«ميراث النساء ووهم قطعية الدلالة» بإشراف نائلة السلّيني: استحقاقات الراهن تهزم تأويلات النص

لئن كان مشروع قانون المساواة في الميراث يراوح مكانه على طاولة لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية تحت قبّة البرلمان،

فإن الكتاب الجماعي الموسوم بـ«ميراث النساء ووهم قطعيّة الدلالة» جاء ليصحح منهاج مقاربة المواريث والنأي بها عن المقاربات الإيديولوجية حسب الدكتورة نائلة السليني التي أشرفت على تأثيث ورقات هذا الكتاب الجماعي. ما بين مقدمة وخاتمة نائلة السلّيني ويضم الكتاب 3 فصول جاءت بإمضاء المنجي الأسود وفريد بن بلقاسم وعبد الباسط قمّودي.

عن «دار الجنوب» صدر الكتاب الجماعي «ميراث النساء ووهم قطعيّة الدلالة»( تلك قسمة ضيزي) ليتوزع مداده على أكثر من 200 صفحة، مستندا على ثقل المراجع المتنوعة ومذيّلا بشهادات قيمة في الكتاب من توقيع كل من مدير مركز الدراسات الدينية ببودابست عزيز العظمة و الدكتورة دلندة الأرقش والدكتورة سناء العاجي.

مدى صحة القول بقطعية آيات المواريث ؟
جاء تصدير كتاب «ميراث النساء ووهم قطعيّة الدلالة» بقلم الدكتورة نائلة السلّيني لتتساءل في هذا المدخل :»كم من مرة تساءلنا عن هذه الحساسية من مسألة المواريث؟ ألهذه الدرجة تقلق قضية مساواة المرأة الرجل في مجتمع يعتبر نفسه من المجتمعات الحداثية؟

وتحت عنوان «آيات الميراث في النص القرآني بين حقيقة العموم ووهم قطعيّة الدلالة» جاء الفصل الأول بإمضاء الباحث في قضايا الفكر الإسلامي عبد الباسط قمّودي ليبحث في مدى صحة القول بقطعية آيات المواريث انطلاقا من النص القرآني البحت بعيدا عن تأثيرات التفاسير والتأويلات .وفي خاتمة بحثه، انتهى عبد الباسط قمّودي إلى الخلاصة التالية: «أنزلت آيات الميراث لتضبط أمرين لافتين على الأقلّ الأول : حق الأنثى في ميراث تستفيد منه مثلها مثل الذكر، فكانت المساواة في حدث الوراثة وإن لم تتحقق المساواة في الحظ. أما الثاني فهو تقديم أحكام ضبطت مقادير الأنصبة تفاديا لتجاوزها لكن دون أن تقدم أنموذجا نهائيا يحيط بكل الحالات فجاءت أحكامه عامة مطلقة. وأمام هذا العموم وتحت وطأة الواقع تحرك الاجتهاد البشري عبر آليات مختلفة حاولت الاستناد إلى أدلة فيها أكثر من نظر ليحدد «العلماء» ما اعتبروه «أحكاما للميراث» في توسع لافت استدعى بمرور الوقت إنشاء ما سمي «علم الفرائض».
وأورد الدكتور عبد الباسط قمّودي في خاتمته «أنّ المساواة ستصبح واقعا في يوم من الأيام قريبا أو بعيدا وسيتبارى في تنفيذها المسلمون عن وعي أو تقليدا للآخرين وستصبح وسما للإنسان المؤمن بإنسانية نصف الآخر» .

أحكام المواريث ليست إلا اجتهادا بشريا
في فصله المعنون بـ»في علم الفرائض: دراسة تحليلية نقدية» اهتم الباحث فريد بن بلقاسم بإزالة الغشاوة عن المبحث التالي: «النظر في التطورات التي عرفها مشغل المواريث بدءا من القرآن نصا تأسيسيا لا تخفي وشائجه بالزمان والمكان فيما يسمى «الأحكام»، مرورا بالفقه نصا مستنبطا منفتحا على مؤثرات شتى، وصولا إلى علم الفرائض نصا منغلقا يروم أن يكون علامة على الثبات والرسوخ والديمومة».

وفي نهاية المطاف، ذهب الدكتور فريد بن بلقاسم إلى الاستنتاج التالي: «ليس ما أنتجه الفقه الإسلامي وعلم الفرائض في المواريث، وإن ألبس لبوس القداسة، سوى نص ثقافي نابع من مجهود بشري محايث للواقع الاجتماعي والتاريخي ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكتسي صبغة متعالية على حدود زمانه وبيئته».

الدعوة إلى المساواة والرؤية النقدية لمجلة الأحوال الشخصية
تحت عنوان»المواريث في قوانين الأحوال الشخصية» جاء الفصل الثالث من هذا الكتاب الجماعي بإمضاء الدكتور المنجي الأسود الذي أشار إلى أن «الحركة الأساسية للمساواة لم تظهر باعتبارها مطلبا ملحا اجتماعيا واقتصاديا ملّحا إلا في بداية القرن العشرين.»

وبعد أن بحث في مسألة الميراث في مجلة الأحوال الشخصية التونسية ومرجعياتها التراثية، توّقف الباحث عند الدعوة إلى المساواة ومقترح لجنة الحريات الفردية والمساواة في تونس. ويرى منجي الأسود أن هذا التقرير «حاول أن يقدم رؤية حداثية لقوانين المواريث قائمة على تصوره المدني للدولة. كما حاول تقديم رؤية نقدية لمجلة الأحوال الشخصية. وهذه المحاولة عكست جهدا واضحا للتجاوز. لكنه بدا تجاوزا مغشوشا لأن ميزته الأساسية هي الرغبة في التخلص من المرجع الديني الذي انطلق منه. وقد ركز النقد الموجه لمجلة الأحوال الشخصية في مسألة الميراث على نقطتين أساسيتين هما التعصيب وحظ الأنثى في ارتباطها بالذكر الوارد في الآية «للذكر مثل حظ الأنثيين».

كما عرّج الباحث منجي الأسود على قوانين الميراث في الدول العربية والإسلامية في كل من فلسطين التي ترسخ صورة المرأة المضطهدة والعراق التي تتميز بتجربة قائمة تغيراتها على تقلبات السياسية وتركيا التي تعدّ بمشروع حداثي يحدّد مستقبله الفاعلون السياسيون. كما اعتبر صاحب الدراسة أن مطالب المساواة في المغرب شأنها شأن أغلب الدول العربية لم تعرف أي تغيير يمس من قوانين الميراث.

وفي خاتمة كتاب «المواريث في قوانين الأحوال الشخصية» أكدت الدكتورة نائلة السليني أن» مشروع قانون المساواة في الميراث سيمر، لأنه أسلم الحلول، فالمنتظر من المجتمع المدني أن يواصل العمل، خاصة بين أوساط الطبقات العادية، وألا ينساق وراء المسلّمة التي تقول «ليس لهؤلاء ما يورّثون / ما يورثون» ، فأحيانا وراثة حجرة أفضل من أن تظل المرأة متنقلة وباحثة عن ركن تأوي إليه. ويكون عندئذ منابها الضامن لحياتها ومواجهة تقلبات الزمن».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115