وتعريتهما على الركح ومحاولة تقديم الحقائق ببشاعتها الى الجمهور هكذا هو المسرح عند نزار السعيدي.
وهو مخرج وممثل يبحث عن مسيرة مسرحية تشبهه، ثائرة ومشاكسة، مخرج «سوس» و «ناس» و»انتلجنسيا» و «المرقوم» وصاحب أول فضاء ثقافي خاص بجهة قفصة «فضاء الفنون والثقافات» والحاصل على جائزة أفضل مخرج بعرض «انتلجنسيا» التقته «المغرب» في اختتام مسارات المسرح بالمهدية بعد عرض مسرحية «قصر السعادة» وكان الحوار التالي:
• «قصر السعادة» عنوان المسرحية يحمل مدلولات لغوي يحيل الى السعهادة، لكل المعنى مختلف؟ لم اختيار هذا الاسم وما رمزيته؟
الرابط الأول بين المتلقي والمنجز المسرحي هو العنوان وفي منجزنا انقسم العنوان إلى قسمين عربي وفرنسي قصر السعادة ILLUSION وهو ما نراه يطرح مجموعة من التساؤلات لدى المشاهد يحثّه على المرور الى المرحلة الثانية من عملية التلقي وهي مشاهدة الأثر.
يرتبط العنوان بمحتوى العمل من حيث الموضوع المطروح وهو السعادة كمبحث للإنسان تتعدد طرق الوصول إليها ومنها نطرح فكرة الإدمان كاختيار للوصول اليها .
فالمدمن في الأصل باحث عن السعادة وان كانت وهما قاتلا . فنكتشف هنا أهمية طرح العنوان بصيغته العربية الفرنسية في لفت الانتباه الى إشكالية المسرحية وقد نخرجه من مستوى أول للعنونة الى مستوى أعمق من حيث تفكيك التركيب وقراءته قراءة لغوية ثم فلسفية.
• الموضوع المطوح حساس جدا وجريء كذلك طريقة الطرح هل يمكن القول ان الفعل المسرحي مع نزار السعيدي وسيلة لكشف قبح المجتمع وسياسات الدولة؟
إذا لم يعبّر الفن عن واقعه فهو ضرب من الترف، فالفن لسان حال المجتمع في ارهاصاته وانعطافاته التاريخية يرافق الفعل الإنساني ناقدا محللا له . فالمسرح بالنسبة لي طاولة لتشريح المجتمع وعلاّته هو كشف لمكامن الداء والقبح فيه وهو فضاء للسؤال عن أسس وروابط المتداخلة في صنع العلة الاجتماعية وفيها يولد التساؤل عن سياسات الدولة كمؤسسة راعية للمواطن أي
يتحول الجرح الاجتماعي إلى محاججة سياسية وهي توريط للسلطة في مسؤوليتها تجاه المجتمع فالسلطة الناقصة المنهكة في صراعاتها الداخلية لا يمكن الا أن تنتج مجتمعا مهملا وهامشيا وعلى المسرح ان يدق ناقوس الخطر بحثا عن تغيير هذه السلطة وهو المعارض المشاكس في اصله.
• كانت السينوغرافيا في العمل كانت جديدة والضوء أصبح شخصية والشخصيات جميعها باتت مؤثرات موسيقية لصناعة مشهدية مختلفة اهو اختياركم لتقديم مسرح متجدد ومحاولة الابتعاد عن المسرح الكلاسيكي؟
في «قصر السعادة» كان منطلق العمل المخبري صياغة تركيبة جمالية مترابطة بين جميع عناصر العرض المسرحي من تمثيل وسينوغرافيا وموسيقى لذلك خرج الضوء عن مهمته الكلاسيكية وكان شريكا على الركح من حيث فيزيائيته وأضحى عنصرا درامي تتنقل من خلاله الشخصيات في الاحداث والفضاءات .
