انا اهزوجة للبقاء، أنا المراة أنا الولاّدة واهبة الأمل» هكذا هي المراة في عرض الولادة العرض الذي احتفى بالمرأة وقدمته الفنانة-المجنونة عاشقة الموسيقى لبنى نعمان ورفيق دربها الموسيقي مهدي شقرون.
«الولادة» قدّم في القصبة ضمن تظاهرة ليالي المتحف بسوسة التي تنظمها المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بالجهة ووكالة إحياء التراث وإدراة الرقص والموسيقى، «الولادة» كان صرخة أخرى للحياة واغنية متجددة تتغنى بالولادة والحياة.
الولادة فعل مقدّس كما الموسيقى
«الولاّدة» مرا، الولادة موسيقى تدغدغ الذاكرة وتحمل الجمهور ليحلم ليعشق وليرجع بالذكريات إلى الطفولة إلى اهازيج الجدّات وقصص الحب التي تغنيها المرأة.
في مكان مميز «فضاء متحف سوسة» فالمكان الشامخ كشامة غنت مجنونة الركح لبنى نعمان للمرأة، بفستان زهري يسّر الناظر وتلقائية على الركح رقصت لبنى وغنت للمراة، غنت للحبيبة والوطن، غنت للصادقات الكادحات، للعاشقات اللواتي حولن لواجع الشوق إلى أغان يرددنها في المناسبات أغان تلخص الوجع وتحوله إلى أهزوجة صادقة تكتمها المراة في قلبها وتخرجها احيانا في قالب اغنية موجعة رقيقة ترفقها بتنهيدة تدمي الروح.
على الركح كانت كملكة تتربع على موسيقاها، تماهت مع نوتات الآلات المختلفة وتشاركت ورفيق دربها مهدي شقرون في طاقة من الحب في اغنية «نحبك» جعلتها تبدع طيلة العرض، تألقت كنجمة تضيء الليالي الصيفية، انطلق عرض الولادة بتهويدة «سعدي سعد، بنتي خير من الف ولد، يسلم بنتي الباهية خطبني فيها الكاهية،والله والله ما نعطيها لو يعطوني تونس فيها بسوانيها ودواليها» التهويدة تتغنى بالأنثى واهميتها، وتبرز انّ فعل الولادة ذلك الفعل المقدس ينتج عنه أنثى مميزة هي الأخرى ستكون رمزا للخصب والعطاء.
في «الولادة» تستحضر لبنى نعمان اغاني النسوة، تنبش في الذاكرة الجماعية لتقدم الأغاني التي عبّرت فيها النسوة عن ضيمهنّ أمام المجتمع فغنت «يما وجعتوها، لا تضربوش البنت وجعتوها، والله وجعتوها تبغي الشهاوي وخايفة من بوها» الاغنية التي تبرز انكسار المرأة أمام السلطة الذكورية وحرمانها من حبيبها، الأغنية يقول فيها العاشق «ماتضربوش ريدي ولا تسكنوها في قصور حديد نا عندي نا سلوم ونجيبوها» وبعد الأغنية تعلق الفنانة «احذرن من الصمت أمام العنف، خلقتنّ لتكن جميلات حرات لا لتعنفن».
وتقدم لهنّ أنموذجا آخر من التراث عن المرأة القوية في أغنية «بتي سهرانة، نموت ولا زواج الهانة» الأغنية التي تشير إلى قوة المرأة فطريا «يا بيّ يا حني وإديني للعرس نغني ونشوف الخال واش يصبّرني على جالوا نعادي الرجالة يا عيني» فالمرأة قوية وبالفطرة قادرة على افتكاك حقوقها منذ القديم، لها شموخ الجبال ولين النسمة، محنكة وحكيمة هكذا هي «الولاّدة» كما قدمتها لبنى نعمان.
تبطين السياسي في اغاني النسوة
المرأة ذاكرة، والذاكرة لا تموت، المراة وطن والوطن يكرّم ولا يهان، المرأة شرارة حب وحياة، وللوطن غنت النسوة ،ومنذ الأزل تغنيّن بالارض بالحب بالسهر لأجلها، للوطن غنت لبنى نعمان ملتحفة بالعلم الوطني المرفرف الشامخ، غنت لتونس الوطن الجميل الذي تريده جميلا مثل نوتات الكمنجة.
موسيقى أمواج البحر تصل إلى المتحف لتتماهى مع صوت الناي الرقيق وموسيقى الدف ليكتب الثلاثة سيمفونية الحياة بعد النجاة من الغرق، لمن رموا بانفسهم عرض البحر غنت لبنى نعمان «بابور» لاولئك الهاربين من الجوع والمتجهين الى الموت والبحر غنت بحرقة الأم التي فقدت فلذة كبدها وقدمت «البابور الي هز رقية، البحر غارق والموجة قوية البابور» الاغنية اهزوجة للموت ومحاولة للانتصار عليه من تراث الشابة وجبنيانة.
أغنية عن «الحرقة» قدّمت منذ سنين ولازالت النسوة تغنيها ولازالت الأمهات ترثين غياب الأبناء بفعل البحر و «البابور حديد مسمّر بمسامر حديد» فلازال الجرح ينزف ولازالت ظاهرة الهجرة غير الشرعية تسرق أحلام الشباب ولازال هناك أمهات ترثين ابنائهنّ بعد أن يختاروا البحر المجهول على البلد المعلوم.
أهازيج النساء ذاكرة سياسية أيضا، فكم من أغنية ترددها النسوة وتتغنين فيها بمناضلين ووطنيين ونقابيين تناستهم الكتب الرسمية أحيانا، ولان جبنيانة مدينة النقابيين ومدينة لمن اختاروا الوطن وسلامته في أغنية «بابور» تستحضر النسوة ذكرى الهادي شاكر وفرحات حشاد «هيا امشوا، سي الهادي مات ومالحقش الحرية» وعلى الركح تصبح النوتات اقوى يزداد صوت الناي حزنا كأنه محاولة لاستحضار وجع دفين، العود تكون موسيقاه موجعة تكشف الم امّ مكلومة او عاشقة فقدت رفيقها، لتغني لبنى «هيوا البنات، كي جانا خبر الى مات، نهار الى قتلوا حشاد غدروه أولاد الرومية» وإعادة توزيع الأغنية يكشف مدى اهتمام الثنائي شقرون ونعمان بتراث الوطن واهتمامهما برجاله الوطنيين الذي قتلوا غدرا فغنت لهم لبنى نعمان لتبقى ذكراهم حية أبدا فالأغنية كذلك ولادة تونع الأمل من رحم النسيان.
تطبيق البروتوكول الصحي
ليالي متحف سوسة تلتزم بالبروتوكول الصحي، متطوعو فرع الهلال الاحمر بمساكن يقفون منذ المساء للقيام بواجبهم التطوعي لحماية ضيوف المهرجان، منذ الباب الخارجي يجبر الجميع على ارتداء الكمامات، وفي الباب تقاس الحرارة مع توزيع المعقم وفي الداخل يقف ابناء الهلال الأحمر طيلة العرض ويتجولون بين الجمهور حتى لا ينزع احدهم كمامته، شباب يؤمن بالعمل التطوعي ويحرص بشدة على تطبيق البروتوكول الصحي، والكراسي أيضا موزعة بطريقة تضمن مسافة المتر بين متفرج وآخر.