطور الموسيقي الذي عرفته هذه البلاد وتطور الذوق واختلافه من جمهور الى اخر من فترة زمنية الى أخرى في الفيلم يحضر العديد من المختصين في الموسيقى والأخصائيون الاجتماعيون والإعلاميون ليتحدثوا عن تطور الذوق الموسيقي ومن يصنع الذوق في تونس والعلاقة بين الفني والسياسي جميعها شهادات تلتقطها الكاميرا مشفوعة بمقطوعات موسيقية وأغان لعمالقة غنوا على هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة التواقة الى الحياة.
بين الفن والسياسة خيط رفيع متصل دائما
الفن سياسة والسياسة فنّ وهما متكاملان ومتلازمان لان الانظمة السياسية عادة ما يكون لها سياسات ثقافية تدعمها وتحاول مناصرتها خدمة لنظامها «مشروع الدولة احتفى بشخصيات فنية كبرى في اطار التعبئة السياسية، واستقبال الرئيس بورقيبة لام كلثوم بنفسه ساهم في محو التوتر الذي كان سائدا انذاك بين تونس ومصر بسبب تصريحات بورقيبة في خطاب اريحا» هكذا علق استاذ التاريخ الثقافي بجامعة تونس لطفي عيسى، وفي شهادته اكد الاستاذ أن الفن سياسة وعاد بالذاكرة الى حفل ام كلثوم في تونس وأشار ان حضورها لم يكن حضور فنانة لمجرد الغناء بل كان حدثا ثقافيا وسياسيا في فترة صراعات الزعامات، عبد الناصر في الشرق و بورقيبة في المغرب العربي وتصريحات الزعيم حول التقسيم وطريقة محاربة الكيان الصهيوني، جميع هذه العوامل السياسية كان الفن وسيلة للخوض فيها وفي اطار الندية شجع بورقيبة وقتها غناء التونسيين امام العندليب فغنت نعمة ليقول النظام التونسي ما مفاده ان لتونس فنانيها ايضا ولها موسيقاها.
وفي اطار السياسة ايضا تعود الكاميرا الى ذكريات الثلاثينات اذ كانت مجموعة تحت السور انذاك و بعدها صالح الخميسي واغانيه الساخرة وسيلة للنقد ومحاولة نضالية ضدّ الاستعمار الفرنسي، وتطورت الموسيقى النضالية ليكون لها اسم «الاغنية الملتزمة»ّ التي قامت اساسا على قوة النص والكلمة لمواجهة النظام الاستبدادي والدعوة للحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها اذ «لا وجود لمشروع سياسي خارج عن الاجندات الثقافية والاجتماعية» حسب تعبير هشام بن عمر.
تتطور الاغنية ويتطور الذوق لكن دور الدولة سياستها يظل ركيزة اساسية ليس في المراقبة بل في الانتاج وفي تونس وزارة الشؤون الثقافية هي من يقدم الدعم على الانتاج وبالضرورة دورها الرقابي يجب ان يكون قائما لحماية الذوق العام ولكن احيانا «السياسي يحين عقاربه على ما يطلبه الجمهور» حسب تعبير الفنان عادل بوعلاق رئيس فرقة مجموعة اجراس الذي اشار ان تداخل السياسي والثقافي لا مناص منه والثقافي يشاكس السياسي كما ان السياسي يحاول توظيف الثقافي لخدمة نظام او صورة معينة، وهنا يمكن التساؤل عن نوع الموسيقى التي تريد الانظمة السياسية الحديثة الترويج لها؟ وهل كل هذا الانفتاح ينمّي الذوق؟ الموسيقي والمواطني؟.
الذوق يتغير بفعل الزمن والمجتمع
«الذوق اجتماعي قبل كل شيء وهو تاريخي وهذا ما يعني انه متطور وليس ثابت» هكذا تعلق الاستاذة منيرة بن مصطفى استاذة الجماليات بقسم الفلسفة بالجامعة التونسية، فالذوق وليد المجتمع ويطوّر حسب التغيرات المجتمعية وفي السياق ذاته يشير الاستاذ المختص في الموسيقى الطرقية والصوفية هشام بن عمر ان «اللهجة الموسيقية هي التي تحدث الميلودي وتشكل الذائقة والرشيدية مثلا نجحت حين انفتحت على الدواخل وبمجرد انضمام ابناء الداخل بثقافتهم المحلية الى الحاضرة ساهموا في تلوين وتنويع الموسيقى التي ميزت فرقة الرشيدية».
في الفيلم تتبع الكاميرا سيرة الذكريات فتبدأ مع السيدة رشيدة القصار احدى التونسيات اللواتي حضرن حفل أم كلثوم فتتحدث عن ذكريات تلك الفترة وأناقة الجمهور ومدى اقباله الكثيف على الحفل، ثمّ تنقل مشاهد من حفل العندليب في تونس وحفلات شارل ازنافور ومايكل جاكسون وفيروز ونجاة ورضا القلعي ويوسف التميمي وفريد الاطرش وغيرهم من العمالقة الذين غنوا أمام الجمهور التونسي وساهموا في تشكيل الذوق الموسيقي العام.
الذوق الموسيقي الذي كان ثابتا في وقت ما بحكم قلة الاسطوانات اصبح اليوم متعدد متلون بفعل تعدد وسائط العرض الافتراضية كذلك الاذاعات والتلفزات وانفتاح التونسي على موسيقات اخرى مثل الموسيقى الكلاسيكية التي كانت غريبة على التونسيين في اواخر السبعينات لكن بات لها نصيبها اليوم و ابدع في ايصالها المايسترو فادي بن عثمان الى المستمع التونسي ففي العالم هناك موسيقات مختلفة والكتابة الموسيقية تبدأ من المحيط ثم تنفتح على العالمية.
للإعلام مسؤوليته في نحت الذوق العام

«للاعلام دور هام في المساهمة في بناء المجتمع ومن وظائف الاعلام تهذيب الذوق العام» كما يقول الاعلامي الحبيب جغام مشيرا الى مساهمة الاذاعة منذ عقود في بثّ اغان تحترم الذائقة العامة وفي السياق ذاته تقول امال الشاهد ان للاعلامي مسؤولية كبرى امام الذائقة الموسيقية والاغاني التي كانت تبثها الاذاعة العمومية كانت تحترم اذن المستمع وترتقي بالذائقة العامة، «لكن بعض الاذاعات اليوم لا تقتات الا من البوز» حسب تعبير الصحفي شكري الباصومي منوها ان الصحافة المكتوبة اجلت ولعشرين عاما موجة الرداءة المنتشرة اليوم.
الدويرات وشنني وقرماسة «استوديوهات» تصوير حاضرة ومميزة لما تتميز به من معمار وطبيعة لكن الارادة غائبة فماذا لو تحولت الى وجهات سياحية حقيقية وأصبحت قبلة لتصوير الافلام والمسلسلات حينها ستصبح علامة فارقة في الاقتصاد الوطني فما تضمّه القرى من جمال لا يوجد في «بوزازارت» المغربية التي تشبه طبيعتها هذه القرى لكن الدويرات وقرماسة وشنني اجمل وأقدم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115