نحن نؤمن أن المسرح فن حيّ يتطبع ويتأثر بعصره ومن الغباء أن يحصر في قوالب بالية بل هو فن منفتح على ما يطرح من تكنولوجيات حديثة. فمشاهد الآن والهنا تطورت رؤيته للصورة في شتى تجلياتها التشكيلية والسينمائية فلا يمكن ان نربط معه عقدا مسرحيا يفتقد إلى هذه الصورة والاّ هجرنا وله في باقي الوسائط الفنية والرقمية ملاذ الحاجة .هي مسؤولية ملقاة على خيال صناع الفرجة الحية حتى يعيش المسرح ويكون في صميم الان وهنا لكن هذا الجانب الشكلي لا بمكن ان يكون له معنى دون الغوص في الدرامي وتمتين خرافته وبنائه.
الضوء وجسد الممثل آليتان لصياغة مقترح مسرحي مختلف من خلال البحث تطوير عملها وإخراجها من النمطية إلى سياقات جمالية أخرى قد تكون أسس نحت أسلوبنا الخاص داخل المدونة المسرحية التونسية.
• الموضوع الأساسي هو الإدمان لكن هناك مواضيع أخرى مثل سياسة الدولة في التعامل مع المؤسسات وتغول النقابات؟
في جميع أعمالنا نحاول أن نقدم محورا أساسيا ونبحث بعد ذلك عن العلاقات والمؤسسات المتشابكة معه لتكون أفكارا ومشاريع تعبر عنها شخصيات العرض حيث لا يمكن الحديث عن العنف دون التطرق إلى المؤسسة الاجتماعية او الامنية وغير ذلك.
كذلك الحال في قصر السعادة الذي يحتكم إلى محور الادمان والذي يبدو للوهلة الاولى موضوعا مستهلكا لكن الرهان هنا كيفية تقديم هذا المجترّ من خلال الحفر الصعب للتكشّف وإدراك حقائق مرعبة.وهنا يكون البحث مفتوحا حول المؤسسات الداعمة او الصانعة للادمان فما نقوم به في قصر السعادة هو استقصاء اجتماعي داخل عالم المدمنين انطلق من بحث ميداني في احياء شعبية بين قفصة وتونس وانتهى بتساؤلات فكرية على الركح اين نكتشف اقتراب نهاية هذا الوطن ان لم تتدخل الدولة الملعونة لمعالجة كارثة المخدرات فمستقبل هذا الوطن مرتبط بشباب نسبة كبيرة منه مدمنة، فجميع المؤسسات المرتبطة بمعالجة ملف الادمان في تونس معطّبة.
• هل يختلف السعيدي مع التشتت النقابي من جهة والحضور النقابي في اللجان الفنية؟
في المشهد المسرحي التونسي لن يخلق التعدد النقابي سوى التشتت والصراعات المفتعلة والتي هي في صالح الدولة لا في صالح المسرحي حيث تتجلى مقولة فرّق تسدّ ولا أرى أي داع أصلا من تشكيل نقابي في المسرح التونسي فلا نحن إجراء ولا وزارة الثقافة «عرف» ما يربطنا هو منحة دعم غير ملزمة من حيث الشكل.
التي هي من التحصيل الحاصل. فما لاحظته منذ سنوات مع بداية تشكل النقابات في المسرح تحويل وجهة النقاش من الفني الجمالي إلى ترهات اجتماعية رذّلت نبل وعلو الفعل المسرحي عن سائر الأفعال الانسانية وأصبح حرفة في سوق العرض والطلب والأجرة.
والآن بعد أن أصبح تواجد النقابات أمرا واقعيا فاني لا أرى من داع لتواجدها ضمن اللجان الفنية فدورها اجتماعي اقتصادي ما دخلها في دراسة المقترحات الفنية واختيار العروض المسرحية للمهرجانات الكبرى بتونس، وقد تحول الفعل النقابي الشريف من دفاع عن الشغيلة إلى الانتهازية والتموقع الشخصي عند بعض الأفراد بعد ان خانتهم المعرفة والقدرة الإبداعية.
