المسرحي وليد الدغسني لـ«المغرب»: افتحوا المسارح ودعونا نعمل فتونس تحتاج اليوم إلى الحلم لا إلى الخوف

المسرح بحث وتجديد، المسرح حياة وولادة وأمل يسكننا ونحاول تحويله إلى اعمال مسرحية، المسرح جزء من الروح هو متنفسنا وقبلتنا

أثناء الغضب والثورة والبحث عن درب جديد، هكذا حدثنا وليد الدغسني عن المسرح.
وليد الدغسني مسرحي مشاكس، فنان مثابر وباحث عن التجديد في مسارات المسرح التونسي، كلما خاض تجربة فنية الا واحدثت الكثير من النقد والسؤال، الفنان المسرحي وليد الدغسني المختلف والجريء والمشاكس كما ينعته متابعو المسرح التونسي، فنان يعمل مع مجموعة متجانسة فكريا يحلمون ويسعون لكتابة احلامهم وآرائهم على الركح بطريقة فلسفية ونقدية.
• تعملون على مونودرام «هارب من الدولة الاسلامية»و تخوضون تجربة للاخراج للمونودرام للمرة الثانية؟ هل يختلف العمل في المونودرام على المسرح الجماعي؟
«هارب» مقاربة درامية لرواية «كنت في الرقة» للهادي يحمد، هي أول تجربة المونودرام لمنير العماري الذي تكفل بمسالة التوليف الركحي وشخصيا أرى أن المونودرام مهم جدا للممثل في مسيرته لانه يعطيه مساحات اكبر للعب لإظهار قدراته وقد يكون من حسن الحظ ان منير العماري سيقدم عملا منفردا لان ما عرف عن «كلاندستينو» جمعها لممثلين «دمادم» على الركح.
• كيف يقيم وليد الدغسني تجربته المسرحية من «انفلات» الى «ذئاب منفردة»؟
انطلقت تجربتنا المسرحية منذ الطفولة تحديدا في السنة ثانية ابتدائي واليوم نكمل الثلاثين عاما من المسرح والحلم، لكن التجربة المحترفة بدأت في 2010 مع كلانديستينو و مسرحية «انفلات»، العمل الذي جمع مكرم السنهوري واماني بلعج في شكل ديو، وانطلقنا في انجاز المسرحية قبل الثورة ثمّ انطلقت الثورة وانقطعت التمارين لنقدم اول عرض في مارس، و»انفلات» كان بداية للحلم لانجاز مسار مسرحي آخر.
«انفلات» حصل بعدها على منحة افاق وتحصل على عدة جوائز و منها احسن عمل ليمثل تونس في دورة مهرجان المسرح العربي في العام 2013.
«انفلات «هي العمل الذي عبّد لنا طريق الحلم لمسرح نعتقد انه يمثلنا ويشبهنا، مسرح يثور على الموجود ويرسخ لافكار ومسارات جديدة، ثم كانت «التفاف» و«الماكينة» و«ثورة» دون كيشوت وسما بيضاء واخرها ذئاب منفردة وانجزت مع مركز الفنون الركحية والدرامية بالكاف.
يصعب تقييم تجربتنا لكنني اعتبر مسارنا مسارا جريئا وشجاعا فرغم ظروف العمل في 2011 لم نتحصل على الدعم لكننا عملنا وأثبتنا أننا نقدم فعلا مسرحيا حقيقيا لنتحصل بعدها على دعم وزارة الشؤون الثقافية ،و انجزنا عروضا ذاتية واجتهدنا وحاولنا نحت مسيرتنا وحاولنا تقديم مسرح يمثلنا و جميع اعمالنا حظيت بالعرض خارج ارض الوطن ويمكنني القول ان المسار ناجح نظرا لاننا نعمل كفريق واحد.
