كفّر لأنه كتب عن الاقلية اليهودية واتهم بمعاداة الاسلام لأنه تحدّث عن الاسلاميين وكذبهم باسم الدين.
الروائي التونسي محمد عيسى المؤدب يحتفل بصدور روايته «حذاء اسباني» وتحدث لـ«المغرب» عن تجربته الروائية انطلاقا من الشخصي الى العام.
• كيف يقدّم محمد عيسى المؤدب تجربته في عالم الكتابة؟
تجربة الكتابة سؤال يومي وبحث مستمرّ عن نصّ جديد، تجربتي في النّشر تمتدّ لخمس وعشرين سنة، أصدرتُ مجموعتين قصصيّتين ( عرس النّار 1995 وأية امرأة أكون 1999) وكتاب نقدي وأربع روايات (في المُعتقل وجهاد ناعم وحمّام الذّهب وحذاء إسباني) وهناك مجموعة قصصيّة في انتظار النّشر.، وما أسعدني في هذه التّجربة الاهتمام النّقدي والجوائز التي نِلتُها ( الجائزة الوطنيّة لأدب الشّباب في القصّة القصيرة 1995، جائزة الكومار الذّهبي عن رواية جهاد ناعم 2017 والقائمة الطويلة لجائزة البوكر العالميّة للرّواية2020 عن رواية حمام الذّهب ) و التّجربة مستمرّة طبعًا باعتبار أنّ الكتابة محنة يوميّة أعيشها مع القراءة والبحث والتّخطيط للعمل الجديد.
• المولود الروائي الجديد «حذاء اسباني» لماذا اختيار شخصية مانويل قريقوري محور أحداث الرّواية؟
مانويل قريقوري هو الاسم الحقيقي لضابط المشاة في البحريّة الإسبانيّة الذي فرّ من جحيم فرانكو يوم 5 مارس 1939 ووصل إلى ميناء بنزرت القديم يوم 7 مارس رفقة 3500 من البحارة الجمهوريين و500 من المدنيّين، أمّا لماذا هذا الاسم دون غيره من الضبّاط فلأنّه عاش تجربة فريدة في منفاه بتونس وفي الرّواية تسرد لهذه السّيرة.
• ما سبب اختيار العنوان «حذاء اسباني»؟
في الحقيقة، تعود التّسمية إلى تاريخ حذاء التّعذيب الإسباني الذي وقع اختراعه زمن محاكم التّفتيش كأداة تعذيب وحشيّة لمن يقع استجوابهم، ثمّ انتشر في الكثير من البلدان الأوربية. لكن، « حذاء إسباني» في الرّواية ينتفض على ماضيه ويتمرّد وسيكتشف قارئ الرّواية تفاصيل ذلك.
• في الكتاب الكثير من الدلالات التاريخية التي تجمع بين تونس والعالم، ما الغاية في النبش في التاريخ في اعمالكم الروائية؟
ظلّت تونس على مرّ التّاريخ ملتقى الحضارات وأرض المنفى والهروب زمن الحربين العالميّتين الأولى والثّانية وغيرها من المحن التي عاشتها شعوب بحر المتوسّط بشكل خاص، من أديان وثقافات مختلفة وقد أهملها التّاريخ الرّسمي ، وأغلبه مزيّف، وكان على الرّواية أن تعود إلى هذه القصص المنسيّة وتنبش في التّاريخ لاستنهاض عمقها الإنساني.
ستظلّ تونس أرض التنوّع والتعدّد والاختلاف في وضعيّات الحرب والسّلم، وقد نُحتتْ هويّتها من ذاك اللّقاء الحضاري والتّقارب الإنساني بين المسلمين واليهود والمسيحيين وغيرهم، فكيف يُحوّل القلّة اليوم هذا البلد إلى حلبة حقد وتطرّف وكراهية؟، التّونسي ليس من يحمل الجنسيّة بل هو من يحبّ هذا البلد، فالكثير ممّن جنسيّتهم تونسيّة عملاء وخونة وإرهابيّون وفاسدون وناهبون للمال العام.
• هل يمكن القول إنّ الكتاب بحث تاريخي عن حقبة تاريخية معينة وشخصيات أثّرت في قليبية كُتبت بطريقة روائية مميّزة وأسلوب مشوّق؟
الكتابة الروائيّة الحديثة قطعتْ مع الكتابة العفويّة والهلاميّة لتنشأ من رحم البحث والمعايشة والمُحاججة، وطبيعي وأنا أسرد وقائع من الحرب الأهليّة الإسبانيّة والحركة الوطنيّة التونسيّة أن أُجري بحثا، غير أنّ الرّواية لا تكتفي بالتّوثيق ونقل الوقائع كما حدثت، بل تمتلك من خلال البحث والتّخييل قدرةً على كتابة التّاريخ وخلق حياة بديلة وحيّة بأسلوب مشوّق وحجاجي.