• من «ناس» الى «سوس» الى «انتلجنسيا» الى «قصر السعادة» كشف نزار السعيدي عن عهر المجتمع وقبح ساساته اهو توجه معين ومسار تريد خوضه للتوعية والتغيير؟
العمل مشروع مسرحي نرسمه بكل جدية والتزام ينطلق من مفاصل الداء في المجتمع لتشريحها وطرحها على الركح وبعث أسئلة التغيير عند المشاهد مسار ننهل مما طرحه السابقون في الجدل داخل الأثر الفني للدعوة الى الثورة والتغيير، فالمجتمع يغط في المسلّمات والخنوع و على المسرحي أن يوقظه ويحرّك رغبة السؤال عنده ومن ثمة يفتح بابا للتغيير. مشروعنا المسرحي يتواجد مقابل السلطة كمرآة يرى فيها الساسة قبحهم وخذلانهم لمجتمعهم يحاول ان يفتح الحوار بين الجميع لا ينحاز إلا للمستضعفين نحاول أن نرسم خطاب معارض للتهميش والتسلّط.
• كما شرحتم ظاهرة الإدمان على الركح كيف تشرحون المشهد المسرحي بتونس ؟
إذا قيمنا المشهد المسرحي في تونس في جانبه الجمالي نلاحظ أنه يشهد محاولات جادة من الجيل الجديد في تطوير ما قدمته الأجيال السابقة وصنع مسارات خاصة لهم. جيل متشبّع بالثقافة المسرحية ومنفتح على ما يطرح الآن في العالم ويطمح للوصول إلى أركاح كبيرة فقط لو تعلقت همّة الدولة بذلك التي أصبحنا نظنّ أنها تريد قتل المسرح وتعتبره فنا لا يصلح داخل سياستها الفاشلة .
لكن في الوقت ذاته المسرح في تونس يعاني تواطئ الدولة من خلال تجويع المسرحي وتقييده بقوانين بالية حيث أن الإدارة الثقافية في تونس تحتكم إلى قوانين الستينات رغم الدعوات الملحة للتغيير والتجديد والتي لا تجد الاّ الاذان الصماء. فالتطور الجمالي وريادته لا تصاحبه ارادة سياسية لمزيد الدفع والتشجيع فكيف نتحدث عن مسرح في دولة لا يوجد فيها قاعة مسرح بمواصفات عالية وما يوجد هي قاعات للاجتماعات السياسية. فكيف نتحدث عن مسرح في دولة لا توجد فيها مركز للبجث والدراسات المسرحية حتى يثري الجانب النقدي والنظري للفعل المسرح؟ كيف نتحدث عن مسرح في دولة لازالت تلفزاتها الوطنية تقدم مسرحيات السبعينات ولا تسجل الحالي وهو ما يجعل الجمهور عازفا عن الذهاب الى المسارح؟ كيف نتحدث عن مسرح في دولة لا تعمد الدبلوماسية الثقافية وترفض دعوات المهرجانات لترشيح اعمالها المتميزة.
هناك عديد المشاريع التي يمكن ان تغير واجهة الثقافة والمسرح في تونس فقط لو تجد الإرادة السياسية والابواب المفتوحة.
• لجان الدعم في تونس والمشاكل التي تحوم حولها ما موقفكم من سياسة الدعم وطريقة اختيار اللجان؟
تحول الدعم من رافد تطوير إلى علّة ومرض أنهك جسد المسرح التونسي وأصبح مدار الفعل وأثبتت سياسة تشكيل اللجان وإسناد الدعم فشلها فهي كما قلت سابقا تعتمد على منظومة قوانين بالية كتبت في ظروف تاريخية واقتصادية معينة لا يمكن أن تكون صالحة لكل زمان ومكان. فتركيبة أعضاء اللجان الفنية يجب ان تخضع إلى معايير الكفاءة والنزاهة لا المحاصصات الفئوية فنحن ازاء أطروحات جمالية ولسنا أمام جلسات مطلبية اجتماعية وهذا ما سنسعى الى المطالبة به بعد التشكيل الحكومي الجديد.