• في أغلب أعمالكم يلتحم السياسي بالمسرحي؟ فهل الوضعية السياسية فرضت ذلك؟ أم أنكم تعتبرون ان المسرح فعل سياسي بامتياز؟
تعيش تونس وضعية مرتبكة في جوانبها السياسية والثقافية والاجتماعية وبالنسبة لنا الساحة السياسية مصدر مهمّ جدا وأردنا تقديم مسرح سياسي بامتياز يجمع ثنائيتين : تقنيات مسرح ما بعد الحداثة وفي الوقت ذاته نلتزم بتكويننا الاكاديمي والمسرح الكلاسيكي، اذ كنا أوفياء لمعارفنا وفي نفس الوقت اردنا تطبيق الخبرات والتجارب التي خضناها.
نحن نعمل في اطار مجموعة متكونة وعلى درجة عالية من المعرفة لذلك فإن اقتحام الفعل السياسي كان عن دراية ووعي، هو فعل تشريحي اردنا منه تقديم مسرح ذا رؤية استشرافية للواقع مسرح فكري تحليلي وليس مجرد تحريض، وقد تصنف أعمالنا في باب النقاش المفتوح بين الفنان والمتفرج.
وبذلك كانت السياسة محمل الخوض تجربة مسرحية تفاعلية مع المتفرج المختلف والمتنوع من حيث التكوين الاكاديمي و درجات الوعي والفكري ومن واجبنا كمسرحيين ان نتعامل مع كل الشرائح ونقدم لهم فعل مسرحي يفهمه الكل، فكان مسرحنا تعبيرة احتجاجية تتناول مسائل يطرحها التونسي مثل مسالة الحريات او الميراث او القوانين.
• المتابع لأعمالكم يرى أنكم تميلون إلى الطرح الفلسفي؟ مثل «الماكينة» و«دون كيشوت» و «ذئاب منفردة» هل ينخرط الدغسني في مسار مسرح يقطع مع الكلاسيكي؟
نعم نتّهم ان اطروحاتنا فلسفية وأننا نريد القطع مع المسرح الكلاسيكي، اقر أننا نطرح نظرة فلسفية في المسرح، لكنا نقدم مسرحا لا فلسفة فكل مجال فكري مستقل بذاته رغم التواشج أحيانا بين الفنون، ونحن نتناول اعمالنا من منظورات فلسفية ونعالج مواضيع الاغتراب والغربة وتأثير الميديا على صناعة العقل الجديد وجميعها مواضيع تمس الانسان التونسي والعالمي.
ونحن لم نقطع مع المسرح الكلاسيكي فالمسرح هو المسرح منذ ارسطو الى شكسبير الى ارطو الى الفاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي: المسرح تعبيرة فنية لكنها تختلف في كيفية التناول وطريقة الاشتغال من فنان الى اخر ومن مسرحي الى اخر لكن يبقى الاتفاق الاجماعي حول ثنائيتي: العرض-الجمهور.
ونحن نخوض تجربة مسرحية متجددة لان مسرح ما بعد الدراما فرضته العولمة واحداث 11سيبتمبر وانهيار البرجين العالميين ثم جاءت داعش والقاعدة والحركات المسلحة وجميعها اثرت في تغيير المفهوم العام للحرية والفنون.
• كيف تقيمون الوضع المسرحي التونسي؟ كيف تقيمون الواقع؟ وماهو المقترح للتغيير؟
الوضع المسرحي يعيش حالة ركود، نحتاج إلى قوانين وممارسة تقطع مع الركود من خلال عقد شراكات واضحة بين المسرحيين والدولة بما ان الدولة هي الراعي الأول للمسرح، والدولة قادرة على توزيع المسرح وجلب المستشهرين لرعاية الحركة الثقافية وعلى الدولة فعل ذلك، لانّ كل الدول تعلم ان الفن هو الصورة المناسبة لتوزيع صورتها على نطاق واسع وتونس منذ الاستقلال سعت الى تحسين صورتها في العالم من خلال الفنون.
لا يمكن الانكار ان المسرح في تونس منتشر بشكل كبير وهناك تجارب خاصة رائدة ايضا لكن وجب الديمومة من خلال انجاز قاعات عرض محترمة وبتقنيات عرض عالمية، ودعم الدولة للمسرح ثابت (وان اختلفنا شوي او برشة) لكن يجب ان تنحاز الدولة بشكل مباشر للفنان لانه صورتها.