• سلسلة الأديان والمكان؟ لو تقدمها أكثر؟ وما الجامع بين «جهاد ناعم» و «حمام الذهب» فحذاء اسباني؟
مشروع الأديان والمكان ورد متسلسلا في ثلاث روايات: في «جهاد ناعم» تسريد لذاكرة الآثار المهرّبة والحضارات المنسيّة وواقع التطرّف والإرهاب، وسردت رواية «حمّام الذّهب» ذاكرة الأقليّة اليهوديّة في تونس وتحديدا يهود القرانة، أمّا «حذاء إسباني» فهي تسرد ذاكرة المنافي والمنفيّين، وما يجمع بين هذه الرّوايات هوّ أنّ ذاكرة تونس هي ذاكرة التنوّع والتعدّد والأصالة والمعاصرة. فهي ذاكرة الإنسان المنتصر على الحقد والتطرّف بكلّ أنواعه.
• تناولكم لموضوع الاقلية اليهودية وإطنابكم في تقديم حقائق تاريخية وشخصيات يهودية الديانة في رواية «حمام الذهب» ألم يسبّب لكم بعض المشاكل، خاصة أمام حساسيّة البعض مع الديانة اليهودية؟
بل الكثير من المشاكل والتّهم، وصلت إلى درجة التّكفير، أذكر أنّ أحد المُثقّفين قال إنّي أُبيّض اليهوديّة في الرّواية وأعتدي على مشاعر المسلمين، الموضوع شائك وصعب ولكنّه يحتاج إلى شجاعة وجرأة و» صحّة رأس» لأكتب مشروعي الذي أؤمن به وأنتصر له وهو المحبّة والتسامح بين الأديان. من يخاف أو يتردّد أو يحسب حسابا لقارئ متعسّف عليه أن يتوقّف عن الكتابة. الكتابة موقف وانتصار لقضيّة ولعالم روائي حجاجي. فماذا سيقولون الآن عن «حذاء إسباني» بعد أن كتبت عن ضابط مسيحي وعن عالم روائي مسيحي؟
• اختياركم العمل على الأقليات؟ أهي رسالتكم الروائية والاجتماعية أم مجرّد رغبة في اختيار موضوع مختلف؟
الكتابة عن الأقليّات في رواياتي الثّلاث يحمل رسائل عميقة، فنيّة وحضاريّة وسياسيّة واجتماعيّة. لا أؤمن بمفهوم الرّسالة التقليدي في الكتابة الروايّة باعتبار أنّ الرّواية هي عالم وحياة أخرى حاملة لطاقة إنسانيّة بديلة عن القبح والخسارات التي نعيشها ونُعايشها.
• المرأة في أعمالكم الروائيّة تكون دائما المحرّك الأساسي للأحداث وإن كانت في الصف الخلفي؟ أي علاقة بين المرأة والتاريخ؟
المرأة عبر تاريخ الإنسانيّة هي المحرّك الأساسي لكلّ ما يحدث على الأرض: الحروب والغزوات والأزمات والسّلم والاستقرار والحبّ والأفراح، وستظلّ حاملة لهذه الثنائيّات ما بقيت الإنسانيّة.
المرأة في رواية جهاد ناعم كانت فعلا في الصفّ الخلفي، لكنّها في رواية حمّام الذّهب مع اليهوديّة «هيلين» وفي رواية حذاء إسباني مع «فلوريدا» المسيحيّة ستكون فاعلة ومُحرّكة للعالم الرّوائي. بين المرأة والتاريخ هناك حميميّة وأسرار وكنوز علينا أن ننبش عنها باستمرار.