ويجب أن تعود الأمور إلى أصلها النقابة للدفاع عن منظوريها عند التظلم وليست طرفا للحكم والتقييم هذا في جانب قانون تركيبة اللجان ، كذلك شكل تقييم الملفات ورصد قيمة منحة الدعم المسندة يجب أن تتغير كليا لا يمكن أن نقيّم عملا مسرحيا من خلال ملف ورقي يقع فيه تضارب قي عديد الأعمال المدعمة التي رفضتها لجان المشاهدة ولا أعلم لِمَ تصر وزارة الثقافة على اعتماد هذه الطريقة وهي ترى تقارير الفشل وعدم الانتقاء لمسرحيات أخذت من المال العام. يحب أن يقدم الدعم إلى مستحقيه من المجتهدين بعد مشاهدة الأثر ركحيا والترفيع في هذه المنح فما يقدم هو قليل من الدنانير تحدّ من تطور الفعل المسرحي.
• نزار السعيدي عرائسي لكنك لم تقدم عملا عرائسيا لم هذا الغياب عن العرائس وما تقييمكم لمسرح العرائس في تونس ؟. وما النقاط الممكن تقديمها لتطويره؟
لا يمكن أن أعطي لنفسي صفة العرائسي لأنها صفة كبيرة تتطلب الكثير من المهارات والإمكانيات أنا مهتم بمجال فنون العرائس من خلال البحث الاكاديمي في رسالة الماجستير وألان في الدكتوراه نحاول أن نثري الجانب النظري في التجربة العرائسية في تونس فهو مجال ممتع وساحر ولئن لم نقدم عمل عرائسيا إلا أننا حاولنا استثمار ما تطرحه هذه العرائس داخل منجزاتنا المسرحية قي علاقة بتوجيه الممثل .
التجربة العرائسية في تونس هي تجربة ثرية جدا اتخذت بُعدها من تجذّر الممارسة داخل الفضاء الفرجوي لكنها بقيت حبيسة قوالب التأسيس ولم تخرج من التقنيات الكلاسيكية رغم اجتهادات بعض العرائسيين لكنها تبقى محاولات فردية . فكل الظروف متوفرة لخلق مشهد عرائسي متطور من خلال التكوين الاكاديمي الذي يقدم بالمعهد العالي للفن المسرحي وكذلك مؤسسة المركز الوطني لفنون العرائس والتي تسهر الدولة على رعايتها فرغم المجهود المبذول من قبل المشرفين على المركز إلا أنه لم يقدم الإضافة المرجوة منه والتي أراها صراحة في غياب مشروع محدد واضح المعالم فما يقوم به مركز فن العرائس أنشطة عادية تقدمها مراكز الفنون الدرامية او دور الثقافة في حين انه مطالب بتجديد التجربة الإبداعية والخوض في مسائل تطوير العرائس والخامات كما تفعله المؤسسات العرائسية في العالم التي لا نقل عنها تجربة وإبداعا لو كان مقود المركز الوطني لفنون العرائس بيد مختص عالم بتفاصيل هذا الفن وسبل إبداعه
• لو جلستم على طاولة للحوار مع وزير الشؤون الثقافية ما الذي تقدمونه لعلاج المسرح التونسي وما موقعه مقارنة بالمسرح العربي وما هي نقائصه وما الحلول البديلة لاصلاحه؟
نتمنى ان يفتح الوزير او الوزيرة القادمة أذنه إلى دعاة الإصلاح والتجديد ولا يكتفي بحاشية التمويه والتزلف الذين غالطوا به الوزراء السابقين واغرقوا المسرح التونسي في مشاكل الكل يعلمها.
مشروع علاج المسرح التونسي موجود وممكن فقط لو تحققت الإرادة السياسية واعتبرت المسرح واجهة للثقافة الوطنية.لنا مشروع إصلاحي يشتغل على ثلاثية الإبداع والإنتاج والتوزيع وفيه تفصيلات إجرائية توضح فلسفة هذا المشروع الوطني وأهدافه العاجلة وطويلة المدى ليعود المسرح الى حياة المجتمع التونسي كرافعة للتثقيف وتطوير الفكر المواطني. واخراج المنجز المسرحي من المحلية الى العالمية من خلال توفير ظروف إبداعية لائقة وفتح مجالات الفعل في جميع مؤسسات الدولة.