الكلمات التي نفث فيها من روحه افتتح الشاعر «منصف المزغني» تكريمه في مسامرة رمضانية أولى نظمها منتدى الفكر التنويري التونسي بإدارة «محمد المي» ليلة الاثنين 20 ماي 2019 بمسرح المبدعين الشبان بمدينة الثقافة.
انطلقت احتفالية المزغني بافتتاح معرض يتضمن صورا تختصر جزء من سيرة الشاعر بدء بصورته وهو طفل يتوسط إطارها صورتان لوالده ووالدته. ولحظات أخرى من أمسيات شعرية وتكريمات ولقاءات مع أهم الكتاب في تونس والعالم أهمها أكثر من صورة تجمعه بالشاعر الكبير «محمود درويش» ومعهما الراحل «محمد الصغير أولاد أحمد»
كما يتضمن المعرض - وهو مفتوح للزوار في بهو مسرح المبدعين الشبان - أغلفة إصداراته الشعرية: «عناقيد الفرح الخاوي» و«عياش» و«قوس الرياح» و«حنظلة العلي» و«حبات» و«حبات ومحبات» و«مشاعر»...
وفي مسرح المبدعين الشبان كان الحضور كبيرا احتفاء بشاعر مثير للقلق بشعره وبتجاوزه للغة مخترعا معجما جديدا وبطريقته المسرحية الفريدة في إلقاء شعره. ومن بين الحاضرين في المسامرة الأولى: نجا المهداوي ومحمود طرشونة وعبد السلام العيساوي وتوفيق العلوي والطاهر المناعي وسامي بن عامر ووسام غرس الله و نزار مقديش وفاتح بن عامر ومحمد دريج ومحمد بنور و محمد مومن وحسن بن عثمان وعلي المهذبي وآدم فتحي وأحمد شاكر بن ضية وغيرهم...
«منصف المزغني: سحرية اللغة وسقف الكلام»، تحت هذا العنوان الكبير انطلقت الجلسة الفكرية برئاسة صالح بن رمضان الذي تحدث عن المزغني قائلا «هو شاعرنا الكبير بأعماله، والفني بروحه، وبنور الكلمة يشع بها من حين لآخر ليسقي بها أرواحنا. لتعيد إلينا بعض الجمال الذي نفتقر إليه»
وشارك في الجلسة الأولى محمد صالح بن عمر الذي تحدث عن تجربة منصف المزغني الشعرية وأحمد حاذق العرف الذي قال إن محمد المي والمزغني أعادا إليه صوته وروى في تدخله قصة لقائه الأول بالمزغني «ذات خريف» في منزل أحد الأصدقاء وكيف كانت الليلة مدهشة وهو يلقي «يونس في بطن الحوت»، تحدث عبد القادر العليمي عن خصائص الكتابة الشعرية عند منصف المزغني، فيما توقفت «آمال مختار» عند علاقتها الخاصة بالمزغني وبشعره ووصفته بالرجل الذي كان يخيفها. أما شكري السلطاني فقدم مداخلة بعنوان «منصف المزغني بين الذاكرة الشعرية والعزف».
وبين هذه المداخلات راوحت الآراء بين الحديث عن تجربة المزغني الشعرية والعوامل التي أثرت في هذه التجربة إلى جانب شخصيته التي نرى جوانب ملهمة منها في إلقائه للشعر
أما «المزغني» فكان ينصت دامع العينين. حركت فيه المداخلات أزمنة وأمكنة ولحظات صنعت فيه الرجل «المخيف» الذي هو عليه اليوم. وجعات منه شاعرا قادرا على نشر قصائده دون الحاجة إلى توقيع اسمه، لأن شعره لا يشبه غيره فلا هو درويشي ولا أدونيسي ولا نزاري وهو أمر أكده «محمد صالح بن عمر» الذي أصدر سنة 1996 كتابا عن «المزغني» نفد من السوق وله حاليا دراسة مطولة بعنوان «تطور التجربة الشعرية للمزغني» ينتظر أن تنشر قريبا
منصف المزغني مسكون بهاجس درء كل تأثير لشاعر يقرأ له من جهة ولنصوصه السابقة من جهة أخرى لذلك كثيرا ما تأخذ منه الكتابة سنوات، ف»عياش» الذي يصفه النقاد بالنص الشعري الطويل، أصدره سنة 1982 لكنه انكب على هذا الكتاب تجريبا وتهذيبا منذ 1975. يفعل ذلك حتى يصبح اليوم قادرا على توقيع اسمه شعرا، وحتى لا يعيد ما قاله في كتبه الأخرى.
ما يميز المزغني أيضا - وقد أجمع عليه المتدخلون في الجلسة الأولى - هو الابتكار والاختراع والإضافة. فهو يبتدع كلمات جديدة فـ «مشاعر» وهي عنوان لإحدى مجموعاته الشعرية لا تعني العواطف بل هي جمع «شعر»، هكذا صاغها المزغني ابتداعا وخلقا. كما اخترع فعل «فندق»: «أهل اليمين يخندقونني في اليسار. وأهل اليسار يفندقونني في اليمين». واخترع أيضا «السلحفة تتأرنب» وغيرها من التخريجات اللغوية التي جعلت أسلوبه متفردا تونسيا وعربيا
والحديث عن منصف المزغني يأخذنا لا محالة إلى طريقة إلقائه التي يستخدم فيها العزف والغناء والتمثيل. وهو من الشعراء الذين يدرسون جيدا حضورهم أمام الجمهور.