• كيف ترون العلاقة بين الأدب والسياسة فكتاباتكم الأدبية ذات الطابع الرومنسي والاجتماعي تخفي داخلها الكثير من السياسة؟
يُخطئ من يعتقد أن الأدب مُحايد وفي منأى عن قضايا السّياسة، الأدب الحيّ والإنساني يُوجّه صفعات قاسية للسّياسي الفاسد والمُتحيّل والمزيّف، في الظّاهر نحن نكتب عن وقائع من التّاريخ ونسرد قصصا ولكنّنا في الأصل نزيح الأقنعة عن السياسيّين الذين لا يتعلّمون من التّاريخ، فهل اطّلعوا مثلا على تاريخ مراد الثّالث؟ والبايات؟ وهل اعتبروا من نهايات بورقيبة وبن علي؟. باختصار السياسة في بلادنا اليوم هي الكذب اللّئيم والماكر. فهل رأيتم سياسيّا واحدا رحم الفقراء والعاطلين عن العمل في هذا البلد؟
• أين يتموقع الكاتب في تونس اليوم؟
موقع مهمّش، أهل السيّاسة ابتذلوا صورة المثقّف وأدواره الخطرة في المجتمع. فهم لا يُمرّرون عبر وسائل الإعلام ومختلف المنابر إلّا ثقافة البهامة والحمق والتّفاهة.
• هل أن الكاتب في مصاف النخبة التي تدافع وتنقد، أم ركنه السياسي واحتلّ مكانه؟
لم يعد الكاتب في مصاف النّخبة لأنّه اليوم أكثر خطرا على السياسي الفاسد، فصندوق الاقتراع ، في أغلبه، لا يُمرّر لنا إلّا من كان أكثر كذبا وفسادا و كيف تُدار الانتخابات من مختلف البارونات ورجال الأعمال وشياطين الانتخابات، نحن نعلم كلّ شيء ولذلك لن نصدّق أهل السياسية، وللأسف يُصدّقهم الفقراء الطيّبون.
• كيف أثّرت فيكم أزمة الكوفيد؟ هل هناك نصوص تكتبونها؟
أزمة الكوفيد دفعت بي إلى القراءة ومزيد البحث. أمّا الكتابة الآن عن هذه الأزمة فهي كلام فارغ و استثمار للمشاعر لا أكثر ولا أقلّ. نحتاج إلى سنوات طويلة حتى نكتب عن كوفيد 19، وربّما يكتب الأحفاد أدبا رفيعا عن هذه الأزمة.
• من وجهة نظركم ماهي مشاكل الكتاب التونسي؟ وهل هناك مقترحات لحل هذه المشاكل؟
مشاكل الكتاب التّونسي أراها مُرتبطة بدور النّشر أوّلا، عليها أن لا تكون مجرّد مطابع تطبع الكتب ب» حشيشها وريشها» وأستثني هنا قلّة من هذه الدّور ومنها دار مسكيلياني ودار الجنوب وسيراس والتّنوير. ثانيا وقبل أن نتحدّث عن توزيع الكتاب عربيّا وعالميّا علينا أن نحلّ مشاكل توزيع الكتاب وعوائقه محليّا في كامل تراب الجمهوريّة، هذه هي المشكلة الكبرى.
• كل الفنون تتحدث عن قانون الفنان وضرورة تمريره؟ هل أن الكتاب قانونا يحميهم؟
لا وجود لقوانين تحمي حقوق الكاتب في تونس بشكل واقعي وحقيقي. الكاتب لا يمتلك لبطاقة هويّة أصلا تُعلن أنّه كاتب وتمكّنه من امتيازات داعمة للإبداع( السّفر، البحث، اقتناء كتب)، الكاتب في تونس هو و» نيتو وجهدو وأحيانا شيطانو».
• غياب الكتاب عن المنابر الاعلامية هل هو تقصير من الكاتب؟
لا أعتقد أنّ ذلك ناجم عن تقصير الكاتب، بل هي اختيارات وسائل الإعلام التي تخوض سباقات محمومة نحو أعلى سلم نسب المشاهدة. وبطبيعة الحال الكاتب لا يُحقّق لهم هذا «البوز»، أمّا الكتّاب الذين يحضرون في هذه المنابر فيقع « «تقزيمهم» ولا فائدة من ذكر أمثلة بعينها. وسائل الإعلام مسؤولة حقيقة عن زرع الحمق وعن أزمة الأخلاق وعليها مراجعة شبكات برامجها ومُقدّميها و«كرونيكيراتها البهلوانيّين».
الكاتب والروائي محمد عيسى المؤدب لـ«المغرب»: مشروعي «جريء» ينتصر للإنسان والتسامح بين الأديان
- بقلم المغرب الثقافي
- 09:24 26/10/2020
- 1485 عدد المشاهدات
ينتصر للانسان، يدافع بشراسة عن الحب يسكنه هاجس انّ تونس ومنذ القديم ارض للقاء والمحبة والتسامح بين الاديان،