• وضعية الفنان المسرحي؟ (هل المسرح يوكل خبز)؟ كيف للمسرحي العيش بكرامة في ظلّ الازمات المتتالية؟
نعم، المسرح قادر أن يكون مورد رزق للفنان في صورة ديموته، على الدولة أن تتحرك ليكون الفعل المسرحي والعروض طيلة العام وبذلك تضمن كرامة الفنان المسرحي.
هناك العديد من الفضاءات القادرة على احتضان العروض والمسرحيين، والعديد منها قادر على تشغيل المسرحيين طيلة العام على سبيل الذكر مراكز الفنون الركحية وهي التجربة الفريدة في تونس وبذلك يمكن ان تكفل قوت الفنان وكرامته، يجب على الدولة أن تحافظ على صورة الدولة المدنية التي تحترم الفنان.
أماني بلعج ومنير العماري من ركائز نجاحات أعمال وليد الدغسني؟ هل تشجع على العمل مع فريق دائم؟ وهل أن الديمومة تضمن نحاج الاعمال؟
«كلاندستينو» كانت نواة فكرية، اماني بلعج ومنير العماري ومكرم السنهوري وسهير لحياني وناجي القنواتي وصبري العتروس و»ميش» جميعهم ساهموا بشكل كبير في النجاح، جميعهم عملوا لنواصل النجاح ونثبت ذواتنا في المشهد المسرحي التونسي.
منذ البداية اتفقنا على أن نقدم مسرحا يليق بمسار المسرح التونسي على غرار تجارب توفيق الجبالي ومحمد ادريس والفاضل الجعايبي ورجاء بن عمار وحمادي الوهايبي وفي مرحلة أخرى غازي الزغباني وسليم الصنهاجي ونزار السعيدي وعماد المي و هذا ما نفتخر به لكوننا فريق يؤمن بالنجاح وكلاندستيتو اصبحت اليوم علامة مسجّلة وفاعلة في المسرح التونسي.
وبعد تجربة «كلاندستينو» بت أؤمن ان من الصعب النجاح دون فريق متجانس ومجوعة متماسكة فكريا وفنيا، المجموعة مميزة والعمل معها ممتع وحتى حين خضت تجربة مع مركز الفنون الركحية والدرامية بالكاف اصطحبت معي ممثلين هما منير لعماري واماني بلعج فوجود العناصر النواة يعطيني ثقة ودفعا للعمل والنجاح.
ما موقفكم من قرار الغاء العروض الثقافية بسبب تفشي فيروس الكورونا؟
اعتقد ان القرار متسرع، من المفروض انجاز حلقة نقاش مع خبراء وزارة الثقافة وعدد من الفاعلين الثقافيين قبل اصدار هكذا قرار خاصة وان المؤسسات الثقافية تحترم البروتوكل الصحي، والقرار المتسرع كان مجحفا أيضا وقد يكون موقف الوزير شجاعا حين عبر عن انتصاره للمثقفين لكن نرجو أن يتمّ التراجع عن هذا القرار لأن ازمة الكورونا سمحت للناس بمراجعة افكارهم واعتقد انه اصبح جليا اليوم دور الفنون وضروريتها فالعالم اليوم يحتاج إلى الامل والامل يصنعه الحلم والحلم وحده الفن قادر على بنائه وتشكيله وزرعه في الناس لذلك يصبح الفن اليوم ضرورة ملحة مثل المأكل والملبس والتعليم وربما اكثر، فهل يعقل؟ غياب النشاط الثقافي عن المؤسسات التربوية؟ اين سيقضي التلميذ وقت فراغه؟ واي ملجئ له وسط اخبار الموت وانتشار الفيروس والرهبة والخوف؟ .
لذلك اقول شجعوا الفنون افتحوا المسارح اتركونا نعمل ونحلم اجعلوا من الفنون خبزا يوميا خاصة للاطفال، العروض لا يجب ان تتوقف بل يجب ان تدعم اذا اردتم الخروج من الركود والخمول فادعموا المسرح لأنّ حفاظ الدولة على مثقفيها وفنانيها ،والوقوف الدائم في صفهم، هو في حقيقة الأمر حفاظ على خيال البلاد وروحها وعقلها المشتعل والمستنير.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115